سعيد عِمَصي رجلٌ بلا ماضٍ، وعلى ما يبدو بلا مستقبل أيضاً.
لا يعلم سعيد أين أو متى وُلِد. ولا يمتلك سوى وثائق قليلة تبيِّن هويته أو موطنه الأصلي.
ويعتقد، دون أن يتمكَّن من إثبات ذلك، أنَّه وُلِد في جزر الكناري الإسبانية لأمٍّ من الصحراء الغربية، وهي قطعة جرداء متنازع عليها من الأرض تقع شمال غرب إفريقيا. ولا يعلم شيئاً عن والده.
ولأنَّه كان طفلاً يتيماً، كان يُتاجَر به في سائر البلدان الأوروبية، وكان ضمن عبيد المنازل في بلجيكا، قبل أن يهرب ويعيش بين أزقة باريس وفرانكفورت، ويتورّط مع عصاباتٍ إجرامية في النرويج، وفق تقرير لصحيقة الغارديان البريطانية.
عاش حياته على هامش كل مجتمع عرفه، ويُقر بأنَّ معيشته تلك كانت خارج نطاق القانون في بعض الأحيان. ويعترف سعيد بأنَّه كان يسافر بجوازات سفر مزورة؛ لأنَّه من المستحيل لشخصٍ دون بلد الحصول على جواز سفر بطرقٍ شرعية، على حد قوله.
وصل سعيد إلى أستراليا بنيّة المرور بها فقط على متن طائرة في يناير/كانون الثاني من عام 2010.
لكنَّه احتُجز في هذا البلد دون ادعاءٍ أو تهمةٍ أو محاكمة منذ ما يقرب من 8 سنوات، ما هدّد صحته الجسدية، ووضعه بين براثن الاكتئاب الانتحاري.
سعيد رجلٌ بلا جنسية، فلا يوجد بلد على وجه الأرض يقبله ضمن مواطنيه، ويبدو أنَّ قضيته تسببت في إرباك السلطات الأسترالية.
وفي 5 تقارير منفصلة للبرلمان، حثَّ أمين المظالم بالكومنولث إدارة الهجرة بلهجةٍ متزايدة الحدة على النظر في إطلاق سراحه، لكنَّ مطالبه لاقت رفضاً في كل مرة.
والآن، أخبرت اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والاحتجاز التعسفي التابعة للأمم المتحدة أستراليا بأنَّ احتجازها المستمر لسعيد غير قانوني وغير محدد وتعسفي، وأنَّها حرمته من حقه في المثول أمام المحكمة والطعن في حبسه.
وقالت اللجنة إنَّ "طلب اللجوء ليس عملاً إجرامياً؛ بل على العكس من ذلك، طلب اللجوء حق إنساني عالمي".
وأشارت إلى أنَّ "احتجاز أستراليا المطول وغير الاعتيادي لسعيد وتخلفها عن تقييم حالته تقييماً سليماً أمرٌ غير مبرر وغير منطقي".
وأضافت أنَّ قضية سعيد كانت "مثالاً متطرفاً على انعدام الجنسية".
وتابعت: "مع أخذ جميع ظروف القضية في الاعتبار، فإنَّ وسيلة الانتصاف المناسبة، بموجب القانون الدولي، ستكون الإفراج عن سعيد فوراً، ومنحه حقاً قابلاً للنفاذ في الحصول على التعويض وغيره من تدابير جبر الضرر الأخرى".
لا يمكن للجنة إجبار الحكومة الأسترالية على الإفراج عن سعيد أو اتخاذ قرارٍ نهائي بشأن وضع الهجرة خاصته؛ لكنَّها انتقدت باستمرار سياسة أستراليا في احتجاز المهاجرين ذوي الحالات المعقدة دون بذل جهودٍ كافية لحلها. وذكرت مراراً أنَّ لجوء أستراليا إلى الاحتجاز غير القابل للطعن كان "تعسفياً وغير متناسب" ومنتهكاً للقانون الدولي.
وفي نوفمبر/تشرين الثاني، انتُخبت أستراليا في لجنة حقوق الانسان بعد إطلاقها حملةً استمرت سنوات للحاق بأحد مناصب الأمم المتحدة.
