اعتاد محمد ناجي (27 عاماً) التوجه كل يوم رفقة عدد من زملائه إلى المقر الانتخابي للمرشح خالد علي. ينتهي من عمله كباحث في إحدى المؤسسات الحقوقية، لينتقل بعدها لمساندة الحملة الانتخابية بعدما تطوع فيها قبل بضعة أيام.
ناجي ليس متأكداً من وصول مرشحه لمرحلة التصويت، فضلاً عن فوزه بالمنصب الرئاسي، يقول إن السياسة في مصر ميتة منذ 4 سنوات، "مشاركتي هي خطوة لإعادة إحياء السياسة في الشارع المصري، وقد تنجح المحاولة أو تفشل، لكن طالما أن الفرصة موجودة فلابد من استغلالها".
بعد مرور 7 سنوات من ثورة 25 يناير، تجرى ثالث انتخابات رئاسية في مصر، والتي يشارك فيها المحامي خالد علي أمام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، ومرشحين محتملين آخرين. ويحسب خالد علي على التيارات الشبابية التي شاركت في الثورة، ويخوض الانتخابات في وقت يشهد العمل السياسي تضييقاً على كثير من مظاهره.
يتحرك ناجي في شارع جانبي متفرع من شارع طلعت حرب وسط القاهرة، على بعد عشرات الأمتار من ميدان التحرير، حيث يتواجد مقر الحملة. شقة واسعة في الطابق الثالث من عمارة قديمة، يوجد على مدخلها ملصق دعائي لخالد علي، يبلغ طوله حوالي 30 سنتيمتراً.
المقر هو مكتب المحاماة الخاص بخالد علي نفسه، ويشاركه فيه 8 محامين آخرين، مكتوبة أسماؤهم على لوحة زجاجية أمام باب الشقة.
ينتشر قرابة 100 متطوع في أرجاء المكان، يمكنك ملاحظة بعض ممن فضلوا شرب القهوة أو تجاذب أطراف الحديث خارج الشقة على السلالم. بينما في الغرف الخمس تتواجد مجموعات عمل لكل منها وظيفة معينة، متابعة التوكيلات والتخطيط للدعاية وغيرها.
2000 متطوع.. وتوكيلات عددها غير معلن
في أحد الممرات داخل مقر الحملة، تقف إلهام عيداروس عضو الحملة المسؤولة عن التنظيم وجمع التوكيلات من بقية المتطوعين، "عدد المتطوعين وصل إلى 2000 شخص على مستوى الجمهورية"، على حد كلامها.
أكثر المتطوعين الموجودين في المقر هم من الشباب، وهم أيضاً أكثر من قاموا بعمل توكيلات. لكن هذا لم يمنع وجود نسبة توكيلات "لا يستهان بها من كبار السن"، حسب وصف عيداروس. بالإضافة إلى اهتمام كبير من المصريين في الخارج، رغم أن إرسال التوكيلات من دولة أخرى عبر البريد مكلف.
وضربت مثالاً بأن تكلفة إرسال توكيل عبر البريد السريع من أغلب الدول تتراوح قيمتها في حدود 100 دولار.
كباقي أعضاء الحملة، ترفض عيداروس أن تفصح عن العدد الدقيق للتوكيلات التي تم جمعها، تقول "لن نعلن أرقاماً رسمية الآن، نحن في نصف الفترة المتاحة لجمع التوكيلات، ونسير بإيقاع معقول في طريق تجميعها".
العدد المطلوب تجميعه هو 25 ألف توكيل من حوالي 15 محافظة، وهي مهمة ترى بأنها ليست سهلة لكنها أيضاً ليست مستحيلة، "هو تحدٍّ ويمكننا اجتيازه".
ومن خلال النداءات المتكررة التي يطلقها ناجي على فيسبوك، بالإضافة إلى تواصله مع معارفه بشكل مباشر، جمع حتى الآن توكيلات عدد من أصدقائه، منهم توكيل والدته الذي يعتبره أقرب التوكيلات إلى قلبه.
في إحدى الغرف يجلس المتحدث باسم الحملة خالد البلشي، يلتقي بزملائه الصحفيين الذين يحدثهم عما وصلت إليه الحملة، وفي نفس الوقت يتابع مع أعضاء الحملة ما يستجد من مشاكل، ويقترح عليهم حلها.
يبرر البلشي عدم الاعلان عن عدد التوكيلات بـ "عدم رغبة الحملة في استخدام الأعداد للتثبيط من همة البعض، عند مقارنتها بأعداد توكيلات تجمعها حملات أخرى"، يقصد بالطبع حملة دعم الرئيس المصري الحالي عبد الفتاح السيسي.
