للمرة الأولى منذ إعلان منظمة التحرير الفلسطينية دعمها لمشروع إقامة دولةٍ فلسطينيةٍ جنباً إلى جنب مع إسرائيل عام 1988، تناقش المنظمة الآن بجدية فكرة التراجع عن موقفها والسعي نحو حل الدولة الواحدة، وفقاً لما ذكرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في تقرير لها الأحد 7 يناير/كانون الثاني 2018.
فمع قرارات الرئيس الأميركي دونالد ترامب تجاه القدس، وما تبعتها من قرارات إسرائيلية، التي لم تبق شيئاً من حلم السلطة الفلسطينية بإقامة دولتها على حدود عام 1967، شَرَعَ الطرفان في تحويل اهتمامهما إلى فكرة الدولة الواحدة.
مصطفى البرغوثي، عضو المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، قال إن هذه الفكرة باتت "تُهيمن على المناقشات الجارية". ومن المُنتَظَر أن يُجري المجلس المركزي تعديلاتٍ مُحتَمَلَة على استراتيجية الحركة الوطنية في وقتٍ لاحقٍ من الشهر الجاري.
أزمة عويصة للطرفين
لكن هذا الحل لطالما شكَّلَ أزمةً عويصةً للطرفين، فبالنسبة للإسرائيليين، فإن استيعاب 3 ملايين فلسطيني من الضفة الغربية سيعني التخلي عن الديمقراطية أو القبول بنهاية الدولة اليهودية.
وبالفعل هذا ما يأمله الفلسطينيون الداعمون لهذه الفكرة، وهو أن يحمل حل الدولة الواحدة حقوقاً متساوية للفلسطينيين واليهود، وأن يمتلك الفلسطينيون فيها قوةً سياسيةً متناسبةً تُمكنهم مع الوقت أن يُشكلوا أغلبيةً – مع أخذ الاتجاهات الديموغرافية بعين الاعتبار – تقضي على المشروع الصهيوني في المنطقة.
وهذه النتيجة مرفوضةٌ من قبل اليمين الإسرائيلي الذي يضغط بشدة على الحكومة للاستيلاء على الأراضي في الضفة الغربية المحتلة، حيث أتم المستوطنون بناء مستوطناتهم مع إرسال الفلسطينيين إلى المناطق التي يعيشون فيها الآن.
ويعترف مؤيدو هذه الفكرة من الإسرائيليين صراحةً بأن المناطق الفلسطينية ستشكل مساحةً صغيرةً لا تكفي لإقامة دولة، إذ وصفها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بـ"الدولة الناقصة".
وفي النهاية، يرى هؤلاء أن الفلسطينيين يُمكنهم إقامة دولتهم في صورة كونفدرالية مع الأردن أو مصر، أو كجزءٍ من إسرائيل، أو حتى كدولةٍ مستقلة – في المستقبل البعيد.
أما الفلسطينيون، الرافضون للعيش في ظروفٍ شبيهةٍ بالأبارتايد (الفصل العنصري) أو تحت وطأة احتلالٍ عسكري، يرون أن حل الدولتين يُمثِّل أفضل آمالهم، حسبما تذكر الصحيفة الأميركية.
ترامب أنهى حلم الدولتين
لم تعلن حكومة ترامب دعمها لحل الدولة الواحدة، كما أنها تعمل على الخروج بخطة السلام الخاصة بها، مع الإصرار على أن أي حلٍ نهائي يجب التفاوض عليه بين الطرفين حتى عندما يتعلق الأمر بالحدود.
فالقرار الذي أصدره ترامب الشهر المنصرم للاعتراف بالقدس عاصمةً لإسرائيل، ضرب بعرض الحائط السياسة الأميركية على مدار العقود الماضية وإجماع الآراء الدولية دون التطرق حتى إلى الحق الفلسطيني في المدينة، وجعل الكثيرين يرون الأمر بمثابة تحيزٍ واضحٍ من ترامب للجانب الإسرائيلي.
صائب عريقات، المفاوض الفلسطيني المخضرم، قال إن إعلان ترامب دقَّ المسمار الأخير في نعش حل الدولتين، وإن على الفلسطينيين أن يوجهوا جهودهم صوب "حل الدولة الواحدة بحقوق متساوية". وحصد موقفه منذ ذلك الحين كثيراً من التأييد في أوساط القيادة الفلسطينية.
وفي حال اتباع هذه السياسة، ستحول الحركة الفلسطينية جهودها إلى الصراع من أجل التمتع بحقوقٍ مدنيةٍ متساوية، مثل حرية التنقل وحرية التجمع وحرية التعبير والحق في التصويت بالانتخابات الوطنية. وهو ما وصفه البرغوثي بأنه: "يعني إمكانية انتخاب فلسطيني لرئاسة مجلس الوزراء".
جهود لإقامة الدولة الواحدة
وتضيف الصحيفة الأميركية "بالنسبة لأنصار حل الدولة الواحدة من الفلسطينيين، فإن هذه الفكرة هي بمثابة مواساةٍ تكسوها المرارة بعد عقودٍ من السعي لإقامة دولتهم بموجب اتفاقيات أوسلو للسلام، والتي يرى الكثيرون أنها لم تُحقِّق سوى توفير الغطاء والوقت لإسرائيل كي تواصل توسيع مستوطناتها".
