ورقة وقّعها الشيطان لا تعني شيئاً أمام إيماننا، هي لا تعني شيئاً أمام تهافت قلوب وأرواح وأجساد تلتفّ حول الأقصى، وترمّم جراح القدس، تلك الورقة التي وقّعها الشيطان لن تسلبنا قدسنا، هي فقط تفيض غضبنا وقد اعتادت الشياطين استفزازنا بالأوراق، نعم، ومثلما تستفزّنا شياطين بالأوراق تستفزّنا أخرى بالصمت، فنحن الشعوب المسجونة في الغضب وفي الحدود وفي الفقر وفي التعبير المقيّد عن أعماقنا.
نحن الشعوب الثائرة لأجل فلسطين منذ زمن، فلو حدث وإن فتحوا أبواب معتقلاتنا لحظة صراخها لنصرناها، نحن أسرى لدى حكّامنا وسجناء قراراتهم والباكين على عجزنا وآه من عجزنا.
فلسطين كلّها لنا، والقدس قدسنا، فلكم أوراقكم ولنا فلسطيننا ولنا قدسنا. ومتى اعترفنا نحن بكم؟ مضت قرون مذ أعلنتم لأنفسكم دولة وعَلماً وحلفاء، مضت قرون منذ سرقتم أراضينا ونهبتم أرزاقنا وقتّلتم شعبنا وقصفتم بيوتنا وما زلتم تفعلون وما زلنا ننبعث ولم نعترف يوماً بكم، قسّمتم أرضنا لكنكم ما قصمتم ظهر أحلامنا وما زلنا كلّ ليلة نبشّر باسترجاع كلّ شبر بنيتم على قلبه مستوطنة وسجوناً وثكنة، ومع ذلك هل اعترفنا بكم؟ هل اعترفنا بوجودكم؟ فكيف تسلب القدس منّا وفلسطين كلّها لنا؟ ولا وجود لغير كيان صهيوني واحتلال يفجّر ثورتنا وانتفاضتنا وكفاحنا.
سننتصر بنضالنا وإيماننا، سننتصر؛ لأنّنا لا نؤمن بأوراقكم المحروقة، إنّنا نؤمن بفلسطيننا.
فلسطين كلّها لنا والقدس قدسنا، فلكم أوراقكم ولنا فلسطيننا وقدسنا وإيماننا ويقيننا الذي صادقنا عليه بقلوبنا وكتبناه في عروقنا وبدمائنا خارطة لأجيالنا، نرحل وتبقى أشلاؤنا تزهر وستطلع الشمس منها بإذن الله.
لنا في فلسطيننا قلوبنا وأرواحنا، لنا فيها تاريخنا ومقدّساتنا، لنا فيها شرفنا وعرضنا وكرامتنا.
لنا في فلسطيننا زهرة المدائن وأولى القبلتين ذات القلب الواسع الزاخر بمعالم الحياة والتاريخ، لنا في الطاهرة بيت المقدس المترعرع في حِجْر جبال الخليل.
ومن جبل الزيتون يمكننا أن نرصد أخبار القدس ونلقي التحية على المسجد الأقصى، وقد يكتفي المقدسي بإطلالتها عليه من باب سوق القطانين البهيّ المفتوح على قبة الصخرة الشامخة.
لنا في فلسطيننا عاصمة تدعى القدس وأيّ مدينة كالقدس؟ من هنا مرّ التاريخ بل فيها حطّ، وهنا استقرّ الأنبياء والرسل، وهنا ربط الرسول -صلى الله عليه وسلّم- بُراقه عند حائط البراق، وفي المسجد الأقصى صلّى بالأنبياء، ومن هنا مرّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه، بل إليها قدم لينير وجهها بضياء الإسلام وهنا يؤذّن للصلاة من مسجد عمر ذي المئذنة العريقة الباسقة، وهنا اشتعلت حطّين ليستردّ صلاح الدين الأيوبي قدسنا العربية، ومن هنا قاد الحسيني ثورته ضدّ المغتصبين، وهنا سنبقى.
سنبقى في جبل الزيتون، سنبقى في جبل المشارف وغيرهما من الجبال الشاهدة على مجد القدس، سنبقى في عيونها وآبارها وأبوابها وهضابها ووديانها وأسوارها وحاراتها وأسواقها الأصيلة نروي معاً هذا المجد ونخرج شبحا لليهود، سنبقى في البلدة القديمة نقيم الصلاة.
سنبقى مع الصنوبر والجوز والزيتون نبوح بما تحفظه مذكراتنا التي أفلتت بذكرياتنا من أيدي المخربين عبر التاريخ.
وحدها المذكّرات والذكريات الشريفة لا يمكن ليد الشرّ أن تردمها في أعماق الخراب، إنها لتنمو وتنبع حتى من بقايا الحطام والرماد لتنشر أغصانها على الحياة، إنها لتتفجّر كالينبوع الذي يستسقي منه أجيال وأجيال وإنها لتنبعث كما ينبعث النصر من دم محارب، والثورة من قلب مجاهد، والحريّة من أشلاء شهيد.
سنبقى مع نسمة التاريخ التي تجول أروقتها وتحطّ على قبابها، نجوب بئر أيوب وعين سلوان وبرج القلعة وكنيسة القيامة ونقبّل جبين آثار الأنبياء، ونفخر بما أنجزه المناضلون وما ينجزونه، ونرتشف مع الأرض كأس الحريّة من دمائنا؛ لتبقى القدس عربية أبيّة لا تلوّثها أقدام الصهاينة، إننا هنا باقون مع نسمة التاريخ المسافرة في روعة باب دمشق وباب الأسباط ونموره وباب الخليل المتّكئ على ثوب شارع يافا، وإذا ما حلّ نيسان أخذت تشارك المقدسيين احتفالات موسم النبي موسى، ثم انطلقت لتزور ضريح السيدة مريم -عليها السلام- هناك في وادي الجوز.
إنّنا هنا باقون، فلكم أوراقكم، أمّا نحن فلنا فلسطيننا وقدسنا، لكم أوراقكم وأوهامكم، أمّا هذه ففلسطيننا وقدسنا فتبّت أوراقكم.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.