ويتواصل سعيد مع صحيفة الغارديان البريطانية عبر الهاتف من مركز احتجاز المهاجرين في جزيرة كريسماس الأسترالية، ويُتقن التحدث باللغة الإنكليزية التي قال إنَّها "لغته التاسعة أو العاشرة" التي تعلمها في سنوات احتجازه.
وقال: "أنا عاجز عن إيجاد أي كلمات أشرح بها لكم مدى صعوبة التعامل مع هذا النظام. أشعر كل يوم بأنَّني محطم. كل يوم جديد هو حكم آخر بالسجن مدى الحياة، ولا يوجد شيء بوسعي فعله".
"أخبروني بأنَّني ليس لديّ خيار"
وُلِد سعيد تقريباً في 27 مارس/آذار 1989. ولا يعرف تاريخ ميلاده بالضبط ولا مكان ميلاده تحديداً.
ويعتقد أنَّه من الصحراء الغربية، حيثُ فشلت أكثر من 40 عاماً من النزاع على أرضها في إيجاد حلٍ سلمي للأشخاص المضطهدين وعديمي الجنسية المنتمين لذلك المكان.
لكنّّه يعتقد أنَّ والدته سافرت إلى جزر الكناري لتلده هناك، وإذا كان ذلك صحيحاً، يحق له إذاً الحصول على الجنسية الإسبانية، لكنَّه لا يملك أي وسيلةٍ لإثبات ذلك.
لم يعرف سعيد والده الذي توفي قبل ولادته قط، ويعتقد أنَّه أمضى أولى سنوات حياته مع أمه في مخيمات اللاجئين بالصحراء الغربية أو الجزائر.
وتُوفيت والدته عندما كان عمره نحو 6 سنوات، وبعد تنقله بين سلسلةٍ متلاحقة من دور الأيتام، نُقل سعيد إلى البر الأوروبي الرئيسي عبر مقاطعة لاس بالماس ثم مدريد إلى باريس، حيث أمضى هذه الفترة من حياته بين الأزقة. وبعد ذلك، أُبقي عليه في بلجيكا بصفته خادماً -أو عبداً بالأحرى- لسنوات، ولم يرتد المدرسة قط.
وبعد فراره من العبودية، هرب وأمضى عدة سنوات يطوف بين المدن، وكان أحياناً ما يعيش في الشوارع، وأحياناً أخرى يجد أماكن إقامة أكثر استقراراً عند استطاعته. ثم اتجه شمالاً عبر بحر الشمال إلى النرويج، ووصل إليها عام 2004.
عاش سعيد في النرويج أكثر فترات حياته استقراراً وسكينة.
ويقول إنَّه تورّط مع عصابةٍ إجرامية وُصفت في وثائق الحكومة الأسترالية بأنَّها "عصابة مخدرات على غرار المافيا" تعمل في جميع أنحاء أوروبا الشمالية. وأضاف أنَّه كان مراهقاً ويمكن التلاعب به بسهولة.
وتابع: "كنتُ صغيرا جداً، وكوَّنت صداقاتٍ مع أشخاصٍ ينتمون إلى عصابةٍ صغيرة. جاهدنا للعيش وساعد كلٌ منا الآخر. كنتُ مجرد طفل، وفكرت في أنَّ تلك هي الحياة الأمثل. كان الوضع لا بأس به. لا يحتجزك أحد في أوروبا بل يعاملونك كإنسان. عشتُ حياةً حرة مثل طائرٍ في غابة".
ومع أنَّه كان مراهقاً، فقد قال إنَّه بدأ العمل حينها ساعياً لدى العصابة.
ويضيف: "لأنَّني كنتُ بلا عائلة، أصبحت هذه العصابة عائلتي التي لم أحظَ بها قط. كنتُ أعيش في الشارع كالمعتاد وبدأتُ في تأدية هذا العمل: (خذ هذه الحقيبة، أو اذهب إلى هذه المدينة). كانوا يعطوني مالاً، ولم أطرح أي أسئلة".
