حوار مع صديقي الكَوني

إن وحدة الكون التي يؤمن بها الكَونيون تجعلهم أيضاً يؤمنون بشدة بالخوارق والتأثير على الأشياء، وهو ما يعيد إلى الذاكرة الخوارق العديدة التي يؤمن بها المتصوفة المسلمون.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/23 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/23 الساعة 03:25 بتوقيت غرينتش

"أن يكون اللقاء في مكان عام" هذا كان شرطه الوحيد بعد عدة رسائل تبادلتها مع أحد الكَونيين؛ حيث وافق على أن نلتقي به أنا وصديقي بشكل شخصي ليعرفنا على معتقده وأفكاره، ويجيب على كافة استفساراتنا.

في اليوم المحدد وصلنا إلى المجمع التجاري الذي اختاره هو، وصعدنا إلى طابق المطاعم حيث المكان مكتظ جداً.

وجدنا صديقنا قد اختار طاولة في أكثر الأماكن اكتظاظاً، كان التوتر واضحاً عليه بداية؛ لذلك تعمدت وصديقي طمأنته بالتعريف عن أنفسنا جيداً، وذكرنا له أين نعمل بالتحديد، فقام بدوره بالتعريف عن نفسه هو أيضا بشيء من القلق.

قام صديقنا الكَوني بداية بالتعريف عن نفسه وذكر لنا كيف ترك ديانته الأصلية واعتنق هذا الفكر.

ففي طفولته تعرض أثناء لعبه لسقطة غيبته عن الوعي لثوانٍ معدودة، شعر خلال هذه الثواني بأن روحه قد فارقت جسده وارتفعت إلى سقف الغرفة واستطاع من هناك رؤية جسده ورؤية والدته التي هرعت إليه، ثم شعر بنفسه يهبط إلى جسده مجدداً ويندمج مع جسده مما جعله يستيقظ.

هذه الحادثة ظلت عالقة في ذهنه وظل يبحث عن تفسير لها لسنوات طويلة حتى وجد أخيراً الجواب في الفكر الكَوني بعد رحلة طويلة في الهند.

وضح لنا بداية أن الفكر الكَوني فكر قديم قدم الإنسان نفسه، وهو فكر عام وشامل تشكل الديانات الشرقية كالبوذية والهندوسية مجرد تجليات له، ومنه تطورت كافة الديانات الأخرى.

الفكر الكَوني يتمحور بشكل رئيسي حول الروح؛ حيث إن روح الإنسان جزء لا يتجزأ من الله ومن الكون.

تظل الروح في سفر لا نهائي من جسد لآخر من مراتب دنيا لأصحاب الأخلاق السيئة، وتظل في ارتقاء مستمر كلما حسن المرء أخلاقه ومارس التأمل حتى يصل في النهاية لمرحلة عليا يدرك عندها كل الحقائق ويميز فيها بين الخير والشر.

عند تلك المرحلة تُخير هذه الروح بين الحلول في الله أو البقاء كروح عُليا تساعد في تسيير الكون وإرشاد الأرواح الضالة، ومن أمثلة هذه الأرواح العليا بوذا والدلاي لاما وأوشو وغيرهم الكثير.

أطلق صديقنا على نفسه مسمى "موحد حقيقي"؛ حيث إن الكونيين يؤمنون بالله إلا أن إيمانهم به يختلف عن الأديان الإبراهيمية، فهم يؤمنون أن الله هو الكون والكون هو الله، ويؤمن الكونيون أن الفصل بين (الكون والحياة) وبين (الله) ينفي عنه صفة الوحدانية؛ لذلك فهم الموحدون الحقيقيون بنظرهم. وهو ما يعرف أيضاً بفكرة "وحدة الوجود" وهو الإيمان أن الكون بكل عناصره وأجزائه هو الله.

يؤمن الكَونيون بالتناسخ والكارما وغيرها من معتقدات الديانات الشرقية، ويرون أن الديانات الإبراهيمية قد تأثرت بالمعتقدات الكَونية بعدة طرق، فيرى صديقي الكَوني أن اعتقاد المسيحيين في حلول الإله في جسد يسوع ما هو إلا تأثر بالفكر الكوني، وبنفس الوقت يرى صديقنا أن المذهب الصوفي الإسلامي كله مستوحى من الفكر الكوني لكن تم تحويره ليلائم المعتقدات الإسلامية.

لا شيطان في الفكر الكَوني.. فالشرور نابعة من الإنسان نفسه، وكذلك لا توجد جنة ولا نار؛ لأن الهبوط بالروح إلى أجساد مريضة هو بحد ذاته جحيم إما ارتقاء الروح إلى أجساد نقية وحياة مريحة مع زيادة إدراك الروح لكُنهها ولحقائق الكون هو الجنة الحقيقية؛ حيث يؤمن الكونيون أن الأجساد ذات الإعاقات والأمراض المزمنة والعاهات الجسدية تسكنها أرواح ذات كارما سيئة، وبالتالي فهم يقضون عقوبتهم في هذه الأجساد لتطهير أرواحهم وتنقيتها؛ ليعيدوا النظر في حياتهم.

إن وحدة الكون التي يؤمن بها الكَونيون تجعلهم أيضاً يؤمنون بشدة بالخوارق والتأثير على الأشياء، وهو ما يعيد إلى الذاكرة الخوارق العديدة التي يؤمن بها المتصوفة المسلمون.

سألناه عن مقدرته على التصريح عن أفكاره هذه والإعلان عنها في مجتمع يرفض رفضاً باتاً مثل هذه الأفكار، مما قد يعرض سلامته للخطر، فأجاب بأنه لا يتحرج من الإعلان عن معتقداته لبعض الأقارب والأصدقاء المقربين له فقط، لكنه يظل حذراً مع غيرهم، خاصة أنه يدير نادياً لليوغا والتأمل؛ لذلك فإنه يسعى لكسب ثقة رواد النادي الذين قد يظنونه يسخر من ديانتهم ويبشر بديانته، مما قد يؤثر على النادي بشكل سلبي.

بالإضافة لكل ما سبق يؤمن صديقي الكَوني بنظرية مؤامرة فريدة من نوعها تُسمى (Phantom Time Hypothesis مؤامرة الزمن الشبحي) والتي يؤمن معتنقوها أننا نعيش في عام 1720 ميلادية وليس 2017، وذلك لإيمانهم أنه قد تم تزوير التاريخ من قِبَل أباطرة العالم قبل أكثر من ألف عام وتم تلفيق وإضافة 297 عاماً زوراً وبهتاناً للتاريخ الميلادي.

كان النقاش يسير ببطء وحذر شديدين، فكثيراً ما كان يجيب صديقنا على سؤالنا بسؤال آخر أو بإجابات مبهمة كنا نعجز عن فهمها، وكانت المعلومات غزيرة جداً؛ حيث تطرقنا للعديد من المواضيع؛ لذلك حاولت في هذه التدوينة سرد أكبر قدر ممكن من المعلومات علّني استطعت إيضاح هذا الفكر إن لم أكن قد أخطأت في استقبال المعلومة أو في تدوينها.

ختاماً أود إيضاح نقطتين: الأولى أن الحادثة التي حصلت لصديقي الكَوني أثناء طفولته حينما شعر أنه يخرج من جسده.. هي ظاهرة يدرسها العلماء طبياً ونفسياً ويطلقون عليها ظاهرة out of body experience، ثانياً أن هذا الفكر الكَوني ينسب لشخصية تاريخية تدعى "هرمس"، والذي يعتقد بعض المسلمين أنه النبي إدريس المذكور في القرآن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد