بعد أن أجرى استطلاعاً للرأي بين المارة في الشارع عما يخطر في بالهم عندما تُذكر كلمة "الإسلام"، وجاءته إجابات على نحو "داعش – التطرف – حجاب – باريس"، و"الصرامة في الحظر" حتى من فتاة مسلمة الديانة، قرر صحفي يعمل في مشروع إعلامي شبابي تابع للقناتين الألمانية الأولى والثانية العامتين، البحث بشكل أكثر عمقاً.
أراد الصحفي، الذي قال إنه يعرف القليل جداً عن الإسلام، التعرف على هذا الدين بالتواصل المباشر عبر زيارة مصلى في مدينة ميونيخ ومقابلة فتاة محجبة، للتعرف على الإسلام والعبادات، ومناقشة الأسباب التي تجعله مرتبطاً في أذهان الناس بهذه الكلمات السلبية فقط، والأحكام المسبقة التي يعاني منها المسلمون في حياتهم اليومية.
ولم يكن قد سبق للصحفي أن زار مسجداً أو حضر خطبة الجمعة أو الصلاة، عندما قابل الإمام أحمد بوبال، الذي يصلي في مصلى، وجده الصحفي صغيراً، فبين له الإمام أنهم ممتنون لوجود المصلى على الرغم من ذلك، لأن هناك القليل من الأماكن التي يُتاح لهم أداء الصلاة فيها.
وبيَّن الإمام الشاب له، في الفيديو الذي حصل على حوالي 600 ألف مشاهدة منذ مطلع ديسمبر/كانون الأول الحالي، على فيسبوك ويوتيوب، بالإضافة إلى آلاف المشاركات، أنه خضع لامتحان كتابي في الاقتصاد، لكنه على الرغم من ذلك، فهو قد تحضر جيداً لإلقاء خطبة عما إذا كانت هناك مبررات في العقيدة لإعلان "داعش" دولة، أم أن الأمر سياسي، قبل أن يعرفه على كيفية الوضوء، وعدد الصلوات اليومية، موضحاً للصحفي أنه على الرغم من أنه يجد في الوضوء والصلاة 5 مرات تحدياً يومياً، إلا أنه بالنسبة له مرتبط بالروحانية بشكل كبير.
وأشار الإمام إلى أنه لا يرتدي العمامة إلا قبل الصلاة، لأن الناس يشعرون بالخوف من رؤيتها في الشارع، وأنه يتفهم ذلك، لأنه لا ينبغي عليه أن يتوقع ألا يخشاه الناس، لأن ما يرونه في الإعلام هو أن الإرهابيين دائماً يرتدونها.
وفيما إذا كان يُسمح للسيدات بالصلاة في المسجد، قال إنهم مصرون على مشاركة المرأة، التي تشكل 60% من المجتمع، مؤكداً وجود مساجد طابعها تقليدي مأخوذ من ثقافة البلد، تمنع النساء من المشاركة، وأنه ليس هناك ما يبرر ذلك من ناحية العقيدة.
وقال الصحفي ميشائيل بارتلفسكي بعد مشاهدته الخطبة التي ألقيت باللغة الألمانية والصلاة، إنه كان أمراً غير اعتيادي بالنسبة له، لأن كل شيء جرى وفق قواعد لا يعرفها البتة، لكنه لم يشعر بعدم الارتياح، مضيفاً أن الخطبة تمت بشكل معقول تماماً، وكانت بمثابة محفز للحياة.
وقال إن ما وجده جميلاً في الأمر، هو الجماعية التي تمت بها الصلاة، حيث كانوا يتواجدون قرب بعضهم البعض، متلاصقين تقريباً، وكيف كان أداؤها فيه الكثير من الاحترام.
وحاور سيدة كانت حاضرة صلاة الجمعة، فقالت له إنها لا تكون دائماً وحدها، فتأتي سيدات أخريات أيضاً في بعض المرات. وعما تعني صلاة الجمعة بالنسبة لها، قالت مبتسمة إنها بمثابة نقطة مرجعية بالنسبة لي، في ظل ما تلاقيه من مشاغل في الحياة، كي لا تضيع بشكل مطلق، مشيرة إلى أنها غير قادرة على الالتزام بكل واجباتها الدينية.