وفي أثناء التحاور معه، لم يقاوم سعيد الاعتراف بأنَّ أنشطة العصابة وأنشطته أيضاً كانت خارجة عن القانون، لكنَّه يقول إنَّه لم يكن لديه أي خيارٍ حينها.
ولم يُدن سوى مرةٍ واحدة عندما كان يبلغ 14 عاماً. إذ أُلقي القبض عليه حينها بتهمٍ تتعلق بالمخدرات، وارتكابه جريمةٍ جنسية مع فتاةٍ مراهقة كانت دون سن الرشد. وأصرّ والدها عندما اكتشف علاقتهما على رفع دعوى، لذا سُجن سعيد لمدة ثلاثة أشهر.
وللمفارقة، لم تأخذ حياة سعيد منحًى طبيعياً سوى في فترة احتجازه.
بعد إطلاق سراحه، تلقى سعيد المساعدة للالتحاق بإحدى المدراس -في ما تُعد تجربته الأولى مع الحياة المدرسية- وتلقى مساعدةً أيضاً للحصول على مسكنٍ مدعوم. وانضم إلى نادٍ لألعاب القوى، حيث اكتشف موهبته الواعدة في العدو السريع.
ويقول عن ذلك: "منحوني الحرية في مجتمعهم. أعطوني منزلاً وألحقوني بمدرسة وانضممتُ إلى نادٍ للعدو. عشتُ بين مجتمعٍ نرويجي لطيف، وبدأتُ أتعرف على الكثير من الناس".
ما زال نادي العدو الذي التحق به قديماً ويحمل اسم أسكر شكيكلوب يحتفظ بصورٍ لسعيد في سن المراهقة وهو يتنافس في سباقاته عام 2006 في أرشيفه على الإنترنت.
ويقول سعيد عن تلك الفترة القصيرة في حياته: "كنتُ أعيش حياةً طبيعية. ليس بوسعي أن أطلب أي شيء أكثر من ذلك. لكنَّ العصابة كانت دائماً ما تلاحقني".
ويضيف: "لا تحب العصابة أن تخسر أي شخص، ولم تكن تريد خسارتي".
ويقول سعيد إنَّ المجموعة التي دعمته كانت تتوقع ولاءً لا يتزعزع، وأنَّه تعرض للتهديد على يد كبار أعضاء العصابة، وكان خائفاً على حياته. ولأنَّه عاش طوال حياته خارجاً عن القانون، لم يكن يعرف قط كيف يمكن للقانون حمايته، لذا، قال إنَّه شعر بأنَّه لا يستطيع اللجوء إلى الشرطة.
وتابع: "لم أكن أشعر بالأمان. حصلتُ على جواز سفر صديقي وقلتُ لنفسي: يجب أن أذهب إلى مكانٍ أشعر فيه بالأمان'".
وكان قد سمع عن نيوزيلندا في المدرسة، وقال عن ذلك: "اشتريتُ تذكرة ذهابٍ بلا عودة".
كان من المفترض أن تكون أستراليا مجرد محطة في رحلته، لكنَّها بدلاً من ذلك أثبتت أنَّ من شأنها تغيير مسار حياته للأبد. فبعد هبوطه في ملبورن، زُعِّمَ أنَّه حاول إتلاف جواز السفر الذي كان يحمله باسم ياسين يوسف؛ لأنَّه أراد أن يقدم نفسه باعتباره وافداً من الصحراء الغربية، إذ شعر بأنَّ قدومه من بلدٍ أوروبي سيقلل من فرصة قبول طلبه للحماية.
واحتجزه موظفو الهجرة في تولامارين (مطار ملبورن الدولي).
وبعد استجوابٍ موسَّع حول هويته وتاريخه وجنسيته، أُطلق سراح سعيد إلى أن يصلوا إلى حلٍ بخصوص وضع الهجرة الخاص به. وعاش لمدةٍ وجيزة في ضاحية فليمنغتون في ملبورن، وذلك قبل احتجازه أولاً في ملبورن ثم سيدني، ثم تنقَّل بين مراكز الاحتجاز في هاتين المدينتين دون سابق إنذارٍ أو تفسير في أغلب الأحيان لمدة 5 سنوات.
