من القلب شكراً يا ترامب

لعلك يا سيادة الرئيس دونالد ترامب كنتَ سبّاقاً إلى خيرٍ وفير طالما انتظرناه، بل طالما حلمنا بثلثه، والثلثان الباقيان غابا في مهبّ التنازع الذي يعيشه الوطن العربي، ولو كنتُ أستطيع تعليقَ صُورَتِكَ على أعلى قمة في هذه البسيطة لفعلت، ولو كنت أتمكّن من بناء تمثالٍ لك من الأحجار الكريمة ما تردّدتُ لحظةً واحدة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/26 الساعة 03:54 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/26 الساعة 03:54 بتوقيت غرينتش

لعلك يا سيادة الرئيس دونالد ترامب كنتَ سبّاقاً إلى خيرٍ وفير طالما انتظرناه، بل طالما حلمنا بثلثه، والثلثان الباقيان غابا في مهبّ التنازع الذي يعيشه الوطن العربي، ولو كنتُ أستطيع تعليقَ صُورَتِكَ على أعلى قمة في هذه البسيطة لفعلت، ولو كنت أتمكّن من بناء تمثالٍ لك من الأحجار الكريمة ما تردّدتُ لحظةً واحدة.

مَن كان منّا يقول: إنّ القضيّة الفلسطينية سوف تعود إلى الواجهة بعد اندثارٍ طويل؟ مَن كان يقول: إنّ العالَم بأسره سيشهد هبّةً جماهيرية، على قلبِ رجلٍ واحد بعدما ضاعت القضية الفلسطينية في تزاحم القضايا المستوردة إلى الشرق الأوسط، فأنهكت مواطنيه، وسَلَبَتهُم قُوتَ يومهم، ودمّرت بلدانهم على وقعِ اقتتالٍ لم تُرسَم ملامح نهايته؟

عظيمٌ وعظيمٌ جداً، ذلك المشهد المشرّف الذي رَمَقْتُهُ بِشَغَف، وتلذّذتُ بِلَحَظَاتهِ السِّمَان، عندما رأيتُ أبناءَ بلدةٍ ريفيّة في ريف درعا الغربي جنوب سوريا، تربطني بهم سنواتُ زمالةٍ ممزوجةٍ بالدم السوري النازف منذ سنوات، يعانون من مكائد الحرب، وبراثن العدوان، وغلاء المعيشة وضنك الحال، ولكنّ تلك الجراح تناسوها تماماً عندما مُسّت القدس الشريف، فوقفوا وقفة رجلٍ واحد ورفعوا الصوتَ عالياً؛ ليعبّروا عن عِرقهم الأصيل، الذي صدحَ للقدسِ رغم الجراح، وهتفَ لفلسطين رغم المواجع السورية، ولبّى نداءات المسجد الأقصى رغم مئذنة المسجد العمري التي دهاها الإثم والعدوان؛ لتتوحّد الهموم السورية والفلسطينية في حناجرهم الطاهرة.

وقِسْ على ذلك ما شئت، مشرقاً ومغرباً، فمن حيث خرجْتَ وقَصَدْتَ سيطالعك اسم فلسطين واسم القدس، على امتداد العالم وعلى امتداد الأرواح الشريفة التي عانقت القدس رغم مشقّة المسافات.

نعم.. شكراً يا سيادة الرئيس.. بعدما جعلتَ أبناء الجاليات العربية في القارة الأوروبية يقفون تحت الثلوج التي أمست ورداً وريحاناً لأجل القدس، لسانهم واحد، هتافهم واحد، قُدسهم واحد، يُعيدون القضية الفلسطينية إلى أروقة المحافل من جديد، فتستمرّ الاحتجاجات وتُقدّم مذكرات الاحتجاج، ويخوض الناشطون الفلسطينيون وغير الفلسطينيين معركةً شرسة، لإيصال الصوت الفلسطيني إلى المحافل الدولية، ولجلب مزيدٍ من الأصوات المتضامنة مع القضية الفلسطينية.

مُخطِئٌ ذلك الذي يظنّ أنّ هذه الهبّة لا تسمن ولا تغني من جوع، أو أنّها صرخةٌ في وادٍ عميق لا زرعَ فيه ولا إنسان، وبالرغم من أنها أقلّ تأثيراً من جلجلة الأسلحة، فإنّها شديدة المفعول، وإلّا لماذا توسّلت السفارات الأميركية لأفراد الشرطة عدم منح التراخيص لإقامة المظاهرات على مقربة منها؟ ولماذا طلبت عدم منح التراخيص إلا بتعهّد خطّي بعدم إحداث أي أمر طارئ؟ أليس ذلك دليل قلقٍ واضطراب؟

وبالعودة قليلاً إلى الوراء، لماذا أُجبِرَ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على إزالة البوابات الإلكترونية من ساحات المسجد الأقصى، رغم أنّ الاحتجاجات على ذلك الأمر كانت سلميّة إلى حدٍّ بعيد، تجلّت في انتفاضةٍ شبيهةٍ بانتفاضةِ اليوم؟

نعم.. لقد وهبتَ يا سيادة الرئيس، الهبّات الشعبية شعاراً جديداً، عاد بالنفع والظفر علينا جميعاً، فالمثل الشعبي الذي نَأْلَفُهُ جميعاً (الحجر اللي ما بصيب بِدْوِش) لم يعد بهذه الصيغة قطعاً، بل أمسى: (الحجر اللي ما بصيب راح يصيب ونُصّ)، وبالتالي سوف تجد أنّ شرفاء العالم الحُرّ، قد وضعوك ووضعوا (إسرائيل تاعك) بين خيارَين اثنين لا ثالث لهما: إمّا القدس وإمّا القدس.. اِتْحَبَّ واتْنَقَّ يا ترامب.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد