"للكلب خصائصه من حيث إنه لا جدوى منه، كما أن له مشاعره الخاصة. وكثيراً ما يوصف -تقديراً له- بأنه صديق الإنسان، ويجري الثناء على ذكائه وإخلاصه.
ومعنى ذلك أن الكلب خادم للإنسان، وأن لديه موهبة الخضوع الذليل وسرعة العبد في تخمين الحالة المزاجية لسيده، بالإضافة إلى هذه السمات التي تناسب وضعه في العلاقة بالإنسان، يملك الكلب خصائص لها قيمة جمالية مشكوك فيها بدرجة أكبر، فهو أقذر الحيوانات المنزلية في شخصه، وأكثرها تنفيراً في عاداته، ولذلك فهو مهيَّأ لموقف متملق ذليل تجاه سيده، ولديه استعداد لأن يسبب الضرر والإزعاج لكل من عداه، ولذا فإن الكلب يتقرب إلينا بمداعبة ميلنا إلى السيادة، ولكونه أيضاً باباً للإنفاق، ولا يخدم عادة أي غرض عملي، فإنه يحتل مكاناً مكيناً في اهتمامات الناس باعتباره شيئاً يحقق السمعة الحسنة، كما أن الكلب مرتبط في أذهاننا بفكرة الصيد -وهو عمل له مميزاته وتعبير عن المشاعر العدوانية التي تلقى الاحترام".
يأتي هذا الوصف الموضوعي ليمثل دلالة قوية تتضمن تحليلاً للعلاقة بين الكلب وصاحبه، وتأثير ذلك المثال يتضح بدرجة غير مألوفة عن طريق استخدام اللغة التي يُمكن أن يُعبر عنها بوجه خاص هما "المتعة المنافية للذوق السليم "و"الاستهلاك المظهري"، فبذلك يشيران إلى الإعفاء من الكدح والإنفاق المظهري المعتمد بالنسبة للأغنياء؛ حيث كثيراً ما يتباهون بشارة التفوق: "إن الوسيلة الوحيدة التي يمكن استخدامها لتأكيد مقدرة المرء المالية هي الإظهار المتواصل للقدرة على الدفع".
وقد دخلت هاتان العبارتان اللغة الأميركية والحضارة الأميركية، ولا سيما عبارة "الاستهلاك المظهري ".
وقد أثرتا في المواقف الاجتماعية والسلوك الاقتصادي لآلاف لا حصر لها من الناس الذين لم يسمعوا في أي يوم عن ثورشتين فبلن.
ونتيجة لذلك أصبح الفراغ لدى الأغنياء في الولايات المتحدة، من الرجال بطبيعة الحال، ولكن من النساء أيضاً، أمراً لا يدعو إلى السمعة الحسنة، فليس هناك من لا يوجه إليه سؤال: "ما العمل الذي تقوم به؟".وتحديد أكثر ليس هناك احتفال أو بيت، إذا كان واسعاً وفخماً، يمكن أن ينجو من الوصف الاستهجاني "الاستهلاك المظهري".
لقد كان الاستهلاك الغرض الأعلى للحياة الاقتصادية الكلاسيكية، والمصدر الأسمى لـ"السعادة"، والمبرر الأخير لما يبذل من جهد وكدح.
وأصبح هذا الاستهلاك، في أكثر صورة تطوراً، شيئاً تافهاً، يخدم الرغبة في الشعور بالتضخم الصبياني، فهل هذا حقاً هو هدف النظام الاقتصادي؟
وكان من النتائج العملية لآراء فبلن ما حدث من تغيير في المواقف الحالية تجاه العمارة واستخدام الثروة الشخصية، وإن كان الحسد أمر متوقعاً، فضلاً على ما وجّه إلى آراء ثورشتين فبلن من نقد لاذع لوجود تعارض بين المواقف الاجتماعية في الولايات المتحدة ومثيلاتها في أوروبا -باريس وسويسرا- فاستهلاك هناك في أعلى مستوياته ما زال يحظى بالقبول والاحترام.
ونادراً ما تستخدم الثروة للقيام بالاحتفالات والمهرجانات التي لا تخدم غرضاً عملياً، والتي كانت مألوفة في الماضي، وهناك بغير شك عوامل أخرى ساعدت على كبح التمتع بإنفاق النقود: المعتقد أنه ليس من الحكمة من الناحية السياسية أن يتباهى المرء بثروته الشخصية بغير موجب. والخدم وغيرهم من الأتباع لم يعودوا يتوافرون بسهولة، ولكن لا شك في أهمية التركة التي خلفها فبلن، وابتسامته الساخرة من الحضارة البدائية والاستهلاك المظهري.
أما في العالم الإسلامي والعربي، فإن أقصى صورة يمكن أن تلمسها عند الإسلاميين في نقدهم للرأسماليّة هو نقدهم للاستهلاك. صحيحٌ أنّ الاستهلاك خصيصة مركزيّة بالنسبة إلى الرأسماليّة، وأنّها تقوم بالأساس على تنمية وتكثير هذه العمليّة لدى الإنسان اليوم.