ورداً على سؤال من الصحفي حول سماعه بوجود الكثير من القواعد التي يجب الالتزام بها في الإسلام، بيّنت السيدة، التي كانت موجودة مع طفلها، أن غالبية ما تفعله طوعي، وأنها تشعر بالارتياح لفعل ذلك، وبمثابة شحن روحي لها.
وما إن غادرا المسجد، قال الصحفي إن كل شيء جرى بشكل سلمي، لكنه قال للإمام "بوبال" إنه سيعرض عليه شريط فيديو مترجماً لخطبة في برلين، يقول فيه إمام لم يُذكر اسمه، إن "زوجة أبت أن تنام في فراش زوجها، فباتت تلعنها الملائكة حتى تصبح"، فبات بوبال يهز برأسه مستنكراً ذلك، متسائلاً عن السبب الذي يجعل من المسموح لهؤلاء بالخطبة في الناس البسطاء، وزرع الكراهية في قلوبهم، وأنه لم يجد فيما يقوله في الفيديو شيئاً عن الحب والاحترام، أي صورة مناقضة للذي يعرفه عن دينه، رغم أن هذا الخطيب يتحدث باسم دينه، موضحاً أنه يستغل دينه عبر انتزاع أمور ليست لها علاقة بدينه، متمنياً عقد حوار على قدم المساواة مع مثل هذا الخطيب، يتحدثان بشكل موضوعي مع بعضهما البعض.
وعندما لاحظ الصحفي أن لهجته اشتدت، قال له إنه يبدو كمن يلبس قفاز ملاكم، فرد الإمام بأنه لا يلبسه، بل سيتغلب على الظاهر في الفيديو بالكلام، ليعبر الصحفي عن ارتياحه لسماعه استنكاره لما قاله الخطيب في الفيديو، فردَّ الإمام: "هل كنت تتوقع شيئاً آخر مني؟"، فأجاب بالنفي.
وتساءل ميشائيل في الفيديو عما إذا كان لدى المجتمع الألماني مشكلة مع الإسلام، فرد الإمام بالقول إن هناك مشكلة في العيش معاً، من ناحية المخاوف الموجودة في المجتمع مما هو قادم، في إشارة للمسلمين، ومن الناحية الأخرى المعوقات التي تمنع المسلمين من التوجه إلى المجتمع، معتبراً أن ما يتوجب عليهم فعله هو كخطوة أولى، ما قام به نفسه هو قدومه لمشاهدة الصلاة، والسماح بطرح الأسئلة التي قد لا تكون مريحة، مضيفاً أنه يريد أيضاً أن تسود الحرية بينهم، فيقول محاوره إنه يجد أمراً ما سيئاً أو ينتقده، ومع ذلك يمكنهما المضي في طريق واحد، رغم اختلافهما في الرأي، ودون أن يتوجب عليهما محاربة بعضهما بعضاً.
وكشأن عدم معرفته السابقة بالعبادة في الإسلام، لم يكن قد سبق لميشائيل أن حاور مسلمة محجبة ليتحدث معها بصراحة عن دوافعها لارتدائه، وفيما إذا كان السبب كما هو مرتبط في ذهنه بالقمع، وإجبار الإسلام لها على ذلك، وجد ضالته في فرح من فريق "داتل تيتر"، الذي يضم 5 أعضاء مسلمين وغير مسلمين من برلين، يصور مقاطع فيديو ساخرة، ليواجهها بكل الأحكام المسبقة التي لديه، أو سمع بها عن المحجبات، لاسيما أنها لبست الحجاب منذ أن كان عمرها 11 عاماً.