ويقول: "أخبرتُهم بأنَّني أريد العودة إلى أوروبا، فقالوا: لا، أنت لست مواطناً في أي بلد، وأخبروني بأنَّني ليس لدي خيار".
درس أخصائيو الحالات في دائرة الهجرة وحماية الحدود حالة سعيد. لم يكن من مواطني النرويج، ولم يكن له الحق في العودة إلى هناك (إذ انتهت صلاحية تأشيرة الحماية خاصته هناك أثناء احتجازه في أستراليا)، ولم يكن له أي حق في دخول أبوظبي التي عبر بها في رحلته. ولم تُسفر المشاورات المتكررة مع الحكومات الأخرى -سفارتي المغرب والجزائر- عن أي حلٍ واضح، فلم يكن لديه أية وثائق يمكنها أن تثبت علاقته بالصحراء الغربية أو إسبانيا. كان سعيد رجلاً بلا الجنسية.
يعترف القانون الدولي بانعدام الجنسية، وهو أمرٌ معروف بآثاره الضارة التي يُلحقها بحياة الفرد. فدون وطنٍ بعينه، يجد الشخص نفسه يتنقل من بلدٍ إلى آخر، دون أن يقبل أيُّ بلدٍ منها تحمُّل مسؤوليته، أو توفير مأوى له. ودون الحق في البقاء، تُصبح الرعاية الصحية والتعليم والإسكان وحماية القانون جميعها من المستحيلات.
تعد أستراليا أحد الأطراف المشاركة في اتفاقية عام 1954 بشأن وضع الأشخاص عديمي الجنسية، واتفاقية عام 1961 بشأن الحد من انعدام الجنسية. تُوفر الاتفاقية الأولى لهؤلاء الأشخاص الحد الأدنى من حقوق الإنسان، فيما تهدف الأخيرة إلى ضمان حق كل شخصٍ في الحصول على جنسية.
وفي أكتوبر/تشرين الأول عام 2015، استيقظ سعيد في الساعة 4:30 صباحاً في غرفته بمركز احتجاز فيلاوود، ونُقل جواً وهو مكبل اليدين عبر البلاد إلى جزيرة كريسماس النائية في المحيط الهندي. ولم تُتَح له أية فرصة لحزم أمتعته القليلة، ولا إخطار أحد بمكان ذهابه.
واحتُجز في ذلك المكان منذ ذلك الحين، ويُسمح له أحياناً بالحركة على الجزيرة الصغيرة النائية، لكن دون الحصول على حريته أبداً: فدائماً ما يرافقه حراس يراقبونه عن كثب.
وقال إنَّه يعتقد أنَّ الحكومة الأسترالية "توقفت" عن محاولة إيجاد أي حلٍ لقضيته.
وأضاف: "يقولون إنَّ حالتي معقدة، فأجيب: أعيش هنا منذ 8 سنوات، كيف لم تتوصلوا إلى تفاصيل عن حياتي؟ كيف يمكن أن يستغرق إيجاد حل كل هذه المدة؟".
وتابع: "يلومونني، لكنَّني لست متهماً بأي شيء. لم يقدموا أي ادعاءٍ ضدي".
جديرٌ بالذكر أنَّ محكمة النظر في أوضاع اللاجئين نظرت في قضية سعيد عام 2010. ووجدت أنَّه لم يستطع إثبات أنَّه "معرض للاضطهاد" وبالتالي لا يمكن الاعتراف به كلاجئ ومنحه تأشيرة حماية. لكنَّها وجدت أنَّه بلا الجنسية وليس لديه أي بلدٍ يمكنه العودة إليه.
وعرفت المحكمة من سعيد أنَّه سافر بوثائق سفر مزورة ومسروقة، وانتحل شخصية غيره. وقال سعيد للمحكمة إنَّه يخشى ترحيله إلى النرويج لأنَّ "عصابة المخدرات على غرار المافيا" -وفقاً لوصف المحكمة- التي عمل لصالحها تهدده بالقتل.
وتقول المحكمة: "يبدو أنَّ أحد أهم أسباب مشاكله هو ضعف احتمالية حصول مقدم الطلب على الإقامة الدائمة أو الجنسية، كونه شخصاً لا يحمل أي وثائق".
