خرج الشباب الإيراني في مسيرات احتجاجية بعددٍ من المدن الرئيسية؛ اعتراضاً على أداء حكومة بلادهم، ويبدو أنهم غاضبون بصفة خاصةٍ من تمويل إيران الحروب في بعض الدول العربية مثل اليمن وسوريا، في حين يعاني المواطنون الإيرانيون الفقر. وفي مدينة كرمان، ردَّد متظاهرون هتافات، قائلين إن "الناسَ يعيشون كالمتسولين". أما في محافظة خوزستان، ذُكِرَ أن المحتجين ردَّدوا هتافات "الموت لخامنئي"، في إشارة إلى علي خامنئي، المرشد الأعلى للثورة الإسلامية.
هناك شيءٌ خطير يحدث، وقد تكون له آثارٌ بالغة على الشرق الأوسط أجمع، وفق تقرير لموقع The Conversation الأسترالي.
الفرق بينها وبين احتجاجات 2009
ظاهرياً، تُذكِّرنا هذه الأحداث بالاحتجاجات الواسعة التي تلت الانتخابات الرئاسية الإيرانية عام 2009، والتي عُرِفَت بـ"الحركة الخضراء" أو "الثورة الخضراء"، ولكن هذه الاحتجاجات الأخيرة تختلف كثيراً عن احتجاجات الحركة الخضراء في آثارها وحجمها وتركيبتها السكانية؛ ففي عام 2009، كان المتظاهرون من طبقة متوسطة شابة ومثقفة في الأساس، أما هذه المرة بدأت الاحتجاجات في مدينة مشهد (التي تقع شمال غربي إيران، وتُعد مكاناً محافظاً دينياً)، وجاء هؤلاء الذين نزلوا إلى الشوارع من خلفياتٍ مُتنوِّعة.
للأسف، وكما حدث إلى حدٍ كبيرٍ عام 2009، قوبلت الاحتجاجات الأخيرة بإجراءات حكومية صارمة؛ إذ سُجِّلت أول حالة وفاة بين صفوف المتظاهرين على أيدي قوات الأمن الإيرانية في مدينة درود، بالإضافة إلى حصر أكثر من 20 مصاباً حتى الآن. ومع ذلك، يستمر المتظاهرون في الاحتجاج على نهج القبضة الحديدية الذي تنتهجه حكومة بلادهم.
ما الذي يدفعهم إلى ذلك؟
إلى جانب اعتراض المتظاهرين صراحةً على السياسة الخارجية الإيرانية في العالم العربي، يملك المتظاهرون بُعداً عربياً مميزاً أيضاً. ففي إقليم الأهواز، وهو منطقة ذات أغلبية عربية تقع في جنوب غربي إيران، تستمر الاحتجاجات منذ أسابيع؛ إذ نزل المواطنون إلى الشوارع؛ للتنديد بقمع الحكومة الإيرانية ومصادرتها أراضي ومياه الأهواز.
ونزل آلاف العرب الإيرانيون إلى الشوارع عندما انتقد عضو البرلمان الإيراني قاسم السعيدي السياسات التمييزية للحكومة الإيرانية؛ بل حتى قارن بين سياسات النظام الإيراني المعادية للعرب وتلك المعادية لإسرائيل.
إقراض الدعم
ثم هناك الشأن السوري؛ فمنذ بداية الثورة السورية عام 2011، تضامَنَ العرب الأهواز في إيران مع نظرائهم بالشوارع السورية، في حين رفع المتظاهرون السوريون المؤيدون للديمقراطية عَلم الأهواز خلال تظاهراتهم ضد نظام الرئيس السوري بشار الأسد. لا عجب إذن أن يتضامن اليوم الثوار والنشطاء السوريون المعارضون للنظام مع الاحتجاجات الإيرانية، بحسب التقرير.
ونَصَحَ عبد العزيز الحمزة، وهو ناشطٌ سوري مؤيد للديمقراطية من مدينة الرقة وعضوٌ نشط في حملة "الرقة تُذبح بصمت"، المتظاهرين الإيرانيين بألا يكشفوا عن هوياتهم، وألا يحملوا أي بطاقات هوية، وأن يستخدموا بطاقات ذاكرة قابلة للنقل في الأجهزة التي يستخدمونها لتوثيق الاحتجاجات. ونَصَحَهم بشدة أيضاً بأن يستخدموا أسماءً مستعارة في حساباتهم على فيسبوك وتويتر ويوتيوب، وأن يتواصلوا عبر تطبيقات مُشفَّرَة.
ويأمل العديد من نشطاء المعارضة السورية أن تبدأ الاحتجاجات الإيرانية في إحداث تأثير دومينو من شأنه أن يُؤثِّر على السياسة الخارجية الإيرانية تجاه سوريا في نهاية المطاف.
وخلال السنوات الأخيرة، أنفقت الحكومة الإيرانية مليارات الدولارات سنوياً في دعم النظام السوري؛ إذ يقود القائد العسكري القوي، الفريق قاسم سليماني، العمليات العسكرية الإيرانية داخل سوريا. وإذا أدت الاحتجاجات الحالية إلى نوعٍ من التغيير الثوري، فإن دعم إيران المالي والعسكري القوي لممثليها الفاعلين في الحرب السورية، ومن بينهم حزب الله والقوات النظامية السورية، قد يضعف فجأةً. وستكون لذلك آثارٌ كبيرة أيضاً على الدول العربية التي تلعب إيران دوراً عسكرياً فيها، ليس أقلها اليمن.
إذا كان هناك أي شيء يمكن تعلُّمه من الثورة السورية، فهو أنه يمكن لمثل هذه الاحتجاجات أن تتصاعد وتخرج عن السيطرة بطريقةٍ لا يمكن لأحدٍ أن يتوقَّعها.
وبحسب التقرير، فهناك احتمالٌ كبير أن يكون النظام الإيراني وحشياً في تصديه للاحتجاجات بنفس قدر وحشية نظام الأسد.
ألقى آية الله علي خامنئي باللوم في هذه الاحتجاجات على مؤامرةٍ خارجية، وأُلقِيَ القبضُ على مئات المتظاهرين، وحذَّرَ رئيس المحكمة الثورية في إيران من توقيع عقوباتٍ بالإعدام على البعض.
يلوح احتمال إراقة المزيد من الدماء على أيدي الدولة في الأفق، وإذا حدث ذلك، فقد يخلق تأثير الدومينو الناتج عن ذلك وضعاً متقلباً ومتفجراً آخر في منطقة عاصفة وخطيرة بالفعل.