البلشي يشدد على عزم الحملة إكمال المعركة الانتخابية حتى النهاية، ويؤكد أن اهتمامهم الحالي بما تسميه الحملة معركة التوكيلات هو هدف مرحلي، "أعتقد أننا نريد أن نخوض المنافسة وأن لا يكون لنا مجرد أداء شرفي، مش هننزل نعرض نفسنا لخطر لمجرد أن ننال شرف المحاولة".
"الجدول الزمني لتجميع التوكيلات ضيق، ولو لم نستطع جمع التوكيلات سنخرج نقول للناس، ونخبرهم بأسباب ذلك"، يقول خالد البلشي.
مهمة صعبة لكنها ضرورية
محمد ناجي من أكثر الشباب حماساً داخل الحملة كما يشير زملاؤه. يمضي أكثر من نصف يومه في الحملة، ويأخذ نصف الأسبوع إجازة من عمله للتفرغ لمشاركته في أرشفة التوكيلات التي تصل مقر الحملة. هي ليست المرة الأولى التي يحرر فيها توكيلاً لخالد، فقد فعل ذلك في انتخابات 2012 أيضاً.
"قمت بتوكيل خالد لأنه من أصوات الثورة، وكنت أدعم وصوله لمرحلة التصويت النهائي". وأضاف "الآن أثبت أنه مناضل صلب ومدافع عن حقوق الإنسان، لم يخف واستمر طول الوقت في الدفاع عن العمال وعن مصرية تيران وصنافير، هو أنسب وجه للمعركة في مواجهة النظام الموجود".
في المقابل، يشكك نشطاء في جدوى المشاركة في هذه الانتخابات، بينما الأجواء السياسية لا تساعد على المشاركة من وجهة نظرهم، وبالتالي ستكون مشابهة لانتخابات 2014 التي نافس فيها السيسي مرشح وحيد هو حمدين صباحي الذي حاز على 3% من الأصوات، بينما حصل السيسي على 93.3%، بخلاف 3.7 % من الأصوات الباطلة.
لكن الباحث السياسي "علي الرجال" الذي انضم للحملة يرى أن هناك فرق هذه المرة. فانتخابات 2012 كانت بعد ثورة فتحت المجال العام وشارك فيها مرشحون من خلفيات متعددة، أما انتخابات 2014 فكان لخيار المقاطعة وجاهته في رأيه، لأن السيسي "سيطر على رقعة الشطرنج مرة واحدة"، واستند إلى تفويض شعبي. لكن الآن الوضع تغير والرجل موقعه تغير.
يكمل علي الرجال حديثه وهو مستند إلى جدار الممر الداخلي لمقر الحملة، قائلاً إن الأولوية التي تضعها الحملة في الوقت الحالي هي الانخراط في الصراع السياسي والاجتماعي. "نحن ننتهز فرصة الانتخابات هذه لإعادة أحياء الصراع السياسي".
الانتخابات هذه المرة مهمة في نظره، برغم المخاطرة والمجازفة، وكون الأمر أشبه بالملاحة في المياه المضطربة، على حد وصفه.
نجاحهم في هذه المعركة الانتخابية ليس عبر الفوز بالرئاسة، هم يعرفون صعوبة هذا الهدف، لكنه تغيير المشهد السياسي الجامد في مصر. يقول "إذا نجحنا في هذا، فلم لا نفكر في الدخول إلى معركة تالية أكبر".
وأثناء استعدادها لاستقبال متطوعين جدد قادمين لمقر الحملة، قالت عيداروس: "أهم شيء نفعله أن نكسر حالة الخوف المسيطرة على الناس، وفقدان الأمل والإحباط. الحملة معتمدة على إعادة تحفيز هؤلاء. هناك مجموعات كانت ترى عدم جدوى العمل، أصبحت تشارك كل يوم".
من تخاطب الحملة؟
في وقت سابق، كان خالد علي أعلن عن تسليم التوكيلات الخاصة بترشحه للجنة العليا للانتخابات يوم 25 يناير/كانون الثاني القادم، نفس يوم اندلاع الثورة المصرية.
يعلق البلشي "كل من يدفعون ثمن سياسات الحكم الحالي ويشعرون أنه خطر على المستقبل أعتقد أنهم يقفون معنا".
مساحات من يخاطبهم خالد علي لدعمه هي مساحة كبيرة في رأي البلشي، "نخاطب الجمهور الذي يحلم ببلد مختلف، ويدفعون ثمن استمرار النظام الحالي". هو يرى أن اعتبار يناير "ثورة مجموعة نشطاء" هو تقليل منها كثورة شعبية، "إذا كانت ثورة فالثورة يصنعها شعب، وأنا أخاطب شعباً".
وأعلنت حركات وأحزاب دعمها للمرشح مثل حركة الاشتراكيين الثوريين، وحزب الدستور، وحركة طلاب مصر القوية. ويؤكد البلشي أنهم يرحبون بالتعاون مع أي حد، بشرط ألا يكون محسوباً على نظام مبارك، أو نظام جماعة الإخوان المسلمين.