ومنذ ذلك الحين، قدم أمين مظالم الكومنولث 5 تقارير منفصلة للبرلمان حول قضية سعيد. وتزداد في هذه التقارير -التي نُشرت نسخٌ منها للعامة دون ذكر هوية الكاتب- نبرة القلق على صحة سعيد، ونبرة الإحباط بسبب استحالة إيجاد حل لقضيته شديدة الصعوبة.
وقال التقرير الأخير الصادر في فبراير/شباط 2016: "لا يزال أمين المظالم يشعر بالقلق إزاء تأثير الاحتجاز المُطول على صحة السيد سعيد. ويشير أمين المظالم إلى أنَّ السيد سعيد قد استشار طبيباً نفسياً في 24 أكتوبر/تشرين الأول 2014. وأوضح الطبيب تدهوراً هائلاً في صحته النفسية، ونصح بوضع سعيد في مركزٍ للاحتجاز المجتمعي".
وتابع: "منذ أغسطس/آب 2012، أوصى أمين المظالم بالاهتمام بنقل السيد سعيد إلى بيئةٍ أقل تقييداً. ويلاحظ أمين المظالم بقلقٍ بالغ أنَّ السيد سعيد ظل في مرافق الاحتجاز المحظورة لأكثر من 5 سنوات ونصف، ورغم أنَّ إدارة الهجرة وحماية الحدود تحاول منح السيد سعيد هويةً وجنسية، يبدو أنَّه لا يوجد قرار واضح في الأفق".
وقالت الحكومة الأسترالية إنَّها تواصل عملها للتحقق من هُوية سعيد. لكنَّ آخر طلبات الحماية التي قدَّمها -وهو الطلب الثالث له- قد رُفِض من جانب دائرة الهجرة في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وأثارت الحكومة في السابق شكوكاً إزاء انتماء سعيد إلى الصحراء الغربية، وقالت إنَّه ليس متعاوناً، وهو الادِّعاء الذي رفضته مجموعة العمل التابعة للأمم المتحدة.
وصرَّحت متحدثة باسم دائرة الهجرة وحماية الحدود الأسترالية لصحيفة الغارديان قائلةً: "تأخذ الحكومة الأسترالية التزاماتها المتعلقة بالحماية على محمل الجد، وتُقيِّم كافة طلبات الحماية وفق المعايير القانونية لعملية طلب تأشيرة الحماية".
وأضافت: "انعدام الجنسية وحده ليس سبباً للحصول على التزامات الحماية الدولية الأسترالية، لكنَّها قد تكون عاملاً وثيق الصلة عند تقييم طلبات الحماية. ولا يُعَد احتجاز مهاجرٍ غير شرعي عديم الجنسية عملاً مخالفاً للقانون أو تعسفياً بنظر القانون الدولي".
ولم تُعلِّق دائرة الهجرة على حالة سعيد بالتحديد.
يقول سعيد إنَّ الاحتجاز أصبح أصعب بعدما تضاءلت إمكانية الحصول على الحرية. والظروف أيضاً أصبحت تتسم بطابعٍ عقابي على نحوٍ متزايد بعدما أضحى مركز الاحتجاز نفسه يتسم بطابعٍ عسكري أكبر.
ويضيف: "يُدار المكان الآن كالسجن، ويبدو كما لو كان سجناً مُشدَّد الحراسة. وأينما ذهبت تشعر أنَّك كحيوانٍ في قفص. فهم يستخدمون القيود طوال الوقت كي ينقلوا الناس من حولنا. حين أتيتُ إلى هنا في البداية، كان الناس ودودين وكنتُ أشعر بالأمان. لكنني لم أعد أشعر الآن بالأمان أبداً، وعليك دوماً أن تكون يقظاً، وحذراً بشأن هوية من تتحدث معه".
ويعترف سعيد بلا تردد أنَّه أحياناً لا يقوى على تحمُّل الاحتجاز. واتسم عامه الأول في الحجز بالسلوك العدواني وثورات الغضب العنيفة، لكنَّ تقارير الحكومة تقول إنَّ تلك النوبات قلّت الآن.
