“أشعر كل يوم بأنني مُحطّم”.. قصة رجل تحتجزه أستراليا منذ 8 سنوات دون محاكمة وتهمته الوحيدة أنه بلا جنسية

عربي بوست
تم النشر: 2018/01/15 الساعة 15:23 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/01/15 الساعة 15:23 بتوقيت غرينتش

سعيد عِمَصي رجلٌ بلا ماضٍ، وعلى ما يبدو بلا مستقبل أيضاً.

لا يعلم سعيد أين أو متى وُلِد. ولا يمتلك سوى وثائق قليلة تبيِّن هويته أو موطنه الأصلي.

ويعتقد، دون أن يتمكَّن من إثبات ذلك، أنَّه وُلِد في جزر الكناري الإسبانية لأمٍّ من الصحراء الغربية، وهي قطعة جرداء متنازع عليها من الأرض تقع شمال غرب إفريقيا. ولا يعلم شيئاً عن والده.

ولأنَّه كان طفلاً يتيماً، كان يُتاجَر به في سائر البلدان الأوروبية، وكان ضمن عبيد المنازل في بلجيكا، قبل أن يهرب ويعيش بين أزقة باريس وفرانكفورت، ويتورّط مع عصاباتٍ إجرامية في النرويج، وفق تقرير لصحيقة الغارديان البريطانية.

عاش حياته على هامش كل مجتمع عرفه، ويُقر بأنَّ معيشته تلك كانت خارج نطاق القانون في بعض الأحيان. ويعترف سعيد بأنَّه كان يسافر بجوازات سفر مزورة؛ لأنَّه من المستحيل لشخصٍ دون بلد الحصول على جواز سفر بطرقٍ شرعية، على حد قوله.

وصل سعيد إلى أستراليا بنيّة المرور بها فقط على متن طائرة في يناير/كانون الثاني من عام 2010.

لكنَّه احتُجز في هذا البلد دون ادعاءٍ أو تهمةٍ أو محاكمة منذ ما يقرب من 8 سنوات، ما هدّد صحته الجسدية، ووضعه بين براثن الاكتئاب الانتحاري.

سعيد رجلٌ بلا جنسية، فلا يوجد بلد على وجه الأرض يقبله ضمن مواطنيه، ويبدو أنَّ قضيته تسببت في إرباك السلطات الأسترالية.

وفي 5 تقارير منفصلة للبرلمان، حثَّ أمين المظالم بالكومنولث إدارة الهجرة بلهجةٍ متزايدة الحدة على النظر في إطلاق سراحه، لكنَّ مطالبه لاقت رفضاً في كل مرة.
والآن، أخبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والاحتجاز التعسفي التابعة للأمم المتحدة أستراليا بأنَّ احتجازها المستمر لسعيد غير قانوني وغير محدد وتعسفي، وأنَّها حرمته من حقه في المثول أمام المحكمة والطعن في حبسه.

وقالت اللجنة إنَّ "طلب اللجوء ليس عملاً إجرامياً؛ بل على العكس من ذلك، طلب اللجوء حق إنساني عالمي".

وأشارت إلى أنَّ "احتجاز أستراليا المطول وغير الاعتيادي لسعيد وتخلفها عن تقييم حالته تقييماً سليماً أمرٌ غير مبرر وغير منطقي".

وأضافت أنَّ قضية سعيد كانت "مثالاً متطرفاً على انعدام الجنسية".

وتابعت: "مع أخذ جميع ظروف القضية في الاعتبار، فإنَّ وسيلة الانتصاف المناسبة، بموجب القانون الدولي، ستكون الإفراج عن سعيد فوراً، ومنحه حقاً قابلاً للنفاذ في الحصول على التعويض وغيره من تدابير جبر الضرر الأخرى".

لا يمكن للجنة إجبار الحكومة الأسترالية على الإفراج عن سعيد أو اتخاذ قرارٍ نهائي بشأن وضع الهجرة خاصته؛ لكنَّها انتقدت باستمرار سياسة أستراليا في احتجاز المهاجرين ذوي الحالات المعقدة دون بذل جهودٍ كافية لحلها. وذكرت مراراً أنَّ لجوء أستراليا إلى الاحتجاز غير القابل للطعن كان "تعسفياً وغير متناسب" ومنتهكاً للقانون الدولي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، انتُخبت أستراليا في لجنة حقوق الانسان بعد إطلاقها حملةً استمرت سنوات للحاق بأحد مناصب الأمم المتحدة.

ويتواصل سعيد مع صحيفة الغارديان البريطانية عبر الهاتف من مركز احتجاز المهاجرين في جزيرة كريسماس الأسترالية، ويُتقن التحدث باللغة الإنكليزية التي قال إنَّها "لغته التاسعة أو العاشرة" التي تعلمها في سنوات احتجازه.

