قالت الحكومة التونسية إن شخصاً لقي حتفه، مساء الإثنين 8 يناير/كانون الثاني 2018، خلال اشتباكات بين قوات الأمن ومحتجين في بلدةٍ تونسيةٍ، بعد اتساع رقعة الاحتجاجات على قرارات حكومية برفع الأسعار وفرض ضرائب جديدة، لتشمل مناطق متفرقة من البلاد.
وفيما نفت وزارة الداخلية دهس سيارة أمنية أحد المحتجين في طبربة (غرب العاصمة)، شهد عدد من المناطق بمحافظة القيروان (وسط /150 كم عن العاصمة تونس)، ليل الإثنين، حركات احتجاجية ليلية تمثلت بغلق الطريق الرئيس الرابط بين محافظتي القيروان وسليانة على مستوى منطقة الوسلاتية (60 كم غرب القيروان).
وأفاد شهود عيان لـ"الأناضول" بأن عدداً من الشبان أشعلوا العجلات المطاطية، ووضعوها وسط الطريق؛ ما تسبب في تعطيل حركة المرور، كما أفادوابأان المحتجين اعتدوا على السيارات بالحجارة.
وفي محافظة المهدية (شرق/220 كم عن تونس العاصمة)، اندلعت احتجاجات بمنطقة ملولش، وتمّ إغلاق الطرق الرابطة بينها وبين المدن المجاورة بإشعال العجلات المطاطية؛ ما استدعى تدخل قوات الأمن .
وقد طالب المحتجون بالتنمية للجهة، كما طالبوا الحكومة بتوفير موارد الشغل، والضغط عليها لمراجعة الغلاء في الأسعار، وفق مراسل "الأناضول".
ووفق إذاعات خاصة تونسية، أقدم مساء الإثنين عدد من المحتجين بمنطقة القطار في محافظة قفصة (نحو 450 كم جنوب العاصمة تونس)على اقتحام مركز الأمن الوطني بعد أن غادره الأعوان، كما قاموا بعمليات نهب.
وبحسب إعلام محلي، أيضاً، شهد حي التضامن غرب العاصمة تجمّع مئات الشباب في شارع ابن خلدون بالمنطقة، وعمدوا إلى إشعال العجلات المطاطية، وحاويات القمامة؛ ما دفع الوحدات الأمنية لاستعمال الغاز المسيل للدموع لتفريقهم.
وفي سياق متصل، نفت وزارة الداخلية التونسية دهس سيارة أمنية أحد المحتجين في مدينة طبربة غرب العاصمة.
جاء ذلك في بيان نُشر مساء الإثنين على موقع الوزارة الإلكتروني، اطلعت عليه "الأناضول".
وقال البيان إن الشخص الذي قيل إن سيارة أمنية دهسته من مواليد 1972، دون ذكر اسمه، مشيراً إلى أنه وصل إلى قسم الطوارئ بالمستشفى المحلي في طبرية، حيث يعاني مرضاً مزمناً (ضيق التنفس)، "ولا يحمل أية آثار عنف أو دهس".
وأوضح البيان أنه تم فيما بعد نقل هذا الشخص "إلى مستشفى الرابطة بالعاصمة، ورغم تقديم الإسعافات اللازمة له فإنه تُوفي هناك. وقد تمت إحالته على ذمة الطبيب الشرعي لتحديد أسباب الوفاة".
سبب الاحتجاجات
الغضب تصاعد منذ أن قالت الحكومة إنها سترفع اعتباراً من الأول من يناير/كانون الثاني 2018 أسعار البنزين وبعض السلع، وستزيد الضرائب على السيارات والاتصالات الهاتفية والإنترنت والإقامة بالفنادق وبعض المواد الأخرى، في إطار إجراءات تقشف تم الاتفاق عليها مع المانحين الأجانب.
وتتضمن ميزانية 2018 زيادة الضرائب الجمركية على بعض المنتجات المستوردة من الخارج، مثل مستحضرات التجميل وبعض المنتجات الزراعية.
