يمتلك العالم أجمع بداخل صندوق خشبيّ صغير أقدم منه عمراً، هو أحد أثرياء العالم فما يمتلكه بداخل الصندوق من قصاصات ورقية ولعبة تالفة وبقية أشياء أخرى يجعل منه- في نظره- سيّد العالم، يحتفظ بالصندوق في مكان سريّ لا يخبر به أحداً، ويعاود النّظر إليه كل دقيقة ليذكّر نفسه بثروته الطائلة، وبأن ملوك العالم لا يستطيعون الحفاظ على سعادتهم بداخل صندوق صغير كما يفعل هو.
لا يملك من هموم اليوم شيئاً يذكر سوى انتظار أبطال رسومه المتحركة، لا يملك ماضياً ولا ذكريات، ولا يعبأ بما يحمله الغد أو يقتضيه بعد غد، لا يملك مفاهيم حقيقية عن منظور الخير والشر، يمكنه الغضب والثورة على أتفه الأسباب، لكنه لا يلبث أن يضحك مرّةً أخرى، فهو لا يستطيع التهجم مدّةً طويلة والحلوى تداعب جيبه.
في سن السادسة زجّ به لأول أسوار العالم ليتم تعليمه، كان يقتسم مع أصدقائه الشطائر والحلوى والألعاب دون الشعور بالفضل أو الاحتياج، يفعل ذلك عن رغبة ذاتية لا يمكن للشعور بالخجل أو الاعتزاز بالنّفس الّلذين لا يعرف لهما معنى أن يمنعانه من ذلك، في سن العاشرة توفّي أعز أصدقائه، كان يبكي كثيراً حتى أخبرته أمّه أنّ الجنّة آوت صديقه؛ ليعود في اليوم التالي يبحث عن صديق آخر.
اليوم هو في الثلاثين -ريعان الشباب كما يقولون- ودون الاحتياج للتدقيق يمكنك ملاحظة تجاعيد وجهه الشاحب التي ترسم طريقاً تأبى أن تسلكه الشياطين.
أصبح الآن يعرف الفقد ويرى الشرّ الذي يحتج على وجوده حيناً ويختلجه في نفسه أحياناً أخرى، صندوقه الخشبيّ الصغير ما عاد يتسع لآلامه وترحه ولا حتى لخيوط أفكاره، وقطعة الحلوى لم تعُد الحلّ الذي تختزل فيه جميع مشكلاته؛ ليعلم حينها أنّنا لا نتقدّم بالعمر لنزداد إدراكاً ونضوجاً، نحن ببساطة نتخلّى -تدريجياً- عن ذلك الطفل بداخلنا، فمحطات أيامنا لم تكن يوماً منابع للشرّ أو الألم، قالها ماركيز ذات مرّة "كانت أمنياتي ألاّ تجبرني أمي على الإفطار وأن تسمح لي باللعب عصراً في الحديقة ويشتري لي أبي دراجة وترسم المعلمة على يدي نجمة، كيف تعقد الأمر؟".
العالم ليس بذلك السوء يا صديقي، نحن فقط لم نستطِع الحفاظ على طفولتنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.