بعد ساعات من موافقة صندوق النقد الدولي على صرف الدفعة الثالثة من قرضه لمصر، بقيمة 2 مليار دولار، علم "عربي بوست" أن الحكومة المصرية اتخذت قرارها برفع أسعار الوقود مجدداً للمرة الثانية خلال العام المالي الجاري، رغم تأكيدات رسمية سابقة بتأجيل ذلك إلى النصف الثاني من العام الجديد.
وقال مصدر حكومي إن الحكومة تدرس الموعد المناسب للتطبيق، والذي يتراوح بين 3 و6 أشهر من بداية العام. "قرار رفع أسعار الوقود سيتم اتخاذه قبل الموعد المخطط له؛ بسبب ارتفاع أسعار النفط وثبات سعر صرف الدولار".
ورفْع الأسعار لن يكون الخطوة الأخيرة؛ بل ستعقبه زيادات أخرى لحين تحقيق الحكومة هدفها المتفق عليه مع صندوق النقد الدولي بخفض فاتورة دعم الوقود إلى 35 مليار دولار فقط، حسب المصدر الحكومي.
العلاقة بين أسعار الوقود ومؤشرات التضخم
الزيادة الجديدة ستصبح الثالثة خلال عامين، أي منذ حصول مصر على الموافقة من صندوق النقد الدولي على منحها قرض بقيمة 12 مليار دولار.
وكانت المرة الأولى التي رفعت فيها الحكومة المصرية أسعار المواد البترولية في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2016، وقد حصلت بعدها الحكومة على الدفعة الأولي من الشريحة الأولى من قرض الصندوق، وقامت مصر في يونيو/حزيران الماضي بزيادة أسعار المحروقات مرة أخرى، وبعدها أيضاً حصلت الحكومة المصرية على الدفعة الثانية من الشريحة الأولى من قرض الصندوق.
وقد أدت زيادات أسعار الوقود المتتالية إلى ارتفاع أسعار الخدمات والنقل وأسعار السلع في السوق المصرية، وهو ما أظهرته بيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والاحصاء المصري، في ارتفاع التضخم إلى 34.2% خلال يوليو/تموز الماضي فقط على سبيل المثال.
(المصدر: المصري اليوم)
وبحسب بنك الاستثمار أرقام كابيتال الإماراتي، فان زيادة أسعار الطاقة خلال العام القادم ستسهم في زيادة أسعار السلع والخدمات مرة أخرى، "سيرتفع معدل التضخم مرة أخرى، على أن يعاود معدل التضخم الانخفاض خلال العام القادم"، مضيفاً: "أسعار السلع ستتأثر، سواء حدث ارتفاع بأسعار الطاقة في وقت سابق من عام 2018، أو في صيف عام 2018".
اتفقت الحكومة مع الصندوق على خفض فاتورة دعم الوقود في العام المالي الجاري إلى 110.14 مليار جنيه، وهو ما ضمّنته في موازنتها، بينما بالغت وزارة البترول في تفاؤلها وتوقعت أن تتراوح قيمتها بين 100 و105 مليارات جنيه فقط، خاصة بعد قرار زيادة أسعار المواد البترولية في يونيو/حزيران الماضي، وكانت تلك الخطة مبنيّة على أساس 55 دولاراً فقط متوسطاً لسعر برميل البترول عالمياً، و16 جنيهاً سعراً للدولار، لكن الأساسَين انهارا، فارتفع البترول إلى 64 دولاراً للبرميل وبقي الدولار مرتفعاً عند 17.70 جنيه، وتوقع خبراء أن تقفز الفاتورة إلى أكثر من 140 مليار جنيه.. ضغط الصندوق ويبدو أن الحكومة استجابت.
تأكيدات سابقة بعدم رفع أسعار الوقود
في 3 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ومن مقر مجلس الوزراء بوسط القاهرة، أدلى عمرو الجارحي، وزير المالية، بتصريحاتٍ أكد فيها تعهد الحكومة بعدم رفع أسعار الوقود مجدداً خلال العام المالي الحالي -بدأ يوليو/تموز الماضي وينتهي في يونيو/حزيران 2018- كما أكد طارق الملا، وزير البترول والثروة المعدنية، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، عدم وجود أي زيادة جديدة في أسعار البنزين والوقود، وقال إن الأسعار لن تتغير حتى 30 يونيو/حزيران 2018.