ويشهد الاقتصاد أزمة منذ ثورة 2011 التي أطاحت بالحكومة، كما تسبب هجومان كبيران للمتشددين في عام 2015 في إلحاق أضرار بقطاع السياحة الذي يمثل 8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
وتواجه تونس ضغوطاً قوية من صندوق النقد الدولي للإسراع بالتغييرات السياسية والمساعدة في تعافي الاقتصاد من الهجمات.
من جهة أخرى، قال متعاملون إن الدينار التونسي هبط يوم الإثنين إلى مستويات قياسية مقابل اليورو، لتتجاوز العملة الأوروبية الموحدة 3 دينارات، مع تنامي العجز التجاري للبلاد، مما أسهم في تآكل احتياطياتها من النقد الأجنبي.
وسجل العجز التجاري للبلاد مستوىً قياسياً مرتفعاً في نهاية نوفمبر/تشرين الثاني، بوصوله إلى 5.82 مليار دولار، وفقاً لبيانات رسمية.
وذكر متعاملون أنه جرى تداول اليورو مقابل 3.011 دينار الإثنين، لتواصل العملة التونسية هبوطها الحاد منذ العام الماضي؛ إذ انخفضت في 2017 نحو 20.6% أمام اليورو.
وقال مراد حطاب الخبير في المخاطر المالية لـ"رويترز"، إن الهبوط الحاد للدينار سيزيد من مصاعب تونس الاقتصادية وقد يعزز العجز التجاري، كما سيرفع ديون تونس الخارجية التي تسدد باليورو.
وأضاف أنه يتوقع استمرار هبوط الدينار التونسي إلى 3.3 دينار لليورو في الأشهر المقبلة مع عدم تدخل السلطات النقدية.
كانت وزيرة المالية السابقة، لمياء الزريبي، قالت العام الماضي إن البنك المركزي التونسي سيقلص تدخلاته الرامية إلى تعزيز الدينار، لكن البنك نفى أي نية لتعويم العملة.
غير أن حطاب يرى أن عدم تدخل البنك المركزي لضخ عملة أجنبية في السوق، يشير إلى توجه لتحرير غير معلن للدينار بشكل تدريجي.
وهبوط الدينار المستمر يزيد من مصاعب تونس الاقتصادية، التي أجبرتها على رفع أسعار بعض السلع وفرض ضرائب جديدة، مما أشعل الاحتجاجات.
مهد الربيع العربي
وتعد تونس مهد حركة احتجاجات الربيع العربي قبل 7 سنوات، وعادة ما توصف بأنها قصة النجاح الأساسية التي نجمت عن تلك الانتفاضات الشعبية التي شهدتها المنطقة العربية وانتهى بعضها إلى موجات من العنف والفوضى.
وكانت شرارة الانتفاضة الشعبية، التي أطاحت بحكم الرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، انطلقت في 17 ديسمبر/كانون الأول 2010؛ تضامناً مع الشاب محمد بوعزيزي الذي أضرم النار في جسده؛ تعبيراً عن غضبه واحتجاجه على إهانته ومصادرة العربة التي يبيع فيها وتشكل مصدر رزقه الوحيد على أيدي الشرطة.
وعبّر كل من "التيار الديمقراطي" و"الجبهة الشعبية اليسارية" المعارضَين، عن دعمهما للاحتجاجات، في ظل عزلة الحكومة وانشغال حزبَي الموالاة (النهضة ونداء تونس) بالتحضير للانتخابات البلدية المقرر تنظيمها في مايو/أيار المقبل.
ويتخوف مراقبون من أن تكون هذه الاحتجاجات مدخلاً لتغيير الحكومة التي تعرضت لخضّات سياسية أخيراً مع انسحاب حزبَي "آفاق تونس" و"الجمهوري" منها، إضافة الى تسريبات مفادها بأن حزب "نداء تونس" الحاكم لم يعد يرغب في "الشاهد" على رأس الحكومة.