وكتب أمين المظالم: "كان سعيد فاعلاً في السيطرة على صحته النفسية، ولم ينخرط في أية حوادث كبيرة مرتبطة بشخصيته أو تُوحي بأنَّه مُنقادٌ أو يُشكِّل خطراً أمنياً في الحجز على مدار الأشهر الـ18 الماضية".
وتحوَّلت نوبات الغضب إلى فتراتٍ طويلة من الاكتئاب المستمر، الذي يتضمَّن التفكير في الانتحار. ويقول سعيد إنَّ أكثر ما يثبط همّته هو فقدانه الثقة بأن يحظى بمستقبل.
وأضاف سعيد: "هذا النظام يحكم عليك بالموت كل يوم وكل ليلة. ولا تدري بمَن يمكنك الوثوق، وتفقد ثقتك".
نقلت أليسون باتيسون، مديرة شركة محاماة "Human Rights For All"، قضية سعيد إلى الأمم المتحدة. وتقول للغارديان إنَّ مُمثِّليه القانونيين مستعدون الآن لتقديم دعوى قضائية في أستراليا، بما في ذلك لدى المحكمة العليا، من أجل استصدار أمر مثول وتأمين إطلاق سراح سعيد.
وتضيف أليسون أنَّ معاملته مثَّلت انتهاكاً صارخاً للعملية.
وتتابع: "قضية سعيد هي رمزٌ للمشكلات التي يواجهها أكثر الناس عُرضةً للخطر في العالم. فسعيد شخص بلا جنسية نُقِل من إفريقيا بينما كان لا يزال طفلاً يافعاً، ووقع ضحيةً للاتجار في أوروبا. وليس لديه بلد أم، وليس لديه الحق للعيش في أي مكان. وبدلاً من معاملته بطريقة إنسانية وحساسة، احتجزته الحكومة الأسترالية 8 سنوات. هذا غير مقبول".
وتقول أليسون إنَّ سعيد عُرِضَت عليه وظائف في المجتمع الأسترالي، ويرغب بأن يُسهِم في المجتمع. وتضيف كذلك أنَّ وكالات الاستخبارات والأمن الأسترالية لم تُصنِّفه كتهديدٍ أمني ويجب إطلاق سراحه.
وتؤكد: "يتوق سعيد للحرية. وكل يوم يقضيه بالحجز يجعل أحلامه وقدرته على تحقيقها بعيدة المنال أكثر".
وتقول أليسون إنَّ الحكومة الأسترالية حاولت حل قضية سعيد، بما في ذلك طلبها منه 3 مرات تقديم طلب للحصول على تأشيرة حماية، لكنَّ إجراءاتها الصارمة لا تتلاءم مع قضيةٍ مُعقَّدة كقضية سعيد.
وتعتقد أليسون أنَّ الحكومة "توقَّفت قبل زمنٍ طويل عن محاولة حل قضيته".
وتضيف: "يعاني عديمو الجنسية بلا داعٍ بسبب عجز أستراليا عن التعامل بفعالية مع مثل تلك القضايا. على أستراليا أن تصبح أفضل في التعامل مع قضايا عديمي الجنسية".
يُوجَد حالياً 37 شخصاً من عديمي الجنسية في مراكز احتجاز المهاجرين بأستراليا، يقيم أغلبهم بمراكز الاحتجاز منذ أكثر من عامين في المتوسط.
ويقول سعيد إنَّ سنواتٍ من حياته أُهدِرَت في الحجز بلا جدوى ودون فائدة لأحد.
لكن الأسوأ هو إدراك أنَّ ذلك ربما يكون مصير ما تبقى من حياته أيضاً، إذ يواجه احتجازاً غير مُحدَّد الأجل.
ويقول: "بإمكانهم إرسالي إلى أي مكان، لكن لا يمكنني تحمُّل الاحتجاز للأبد وأنا أفكر في أنَّني لن أخرج أبداً".
وأضاف: "لقد دمَّروا حياتي لثماني سنوات. وأسامحهم على ذلك. ما أريده هو إنهاء هذا وحسب. أريد أن أجد يوماً أشعر فيه بأنَّني أستحق شيئاً ما. أريد حريتي".