* لماذا خلق الله النار؟
* أليس الله أرحم الراحمين؟
– بلى.
* إذاً لماذا خلق النار؟
سؤال تردد على لسان كثير من الأصدقاء المؤمنين والملحدين أيضاً، للوهلة الأولى يبدو أن هنالك تناقضاً بين رحمة الله ووعيده بالعذاب الأبدي في نار جهنم! تعيش لبضع سنين على هذه الأرض، ولكن إن أخفقت بالامتحان، فالعذاب أبدي!
قبل أن أجاوب على السؤال، هنالك ملاحظة لافتة للانتباه، لا أحد يسأل لماذا خلق الله الجنة؟ لا أحد يعترض على عمل القليل في الدنيا، ومن ثم الفوز بنعيم أبدي!
إذاً هل هنالك ظلم في خلق النار؟ ولكن الله تعالى يقول: "وما ربك بظلام للعبيد"، إن كان لا بد من ظلم فهو ظلم الشخص لنفسه، أو لغيره، ومن هنا سأبدأ!
انظر إلى واقعنا الحالي، ففي بلادنا قد عمّ الظلم، وأصبح قمع الحريات والتعدي على الخصوصية وحرمة النفس الإنسانية حدثاً يتكرر كل لحظة، ولا داعي لأن أذكر بانتشار الفساد واستباحة أموال الشعوب، فكم من مشروع قام باسم خدمة الشعب فلم ينل الشعب منه إلا مزيداً من الضرائب والديون؛ لتنتفع حفنة من الفاسدين ويشتروا السيارات الفارهة والعقارات بملايين الدنانير.
ويا ليت الأمر توقف على سرقة المواطن، بل إن أدوات الفساد في الدول تجرأت على سرقة ما هو أهم، لقد سرقوا المستقبل! آلاف من الشباب المتعلم والمدرب لا يجد عملاً، بلاد تخلو من الصناعة والزراعة والبحث العلمي، لا توجد مشاريع وطنية تستوعب طوابير "شباب المستقبل"، للأسف فيد الفساد طالت البشر وطالت الطبيعة أيضاً، فلو أردت القيام بمشروع زراعي مثلاً، لوجدت أن كثيراً من موارد المياه نضبت والأراضي الزراعية تحولت إلى أسفلت وحجارة، وكأنه فساد بقصد قتل كل أمل للنهضة.
سؤالي هو: ما جزاء مَن أفسد الأرض؟ ما جزاء مَن تسبب بقتل آلاف الأطفال بإفساد المنظومة الصحية ونشر الفقر؟ ما جزاء من لم يسلم من شره الشجر والحيوان؟ ما جزاء من دفع بآلاف الشباب للموت غرقاً بحثاً عن لقمة العيش؟
السجن.. النفي.. بل حتى القتل! لا أظن أن أياً منها يحقق العدل، قبل أسابيع قليلة شهدنا إصدار محكمة العدل الدولية أحكاماً بالسجن المؤبد على مرتكبي جرائم الحرب بحق مسلمي البوسنة والهرسك خلال حرب البلقان، السجن مقابل قتل الآلاف واغتصاب الآلاف! أي عدل هذا؟! حتى إن أحد المجرمين قام بتناول السم بعد إصدار الحكم عليه منهياً بذلك حياته، لكن حتى عقوبة الإعدام لن تحقق العدل! أنفس بألف ألف نفس! بل تخيل ما فعله النازيون إبان الحرب العالمية الثانية، فقام قادتهم بحرق مئات الآلاف من البشر! فما جزاء من فعل ذلك؟ قد تقول إن من العدل إحراقه أيضاً، ولكن ستحرقه مرة واحدة، تلك نفس بنفس، ومن قتل الملايين! أليس من قمة العدل أن يحرق ملايين المرات أيضاً؟
يبدو أن فكرة وجود جهنم باتت ضرورة لإحقاق بعض العدل الذي لا يمكن أن يحقق بالدنيا، ومن ثم هنالك جانب الردع أيضاً، فكثير من البشر يتجنب فعل الشر مخافة العذاب، قد تكون حضرتك ممن يتجنبونه لنبل أخلاقهم، بالتأكيد، لكن هنالك من لا يرتدع إلا بالتخويف بالعذاب، فتخيل لو لم يكن هنالك عذاب في الآخرة، نعم، لا نار! لماذا إذاً يمتنع السارق عن السرقة والقاتل عن القتل! فليسرق ويقتل ويستمتع بحياته من غير أية عواقب لتصرفاته، كيف سيكون حال الدنيا؟ مع وجود النار ونحن نرى ما نرى الآن من ظلم وفساد.
إن كان الإنسان قد آمن بالله، قولاً وفعلاً، فقد ضمن الله أن مرجعه إلى الجنة، بعد أن يتحقق العدل الإلهي ويتم إنصاف كل مظلوم.
وأما من كفر بالله والحياة الآخرة، فعلى ماذا يعترض؟ لقد عشت الدنيا، أكلت وشربت وتمتعت بقوتك مما رزقك الله كرماً وفضلاً منه، وأنت تنكر وجوده! وإن كان من أصحاب فعل الخير، فالله يوفيه أجره بالدنيا أيضاً، وما له في الآخرة من أجر ولا حق، ففي صحيح مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الله لا يظلم مؤمناً حسنة يعطى بها في الدنيا ويجزى بها في الآخرة، وأما الكافر فيطعم بحسنات ما عمل بها لله في الدنيا حتى إذا أفضى إلى الآخرة لم تكن له حسنة يجزى بها"، وذلك بما أراده هو نفسه، فمن أنكر الله في الدنيا، أليس من العدل أن ينكره الله في الآخرة؟!
وأما أولئك المجرمون، الذين انحدروا بالنفس البشرية إلى نفس شيطانية، لا ترتاح إلى إذا آذت من حولها، فكيف لهم أن يعيشوا في مكان مليء بالسلام وخالٍ من الأذى؟ نفسهم لن ترتاح إلى إذا كانت في بيئة مناسبة لطبيعتها، فالنار مثواهم وهم فيها بمكانهم الطبيعي، ولنستحضر مشهداً لهم وهم في النار، فبدل من أن يدعوا الله أن يغفر لهم، أو يخفف عنهم العذاب، يقولون: "وَقَالُوا رَبَّنَا إِنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا (67) رَبَّنَا آتِهِمْ ضِعْفَيْنِ مِنَ الْعَذَابِ وَالْعَنْهُمْ لَعْناً كَبِيراً (68) – الأحزاب، نعم تلك هي طبيعتهم إذاً، يطلبون ضعف العذاب، يفرحون برؤية غيرهم يتعذب، وقد تبدو الجملة الآتية غريبة، لكن من رحمة الله أنه وضعهم في جهنم.
فلا ظلم هنالك، ولكنه تحقيق لغاية العدل، والعاقل مَن فكّر ونجا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.