لكن، ليس الاستهلاك هو الشاغل، وإنّما الرأسماليّة بحدّ ذاتها بما هي نمط لإنتاج الفقر تحديداً.
لا يهمّني أن تدخل المولات الكبرى في القاهرة، المبنيّة في مناطق نائية عن الفقراء والتي تستهدف شريحة محدّدة من شعبٍ تعاني الغالبيّة العظمى فيه من فقر في طريقه للازدياد دوماً، أو في دبي، حيث الرأسماليّة كما حلمَ بها الأوائل، ثمّ تشعر بـ"النّدم" على هذا الاستهلاك، والصّرف على ما لا طائل له.
تلكَ أخلاقٌ شخصيّة لا تخصّ الفقير. إنّ المدينة، كما بيّن غير ما واحدٍ من المحلّلين، هي استبعاديّة وإقصائيّة بطبيعتها الحديثة، وما بعد الحديثة.
بيد أنّ اجتماعها والتقاءها بوسائل الاستهلاك العالية، التي يشعرُ الفقير فيها تحديداً بشعورين لا ثالث لهما: إمّا ملاحقة ذلك ليكون مثلـ"هم"، أو بالاغتراب، بالمعنى الماركسيّ للكلمة.
ليست مشكلة العالم في الجنوب أنّه يستهلك -هي مشكلة بالفعل- بل في أنّه في سيرورة إفقار دائمة وأبديّة. ولا محاربة للرأسماليّة بتقنيعها بلبوس إسلامويّ، بنك إسلاميّ أو غيره، وإنّما بمحاربتها بما هي كذلك، ولأنّها ذات سطوة عالميّة، لم يسبق لأيديولوجيا حيازتها، وذلك بسبب ارتباطها بالقوّة أولاً وآخراً، فإنّ الرأسماليّة تتبدّل، وفي تبدّلها تصرف "المقهور" عن العدو الذي ليس شيئاً سواها، حارب الاستهلاكيّة والتشيّؤ والتصنّع والسيولة. لكن ماذا عن إنتاج الفقر المستمرّ؟ أمّ الأمر هو أنّهم فقراء لأنّهم فقراء، أو كما قال سيّئ الذكر الصهيونيّ نجيب ساويرس؛ "لأنّ ربنا خلقهم فقرا".
إنّ المقاومة لا تكون بالجهل والادّعاء، وإنّما بالفهم أولاً، وليست أيضاً بالكلمات الرنّانة، بل هي بإبطال الشّروط النظريّة والماديّة لإمكانيّة الرأسماليّة اقتصاديّاً، وشكلها السياسيّ، الليبراليّ تحديداً، الذي لا يقوم إلّا على مخيال زائف: الديمقراطيّة.
لا تمحو الديمقراطيّة الفقر، ولا تنتصرُ للفقراء، إنّها، والحال كذلك، إعادة إنتاج الطبقة الوسطى والعليا في شكلٍ سياسيّ، بعد أن تمّت رسملتهم اقتصاديّاً.
ــــــــــــــــــــــ
* للتأمل:
– من أكون إذن؟ شقيق البؤس يجوّعه الوجود حين يمنحه ثديه،
أموت بلا انقطاع في الأشياء التي أهفو…
ولكن هذا الموت يمنعني من أن أموت،
يا للخزي، ويا للعدم الذي يضيء لي! – (بيير عمانوئيل).
– أن تجيء إلى المقهى متأخّراً يومين عن موعدنا، وتجدني ما زلتُ جالسة في انتظارك، أدفّئ فنجان قهوتك بيديّ وأنفاسي، هذه فكرتك عن الحب؟! – غادة السمان.
– المملكة العربية السعودية تُطلق برنامج "حساب المواطن".
– حجم الاستثمارات المتوقعة في غزة العام المقبل بلغت (٥) مليارات دولار.
– الرئيس اليمني: السعودية ستضع وديعة مالية بـ٢ مليار دولار لصالح البنك المركزي لعدم استقرار العملة.
– ماكرون طلب من ولي العهد السعودي مساعدة مالية للقوة المشتركة في منطقة الساحل الإفريقي.
– نيو ديل New Deal أو الاتفاق الجديد: هو مجموعة من البرامج الاقتصادية التي أطلقت في الولايات المتحدة بين عامَي 1933م و1936 م.
تضمنت هذه البرامج مراسيم رئاسية أو قوانين أعدها الكونغرس الأميركي خلال الفترة الرئاسية الأولى للرئيس فرانكلين روزفلت.جاءت تلك البرامج استجابة للكساد الكبير وتركزت على ما يُسميه المؤرخون "الألفات الثلاثة" وهي: الإغاثة والإنعاش والإصلاح".
وتشير تلك النقاط الثلاث إلى إغاثة العاطلين والفقراء، وإنعاش الاقتصاد إلى مستوياته الطبيعية، وإصلاح النظام المالي لمنع حدوث الكساد مرة أخرى.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.