يقول الصحفي إنه يقول عندما يشاهد محجبة عادة "يا للمسكينة"، ويفترض أنها مضطهدة أو تريد تبيان أنها متدينة، الأمر الذي تنفيه فرح، مبينة له أن جميع من تعرفهن تقريباً من المسلمات، يرتدينه طوعاً، وأن أسبابهن فردية مختلفة، مرتبطة بقصة ما، ناسبة ارتداءها الحجاب إلى اعجابها بمظهر قريبة لها كانت ترتديه أيضاً، ما جعل الحجاب يرتبط لديها بذلك، راغبة في أن تبدو رائعة مثلها يوماً ما، إلى جانب مساهمة العنصر الديني في ذلك.
وعن عواقب كونها محجبة على حياتها العامة، تقول مثلاً إنه يتوجب عليها مثلاً المزاحمة للحصول على مقعد في الحافلة، وتلاحظ عند جلوسها أنه لا يريد أحد الجلوس إلى جانبها، رغم وجود أماكن فارغة، أو أن يتم التكلم معها بالألمانية بشكل بطيء، للاعتقاد بأنها لا تتحدث اللغة بشكل جيد، إلى جانب الضغط الذي يلازمها كمحجبة، بأن عليها تقديم أداء قوي كي تُظهر أنها امرأة قوية ومندمجة، وتتحدث الألمانية.
وفي إطار تفنيدها لبعض الأقاويل الشائعة عن المحجبات، تؤكد فرح أنه ليس صحيحاً أن الفتاة لا تبدو جميلة عند ارتدائها الحجاب، وأنها أيضاً تتعرض للتحرش والتمييز الجنسي.
وتعبّر عن معارضتها لفرض الحجاب في دول كالسعودية أو إيران، وارتياحها لعدم وجود قوانين في ألمانيا تحدد ما الذي على المرأة لبسه.
محاولاً أن يُظهر التناقض بين أقوالها، سألها عن قولها إنها سعيدة بارتداء الحجاب وكشفها من ناحية أخرى لدى تصوير فيديو مع فريق "داتل تيتر" عن الحجاب، أنها اضطرت لخلع الحجاب 3 سنوات، فبيَّنت أن والدها وجد لها مدرسة ثانوية مناسبة، وطلب منها خلع الحجاب، لأنه اعتبر أن الحجاب سيتسبب في حصولها على درجات أقل في مرحلة الحصول على الشهادة الثانوية (الأبيتور)، الأمر الذي قالت إنها مقتنعة بصحته.
وهو الأمر الذي تحدثت عنه الفتاة المسلمة التي لا ترتدي الحجاب، التي قالت إن الإسلام مرتبط لديها بالصرامة والشدة، إذ بيَّنت أنها وجدت مقعداً للتدريب المهني فوراً، في الوقت الذي تعاني فيه زميلاتها المسلمات المرتديات للحجاب في الحصول عليه، رغم أنهن يتحدثن الألمانية أفضل منها.
وأوضحت إحدى الفتيات اللواتي خلعن الحجاب في الصيف الماضي له، أنها قرَّرت ذلك لأنها كان يُنظر إليها في الشارع، وكأنها المغنية "ليدي غاغا"، لأنها كانت تغطي شعرها، وتشعر أنها مراقبة، أو تحت الأنظار من قبل الآخرين، لافتة إلى أن ذلك غير مرتبط بإيمانها الذي تريد تقويته، وأن مظهرها الخارجي لا يلعب دوراً كبيراً في معتقدها.
وخلص ميشائيل في نهاية بحثه عن دافع المسلمات اللواتي قابلهن لارتداء الحجاب، إلى أن موقفه تغيَّر ولم يعد يعتبر الحجاب رمزاً للاضطهاد، بل إن المرأة يجب أن تكون واثقة من نفسها جداً، كي تستطيع ارتداء الحجاب في ألمانيا.
وتوافقه فرح بالقول، إن عدم ارتداء الحجاب سيوفّر عليهن بعض المشكلات، معتبرة ما خلص إليه بمثابة وضع مرآة أمام المجتمع، والقول له لماذا تصعبون الحياة على الآخرين، ولماذا تمارسون الضغط عليهن، هل فقط لأن البعض قرر ارتداءه لأسباب دينية.