قال سكان إن الشرطة التونسية اشتبكت مع محتجين مناهضين للحكومة في العاصمة تونس وعدد من المدن الأخرى، أمس الثلاثاء، 9 يناير/كانون الثاني 2018، مع اندلاع مظاهرات جديدة ضد إجراءات التقشف، بعد يوم من مقتل محتج في الاضطرابات.
واندلعت الاحتجاجات فيما لا يقل عن 12 مدينة تونسية، منها سوسة والحمامات، بسبب رفع أسعار بعض المواد الاستهلاكية والبنزين، وفرض ضرائب جديدة، في محاولة من الحكومة لخفض عجز الموازنة، وإرضاء المقرضين الدوليين.
وفي تونس العاصمة، قال شاهد إن الشرطة أطلقت الغاز المسيل للدموع في منطقتين، وعلى مجموعة اقتحمت متجراً لسلسلة كارفور.
وقال شهود إن اشتباكات جديدة اندلعت أيضاً في مدينة طبربة، حيث قتل محتج أمس الإثنين. وتبعد طبربة 40 كيلومتراً إلى الغرب من العاصمة تونس. وشوهد جنود هناك وفي مدينة جلمة بوسط البلاد، حيث وردت أنباء أيضاً عن وقوع اشتباكات.
وقبل ذلك بساعات دعا حزب المعارضة الرئيسي إلى مواصلة الاحتجاجات، إلى أن تلغي الحكومة قانون المالية "الجائر"، الذي يشمل زيادة الأسعار والضرائب.
وينظر إلى تونس على نطاق واسع في الغرب باعتبارها النجاح الديمقراطي الوحيد بين دول انتفاضات الربيع العربي التي حدثت في 2011، لكن تسع حكومات تولت زمام البلاد منذ ذلك الحين، ولم تتمكن أي منها من التعامل مع المشكلات الاقتصادية المتزايدة.
وينتاب القلق أوروبا بشأن الاستقرار في تونس، ويرجع ذلك جزئياً إلى أن البطالة هناك تدفع كثيراً من الشباب للتوجه إلى الخارج، في حين زاد عدد قوارب تهريب المهاجرين إلى إيطاليا، فضلاً عن أن تونس خرج منها العدد الأكبر من المتشددين الذين توجهوا إلى ساحات القتال في العراق وسوريا وليبيا.
وتصاعد الغضب منذ أن رفعت الحكومة، اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني، أسعار البنزين وبعض السلع، وزادت الضرائب على السيارات، والاتصالات الهاتفية، والإنترنت، والإقامة في الفنادق، وبعض المواد الأخرى، في إطار إجراءات تقشف اتفقت عليها مع المانحين الأجانب.
وفي 2016 اتفقت الحكومة مع صندوق النقد الدولي على برنامج قرض مدته أربع سنوات، بقيمة حوالي 2.8 مليار دولار، مقابل تنفيذ إصلاحات اقتصادية.
وقال حمة الهمامي، زعيم الجبهة الشعبية في مؤتمر صحفي بالعاصمة تونس "اليوم لدينا اجتماع مع أحزاب معارضة أخرى لتنسيق تحركاتنا، ولكننا سنبقى في الشارع، وسنزيد وتيرة الاحتجاجات حتى نسقط قانون المالية الجائر، الذي يستهدف خبز التونسيين ويزيد معاناتهم".
وأضاف أن الحكومة تستهدف بشكل غير عادل الطبقات الفقيرة والوسطى.
ضغط على الحكومة
وفي زيادة للضغط على الحكومة نقلت وكالة تونس إفريقيا للأنباء، عن الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي قوله، الثلاثاء، إنه حثَّ الحكومة على "زيادة استثنائية عاجلة" للحد الأدنى للأجور، ومساعدة الأسر الفقيرة في غضون أسبوع.
ودعا رئيس الوزراء يوسف الشاهد، الثلاثاء، إلى الهدوء، وقال إن الوضع الاقتصادي صعب ودقيق، لكنه سيتحسن خلال 2018. ويرأس الشاهد ائتلافاً من أحزاب إسلامية وعلمانية، لكنه يتعرض لضغط مستمر من الاتحادات العمالية.
وقال الشاهد "الوضع الاقتصادي صعب، والناس يجب أن تفهم أن الوضع استثنائي، وأن بلدهم يمر بصعوبات، ولكن نحن نرى أن 2018 سيكون آخر عام صعب على التونسيين".
وأدت انتفاضة 2011 وهجومان كبيران نفذهما متشددون في 2015 إلى تراجع الاستثمارات الأجنبية، وقطاع السياحة، وهما يمثلان نحو 8% من النشاط الاقتصادي للبلاد.
وأظهرت بيانات، في ديسمبر/كانون الأول، أن العجز التجاري زاد بمقدار الربع، في أول 11 شهراً من عام 2017، ليصل إلى 5.8 مليار دولار، وتراجع الدينار التونسي ليصل إلى أكثر من ثلاثة دنانير مقابل اليورو لأول مرة أمس الأول الإثنين.
"الحكومة تضحي بالفقراء"
كانت الاحتجاجات أقل بكثير من الاحتجاجات السابقة منذ الإطاحة ببن علي في 2011.
لكن المواجهات بين الحكومة واتحادات العمال والإسلاميين والقوى العلمانية بدأت أيضاً على نطاق ضيق قبل أن تتصاعد.
ويقول محللون، إن الشاهد قد يقوم بتعديل بعض إصلاحاته لتهدئة الاضطرابات الاجتماعية. وتحت ضغط من الاتحادات وافق المسؤولون بالفعل على زيادة رواتب القطاع العام، هذا العام، وتجنب التسريح الإلزامي الذي قد يثير احتجاجات.
وتقول الحكومة إنها تريد خفض فاتورة رواتب القطاع العام إلى 12.5% من الناتج المحلي الإجمالي في 2020، من حوالي 15% الآن، من خلال عمليات تسريح طوعية.
لكنها تحاول أيضاً تطبيق زيادة أسعار البنزين واقتطاع 1% من الرواتب لتمويل الصناديق الاجتماعية العاجزة، الأمر الذي يصعب على الناس استيعابه بعد سنوات من الصعاب.
وقالت امرأة تدعى فاطمة وتبيع الخضراوات والفاكهة في سوق بحي في تونس، حيث جرت احتجاجات أمس الأول الإثنين "في وقت بن علي الذي لم نحبه كنت أملأ طاولتي بالخضراوات والفاكهة وغيرها بعشرة دنانير، والآن 50 ديناراً لا تكفي لذلك. الوضع يزداد سوءاً بسرعة كبيرة".
وأضافت "الحكومة تضحي بالفقراء والطبقة الوسطى برفع الأسعار، وتتجاهل المتهربين من الضرائب ورجال الأعمال".
من ناحية أخرى، قال سفيان السليطي، المتحدث باسم القطب القضائي "قاضي القطب المالي أمر بسجن مدير عام الجباية بوزارة المالية، للاشتباه في فساد مالي واختلاس أموال"، دون أن يعطي مزيداً من التفاصيل.
وتقول الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد، إن الفساد استشرى بشكل كبير منذ 2011، ويهدد بشكل جدي الانتقال الديمقراطي في البلاد، كما يكلف البلاد خسائر كبيرة بمليارات الدولارات، ويشمل أغلب القطاعات.