ويقول أسعد غانم، أستاذ العلوم السياسية بجامعة حيفا الذي يعمل منذ فترة مع مجموعةٍ من الإسرائيليين والفلسطينيين على وضع استراتيجية لتحقيق حل الدولة الواحدة: "إذا كنت تؤيد حل الدولتين، فأنت تدعم نتنياهو. وقد جاء الدور على الفلسطينيين لتقديم حل بديل".
وهناك العديد من الجهود المبذولة في الوقت الراهن. وتُخطط الحركة الشعبية للدولة الديمقراطية الواحدة، التي يبلغ عمرها عقداً من الزمن ويرأسها راضي الجراعي (قيادي سابق بحركة فتح، قضى 12 عاماً داخل السجون الإسرائيلية بعد أن ساعد في قيادة انتفاضة عام الأولى عام 1987)، لإطلاق حملةٍ تعريفية تشرح الفكرة لسكان الضفة الغربية.
وصرح راضي: "يعتقد الكثيرون أن المقترح يعني الحصول على بطاقات هوية إسرائيلية والعيش تحت نظام فصلٍ عنصري. لكن فكرتنا تسعى لتحقيق دولةٍ ديمقراطيةٍ واحدة، دون امتيازاتٍ خاصةٍ لليهود أو أي مجموعةٍ عرقيةٍ أو دينيةٍ أخرى".
ويتحدث آخرون عن صياغة دستورٍ أوليٍ لدولةٍ واحدةٍ أو تأسيس حزبٍ سياسيٍ في إسرائيل والضفة الغربية لدفع المقترح إلى الأمام.
ويقول حمادة جابر، أحد منظمي مجموعة تُدعى مؤسسة الدولة الواحدة: "أكثر من 30% من الفلسطينيين يدعمون حل الدولة الواحدة، دون حتى أن يتم التطرق إلى الموضوع. وسينمو هذا الدعم في حال وجود حزبٍ واحدٍ على الأقل يدعم الفكرة ويدعو لهذه الاستراتيجية في الجانبين".
ويقول خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، إن الفكرة تلقى دعماً أكبر في أوساط الشباب الأصغر سناً وتحديداً الطلاب والعمال الذين طالبوا بتغيير الاستراتيجية منذ الربيع العربي عام 2011.
وقالت مريم البرغوثي، الكاتبة والناشطة في الجهود الساعية لإقامة الدولة الواحدة وأحد أقارب البرغوثي: "أبلغ من العمر 24 عاماً وكل ما أعرفه هو اتفاقيات أوسلو وعملية التفاوض على حل الدولتين. وكنت شاهدةً على تحوُّلِ الأوضاع من سيئ إلى أسوأ بالنسبة لي ولجيلي بأكمله".
ماذا عن اليمين الإسرائيلي؟
تقول الصحيفة الأميركية إن اليمين الإسرائيلي، يعتبر التخلي عن حل الدولتين أمراً جيداً ويجنب إسرائيل تهديداً خطيراً على المدى الطويل، لكنه لم يستفض في شرح الكيفية التي سيتغلب بها حل الدولة الواحدة على المعضلة الديموغرافية.
فاستيعاب حوالي ثلاثة ملايين فلسطيني من الضفة الغربية يجعل تل أبيب أمام خيارين: إما أنه سيدق المسمار الأخير في نعش الدولة اليهودية أو انه يدمر الديمقراطية الإسرائيلية في حال حرمان الفلسطينيين من الحصول على حقوقٍ متساوية. إذ أن الأغلبية اليهودية الضئيلة –لو تحققت- لن تنجح سياسياً في حرمان الفلسطينيين من حقوقهم ومواطنتهم داخل دولةٍ واحدةٍ ذات سيادة.
لكن عضو البرلمان من حزب نتنياهو يوآف كيش، الذي يدعم خطة حُكم الدولة الواحدة، حسم هذا الأمر مُستخدماً الأسماء التوراتية للضفة الغربية: "لن أمنح حقوق المواطنة لجموع السكان العرب في يهودا والسامرة أبداً".
وأضاف أنه في نهاية المطاف، يُمكن للمناطق الفلسطينية المتبقية أن تُصبح جزءاً من الأردن أو مصر، أو تتحول إلى "دولةٍ ناقصة" ذات سيادةٍ محدودة. وتابع كيش أنه على استعدادٍ في الوقت الحالي أن يمنح الجنسية الإسرائيلية الكاملة لـ30 ألفاً فقط من فلسطينيي الضفة الغربية الذين يعيشون في مناطق ترغب إسرائيل في تأكيد سيادتها عليها.
وتعلق نيويورك تايمز على ذلك بأن مثل هذا القرار لن يكون مقبولاً من جانب الفلسطينيين، وهو ما يعني أن حل الدولتين أصبح أمراً بعيد المنال.
وتساور الشكوك قطاعاً كبيراً من الفلسطينيين والإسرائيليين عما إذا كان القادة الفلسطينيون، مثل عريقات ومحمود عباس (رئيس السلطة الفلسطينية)، على استعدادٍ للتخلي عن عملية السلام المدعومة باتفاقيات أوسلو، تلك العملية التي كرسوا لها حياتهم المهنية ويدينون لها بالولاء كونها مصدر رزقهم.
وفي حال انتخاب حكومةٍ إسرائيليةٍ أكثر ليبراليةً من الحكومة الحالية، فمن المحتمل أن تعيد إحياء عملية السلام على أساس حل الدولتين.
لكن التكاليف والعقبات السياسية لسحب الإسرائيليين من الضفة الغربية تتزايد مع كل أسرةٍ مستوطنةٍ تنتقل للعيش هناك.