وُصِفَ تهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب بقطع المساعدات الأميركية عن الدول التي تُصوِّت لمصلحة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة الذي يرفض اعترافه بالقدس عاصمةً لإسرائيل بأنَّه "مهزلة".
وشهد يوم أمس، الخميس 21 ديسمبر/كانون الأول، انعقاد جلسة طارئة للجمعية العامة للأمم المتحدة صوتت فيها 128 دولة ضد إعلان ترامب و9 دول لمصلحته، لتعلن أنَّه "مُلغى وباطل"، مع امتناع 35 دولة عن التصويت.
ودعا هذا الإجراء – الذي يعكس مشروع القرار الذي صاغته مصر واعترضت عليه الولايات المتحدة باستخدام الفيتو في مجلس الأمن في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع – إدارة ترامب إلى التراجع عن خطوتها هذه.
جديرٌ بالذكر أن مصر التي تلقّت تمويلاً من الولايات المتحدة في العام الماضي، بقيمة 1.2 مليار دولار ستكون أكثر عُرضة لتنفيذ تهديد ترامب.
بيد أن بعض المحللين قالوا إنَّه من الناحية العملية لن يكون من السهل على إدارة ترامب قطع المساعدات، وفق تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
يُذكَر أن الكونغرس يخصص الكثير من المساعدات الأميركية المالية لدولٍ وقضايا محددة.
وفي العام الجاري عارض بعض المُشرِّعين مُقترح ترامب بشأن الميزانية تحت شعاره الذي يحمل عنوان "أميركا أولاً"، والذي دعا إلى خفض ميزانية المساعدات الخارجية بأكثر من 30%.
وقال أليكس ثير، المدير التنفيذي لمعهد التنمية الخارجية البريطاني، إنَّ التهديد بقطع المساعدات المقدمة لبعض الدول بسبب تصويتٍ سياسي في الأمم المتحدة يُعَد "استثنائياً"، لكنَّ تنفيذه سيكون صعباً.
وقال ثير إنَّ "التخفيضات المُقرَّرة من جانب طرف واحد لبلدٍ معين ليست بهذه السهولة. فلا يستطيع (ترامب) أن يقول ببساطة: حسناً، لن تتلقى إثيوبيا مساعداتٍ بعد الآن". وإذا نظرتم إلى التخفيضات المقترحة في المساعدات الخارجية تجدون أن ما حدث في الواقع هو أن الكونغرس والإدارة توصَّلوا إلى تعديل حجم المساعدات في دولٍ محددة، ولم تكن التخفيضات عميقة كما هدَّدَ ترامب".
وقال ثير إنَّه من المهم التمييز بين الأنواع المختلفة لتدفقات المساعدات: فهناك مساعدات عسكرية وأمنية تذهب إلى الحكومات، وهناك معونة تنموية تذهب إلى الشعوب الأحوج، ولا يُفترَض تخصيصها على أساس سياسي. وهناك تدفُّق ثالث متمثلٌ في المعونة الإنسانية التي يقتضي القانون توفيرها على أساس الحاجة.
وأضاف ثير: "في الأساس تتعلَّق بعض المساعدات تعلُّقاً كبيراً بالسياستين العسكرية والأمنية. فكأنك تقول إننا ندعمك لأنك تهتم بالسياسات التي تهتم بها. وليس قطع المساعدات غريباً، إذ حدث بسبب حقوق الإنسان على سبيل المثال في مصر في الماضي.
وأردف: "ثم تأتي المساعدات التنموية التي لا تذهب إلى الحكومات بل الشعوب الأحوج. ستكون مهزلةً أن تعاقبوا الشعب في رواندا أو نيبال على تصويتٍ أدلت به الحكومة في الأمم المتحدة، في حين أنَّ هذه الأموال متعلقةٌ بمكافحة الفقر، أو مساعدة الفتيات على الدراسة، أو مكافحة التغير المناخي".
وقال مارك وايسبروت، المدير المشارك لمركز البحوث الاقتصادية والسياسية في واشنطن، إنَّ هذا التهديد قد يؤثر على العلاقات الأميركية السعودية المتوترة بالفعل بسبب انتقاد حملة القصف السعودية في اليمن.
وأضاف: "من غير المُرجَّح أن يؤثر تهديد ترامب ونيكي هالي، السفيرة الأميركية لدى الأمم المتحدة، بمعاقبة دولٍ أخرى بسبب العصيان على العديد من الأصوات في الأمم المتحدة. لكنَّه قد يؤثر على العلاقات بين أميركا والسعودية التي تُعَد زعيمة مجموعة الدول العربية والإسلامية دعت إلى التصويت على هذا القرار".