وقال: "أنا عاجز عن إيجاد أي كلمات أشرح بها لكم مدى صعوبة التعامل مع هذا النظام. أشعر كل يوم بأنَّني محطم. كل يوم جديد هو حكم آخر بالسجن مدى الحياة، ولا يوجد شيء بوسعي فعله".

"أخبروني بأنَّني ليس لديّ خيار"

وُلِد سعيد تقريباً في 27 مارس/آذار 1989. ولا يعرف تاريخ ميلاده بالضبط ولا مكان ميلاده تحديداً.

ويعتقد أنَّه من الصحراء الغربية، حيثُ فشلت أكثر من 40 عاماً من النزاع على أرضها في إيجاد حلٍ سلمي للأشخاص المضطهدين وعديمي الجنسية المنتمين لذلك المكان.

لكنّّه يعتقد أنَّ والدته سافرت إلى جزر الكناري لتلده هناك، وإذا كان ذلك صحيحاً، يحق له إذاً الحصول على الجنسية الإسبانية، لكنَّه لا يملك أي وسيلةٍ لإثبات ذلك.

لم يعرف سعيد والده الذي توفي قبل ولادته قط، ويعتقد أنَّه أمضى أولى سنوات حياته مع أمه في مخيمات اللاجئين بالصحراء الغربية أو الجزائر.

وتُوفيت والدته عندما كان عمره نحو 6 سنوات، وبعد تنقله بين سلسلةٍ متلاحقة من دور الأيتام، نُقل سعيد إلى البر الأوروبي الرئيسي عبر مقاطعة لاس بالماس ثم مدريد إلى باريس، حيث أمضى هذه الفترة من حياته بين الأزقة. وبعد ذلك، أُبقي عليه في بلجيكا بصفته خادماً -أو عبداً بالأحرى- لسنوات، ولم يرتد المدرسة قط.

وبعد فراره من العبودية، هرب وأمضى عدة سنوات يطوف بين المدن، وكان أحياناً ما يعيش في الشوارع، وأحياناً أخرى يجد أماكن إقامة أكثر استقراراً عند استطاعته. ثم اتجه شمالاً عبر بحر الشمال إلى النرويج، ووصل إليها عام 2004.

عاش سعيد في النرويج أكثر فترات حياته استقراراً وسكينة.

ويقول إنَّه تورّط مع عصابةٍ إجرامية وُصفت في وثائق الحكومة الأسترالية بأنَّها "عصابة مخدرات على غرار المافيا" تعمل في جميع أنحاء أوروبا الشمالية. وأضاف أنَّه كان مراهقاً ويمكن التلاعب به بسهولة.

وتابع: "كنتُ صغيرا جداً، وكوَّنت صداقاتٍ مع أشخاصٍ ينتمون إلى عصابةٍ صغيرة. جاهدنا للعيش وساعد كلٌ منا الآخر. كنتُ مجرد طفل، وفكرت في أنَّ تلك هي الحياة الأمثل. كان الوضع لا بأس به. لا يحتجزك أحد في أوروبا بل يعاملونك كإنسان. عشتُ حياةً حرة مثل طائرٍ في غابة".

ومع أنَّه كان مراهقاً، فقد قال إنَّه بدأ العمل حينها ساعياً لدى العصابة.

ويضيف: "لأنَّني كنتُ بلا عائلة، أصبحت هذه العصابة عائلتي التي لم أحظَ بها قط. كنتُ أعيش في الشارع كالمعتاد وبدأتُ في تأدية هذا العمل: (خذ هذه الحقيبة، أو اذهب إلى هذه المدينة). كانوا يعطوني مالاً، ولم أطرح أي أسئلة".

وفي أثناء التحاور معه، لم يقاوم سعيد الاعتراف بأنَّ أنشطة العصابة وأنشطته أيضاً كانت خارجة عن القانون، لكنَّه يقول إنَّه لم يكن لديه أي خيارٍ حينها.

ولم يُدن سوى مرةٍ واحدة عندما كان يبلغ 14 عاماً. إذ أُلقي القبض عليه حينها بتهمٍ تتعلق بالمخدرات، وارتكابه جريمةٍ جنسية مع فتاةٍ مراهقة كانت دون سن الرشد. وأصرّ والدها عندما اكتشف علاقتهما على رفع دعوى، لذا سُجن سعيد لمدة ثلاثة أشهر.

وللمفارقة، لم تأخذ حياة سعيد منحًى طبيعياً سوى في فترة احتجازه.

بعد إطلاق سراحه، تلقى سعيد المساعدة للالتحاق بإحدى المدراس -في ما تُعد تجربته الأولى مع الحياة المد