تصريحات الجارحي جاءت بعد أيام من إصدار صندوق النقد الدولي في 27 سبتمبر/أيلول 2017، تقرير الخبراء بشأن الإصلاحات المصرية، وقال فيه إنه أعفى الحكومة من أهداف معينة كان ينبغي تحقيقها في يونيو/حزيران الماضي، بعضها يتعلق بفاتورة دعم الوقود، لكنه حذر من مغبة الاسمرار في تجميد خطة رفع أسعار الوقود، وقال إن الحكومة أكدت له أنها ستستمر في خطواتها لخفض دعم الوقود.
وفي حالة تطبيق الزيادة، فلن تكون هذه المرة الأولى التي تتراجع فيها الحكومة عن تعهداتها في هذا الشأن، فقد سبق لوزير البترول أن نفى وجود أي زيادة في أسعار الوقود مساء يوم الأربعاء 28 يونيو/حزيران، ثم طبق الزيادة بالفعل صباح اليوم التالي.
وكانت الحكومة تتبع سلوكاً مشابهاً في كل الزيادات التي طُبقت في يوليو/تموز 2014، ونوفمبر/تشرين الثاني 2016، ويونيو/حزيران 2017.
لكن، يبدو أن ضغوط صندوق النقد لم تتوقف قط، فقد أكد الصندوق لدى موافقته قبل يومين على صرف الدفعة الأولى من الشريحة الثانية من القرض المقدم لمصر، ضرورة مضي مصر في خطتها لرفع الدعم عن الوقود.
وقال ديفيد ليبتون، النائب الأول لكريستين لاغارد مديرة الصندوق، عقب مناقشة المجلس التنفيذي للصندوق قرض مصر، إن خطط الضبط المالي التي حددتها الحكومة المصرية لوضع الدين الحكومي على مسار تنازلي، والتي تعتبر أهداف الفائض الأولي للسنتين الماليتين 2018/2017 و 2019/2018 قابلة للتحقيق، ولكنها محاطة بالمخاطر، وضمن ذلك مخاطر ارتفاع أسعار النفط.
وتابع: "من ثم، فإن استمرار إصلاح دعم الطاقة أمر أساسي لتحقيق الأهداف المالية الواردة في البرنامج".
وزيادات أخرى في الطريق
وأوضح المصدر الحكومي، الذي طلب عدم نشر اسمه، أن الزيادة القادمة في أسعار الوقود لن تكون الأخيرة، "الحكومة ملتزمة بخطة لخفض دعم الطاقة خلال الفترة المقبلة، تهدف إلى تحرير أسعار المواد البترولية بشكل كامل، مع الإبقاء على دعم أسطوانة البوتاجاز فقط".
وقال إن قرار رفع أسعار الوقود القادم يستهدف الحدّ من ارتفاع فاتورة الدعم، خاصة أن مشروع الموازنة العامة للدولة حدّد فاتورة دعم المواد البترولية بقيمة 110 مليارات جنيه، بناءً على سعر صرف متوقع للدولار عند 16 جنيهاً، "لكن الدولار ما زال في حدود 17.70 جنيه للدولار".
وأضاف المصدر أن ارتفاع سعر النفط عالمياً إلى نحو 64 دولاراً للبرميل، تجاوز السعر المحدد في الموازنة العامة للدولة والمقدر بـ55 دولاراً للبرميل.
وكان صندوق النقد الدولي قد أشار إلى أن برنامج الحكومة المصرية للإصلاح الاقتصادي، يهدف إلى خفض فاتورة دعم المواد البترولية خلال العام المالي القادم، لتصل إلى نحو 47.2 مليار جنيه.
وبحسب وثائق صندوق النقد الدولي، التي أصدرها خلال سبتمبر/أيلول الماضي، في إطار المراجعة الأولى لبرنامج الإصلاح الاقتصاد المصري- فإن الحكومة ستستمر في خطواتها لخفض فاتورة دعم المواد البترولية حتى العام المالي 2022/2021، الذي من المتوقع أن تنخفض فاتورة دعم المواد البترولية خلاله لتصل إلى 35.1 مليار جنيه.
ورفعت الحكومة أسعار الوقود خلال نهاية يونيو/حزيران الماضي، حيث وصل سعر لتر بنزين 92 إلى 5 جنيهات بدلاً من 3.50 جنيه، ولتر بنزين 80 إلى 3.65 جنيه بدلاً من 2.35 جنيه، ولتر السولار إلى 3.65 جنيه بدلاً من 2.35 جنيه، وارتفع سعر متر الغاز للسيارات من 160 قرشاً إلى 2 جنيه.
كما ارتفع سعر بنزين 95 إلى 6.6 جنيه للتر بدلاً من 6.25 جنيه، وارتفع سعر أسطوانة البوتاجاز إلى 30 جنيهاً بدلا من 15 جنيهاً، وأسطوانة البوتاجاز للقطاع التجاري من 30 إلى 60 جنيهاً.