جديرٌ بالذكر أن ترامب دعا في وقتٍ سابق من الشهر الجاري، إلى وقف إطلاق النار في اليمن، وهدّد السعوديين بقطع المساعدات إذا استمر الحصار المفروض على الغذاء والماء والوقود الدواء الذي دفع 7 ملايين يمني إلى حافة المجاعة.
وقال وايسبروت: "قد يخلق الدعم السعودي لقرار الأمم المتحدة مزيداً من الاحتكاك مع ترامب، ويزيد احتمالية خضوعه للضغط المتزايد من جانب الكونغرس، أو يزيد احتمالية انضمام مزيدٍ من النواب الجمهوريين في الكونغرس إلى نظرائهم الديمقراطيين واستخدام "قرار سلطات الحرب لعام 1973″ لفرض وقف التدخل العسكري الأميركي. وستكون هذه أفضل نتيجةٍ ممكنة لهذه المعركة".
وبينما اتفق مختصون تنمويون على صعوبة تنفيذ تهديدات ترامب، التي تبدو موجَّهةً إلى بعض أعضاء الأمم المتحدة في إفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، سيتركز أي تأثيرٍ ناجم عنها على أولئك الذين يعيشون معاناةً اقتصادية بالفعل.
وقال تيم جونز، الخبير الاقتصادي في حملة "يوبيل ديبت" الهادفة إلى تخفيف أعباء الديون عن الدول الفقيرة، إنَّ العديد من الدول النامية تعرَّضت بالفعل لسلسلةٍ من الصدمات الاقتصادية مثل انخفاض أسعار السلع في 2014، ما خفّض احتياطي خزائن الدول التي تعتمد على الوقود الأحفوري والمعادن.
وأضاف جونز: "ما يثير القلق بالنسبة لكثير من الدول التى قد تتعرض للضرر هو أن العديد منها تضرَّرت بالفعل من صدماتٍ اقتصادية على مرِّ السنوات القليلة الماضية. وهذا ما حدث في العديد من دول الجنوب العالمي (دول العالم الثالث النامية)، مثل دولتي سيراليون وليبيريا اللتين تُعدان من أفقر الدول، وتعانيان بعد زوال فيروس إيبولا.
وأردف: "يُسَدَّد معظم الدين الحكومي بالدولار، ومن ثمَّ، تضررت هذه الدول كذلك من ارتفاع قيمة الدولار وزيادة أسعار الفائدة في الولايات المتحدة".
وقال جونز إنَّ زامبيا والكاميرون وجمهورية الكونغو الديمقراطية وتشاد من بين الدول التي يُحتمل أن تكون أكثر تضرراً".
وانتقدت جمعياتٌ نسائية التهديدات بقطع المعونة التي جاءت بعد عودة ترامب إلى انتهاج "قاعدة تكميم الأفواه العالمية" التي لاقت انتقاداتٍ كثيرة، ما حدّ من تقديم المساعدات إلى الجمعيات التي تقدم مشوراتٍ بشأن الإجهاض.
وقال جوناثان راكس، مدير الدفاع في جمعية الضغط العالمية للصحة الإنجابية PAI، إنَّ تنفيذ التهديد بقطع المساعدات "سيضر الفقراء والضعفاء في جميع أنحاء العالم"، تماماً كتوسيع قاعدة تكميم الأفواه العالمية.
وأضاف: "ترامب بحاجةٍ إلى العودة إلى مبادئ المستوى الأول من الدبلوماسية. إن ردَّ الفعل العفوي لقطع المساعدات الخارجية عن الدول التي لا تتفق معنا فلسفياً سيكون قصير النظر، ويُقوِّض مصالحنا التنموية والأمنية".
وقالت سيرا سيبل، رئيسة مركز الصحة والمساواة بين الجنسين: "هذا مثالٌ آخر على إساءة الحكومة الأميركية استخدام سلطتها في العالم. وتُعيد هذه الأحداث عهد الرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش إلى الأذهان حين حاولت الولايات المتحدة ليّ ذراع بعض الدول بقطع المساعدات كوسيلة ابتزازٍ من أجل الحصول على دعمها لبرامج مناهضة للمرأة والإنجاب".
وتابع: "لكن لحسن الحظ، لم تستسلم حكومات هذه الدول آنذاك لبرامج الولايات المتحدة الوحشية. نريد من الحكومات الصمود أمام سياسات الحكومة الأميركية التي تقوِّض حقوق الإنسان، وعدم التورِّط فيها".