مخاطبة الجماهير عبر وسائل التواصل الاجتماعي أحد أهم أدوار الحملة، حسب إلهام عيداروس، بالإضافة إلى التواصل المباشر الذي تعتبر أنه لا يقل أهمية عن التواصل الإلكتروني. ونشرت الحملة على صفحتها على فيسبوك برنامجاً انتخابياً معروضاً بشكل مبسط ليخاطب غير المتخصصين.
بعض العشوائية
خلال الأسبوع الماضي، كتب بعض مؤيدي خالد علي عن بعض العشوائية التي تشهدها الحملة، ويمكن ملاحظتها من خلال متابعة ما ينشر على صفحتها الرسمية.
"وارد بالفعل وجود قصور كبير، لكن الحملة تتوسع كل يوم، فطبيعي أن نحتاج لإعادة ترتيب الأوضاع"، هكذا يوضح البلشي.
في المقابل، يلقي محمد صلاح – أحد مؤيدي خالد علي – اللوم على الهيئة العليا للانتخابات لأنها لا توفر إحصائيات عن عدد التوكيلات التي يتم تحريرها.
هو ينتقد فكرة تجميع التوكيلات الورقية وتسليمها للجنة مرة أخرى، رغم أن العملية تتم بشكل إلكتروني في مكاتب الشهر العقاري التابعة لوزارة العدل، والمنتشرة على مستوى الجمهورية.
في المؤتمر الذي عقدته الحملة في ذلك اليوم، اشتكت من خروقات تشوب عملية تحرير التوكيلات، وعرضت فيديو لسيدات يؤكدن أنهن حصلن على 50 جنيهاً مقابل تحرير التوكيل الواحد لصالح عبدالفتاح السيسي.
أثناء حوار "عربي بوست" مع خالد البلشي، قطع أحد أعضاء الحملة الحديث، وأخبر البلشي أن شخصاً منتمياً إلى الأمن الوطني، يرتدي ملابس مدنية يقف في أحد مكاتب الشهر العقاري بمنطقة السلام شمال القاهرة، ويهدد من يحررون توكيلات للمرشح، فطلب منه خالد أن ينسق مع عضو آخر في الحملة لاتخاذ خطوات الشكوى.
قبل ذلك بأسبوع، كان محمد ناجي يقوم بعمل التوكيل الخاص به، ولاحظ أن مجموعة من السيدات قد مللن الانتظار ويحاولن استعادة بطاقاتهن، التي جمعتها منهن جمعية أهلية تابعة لعضو في مجلس النواب، وأحضرتهن لعمل توكيلات بمقابل مادي.
عدم الوصول لمرحلة التصويت.. احتمال قائم
بخلاف تجميع التوكيلات، تواجه الحملة تحدياً آخر قد يؤدي لاستبعاد المرشح نفسه، حيث أن محكمة مصرية تنظر في دعوى مقدمة ضد خالد علي، بسبب صورة يظهر فيها وهو يشير بإصبعه الوسطى، وهو ما تعتبره الدعوى القضائية ارتكاب فعل فاضح في الطريق اليوم.
انتشرت هذه الصور في يناير/كانون الثاني بعد حكم القضاء الإداري ببطلان اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي وقعتها مصر مع السعودية، الخاصة بتسليم جزيرتي تيران وصنافير إلى السعودية.
في ذلك اليوم احتفل خالد علي وسط الحضور أمام المحكمة، الذي كان يترافع أمامها، ويدفع ببطلان الاتفاقية.
يعتبر خالد علي أن الصورة ملفقة، وستنظر محكمة "جنح مستأنف" في جلسة يوم 7 مارس/آذار 2018 الاستئناف. وفي حال تثبيت الحكم عليه، ربما يتم استبعاده من السباق الانتخابي، لأن قانون مباشرة الحقوق السياسية يمنع من سبق الحكم بحبسه من الترشح.
في العام الماضي، ألقي القبض على محمد ناجي أثناء مشاركته في مظاهرة ضد تسليم تيران وصنافير للسعودية، قبل أن يطلق سراحه بكفالة قدرها 100 ألف جنيه مصري على ذمة القضية. عندما يفكر ناجي في احتمال استبعاد مرشحه بسبب دفاعه عن مصرية الجزيرتين، يشعر بالامتنان للمشاركة في الدفاع عن الأرض، لكنه سيشعر بالأسف لعدم تمكنه من خوض السباق إلى نهايته.
لو لم يكمل خالد علي فستكون حملته تياراً سياسياً موجوداً في الواقع، "منذ فترة لم نجتمع ونشترك مع بعض في عمل كهذا، فستكون هذه انطلاقة للعمل السياسي من جديد".