لا يمكن التقليل من دور المواطنين ومستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي في المساهمة بالعملية الاتصالية، لكن يبقى هذا الدور عامل جذب وقلق للصحفيين العاملين في وسائل الإعلام التقليدية، فتمتُّع هذا المواطن ببعض أدوات العمل الإعلامي، تُبقيه غير قادر في الغالب على إنشاء عملية اتصالية بمسؤولية.
ويعبّر صحفيون عن قلقهم وانزعاجهم من ملاحقتهم فيديوهات وصوراً ومعلومات يتبين فيما بعد أنها غير صحيحة ولا تقود إلى أي تطور في القضية المعنيَّة، لكن في المقابل يتلقون يومياً مواد إعلامية صنعها مواطنون بكاميراتهم الشخصية، تجسد واقعة أو قصة حزينة.
ورغم كل الجوانب الإيجابية لهذه المواقع التي صنعت صوتاً كبيراً لمن لا صوت له وتخطَّى المواطن موقع "شاهد العيان" ليصبح مشاركاً دون أجندات تقيده- تبقى فرص تناقل الأخبار الكاذبة عالية، مشكِّلةً بذلك عبئاً على وسائل الإعلام التقليدية لخطورة تأثير هذه الإشاعات على الجمهور المنتشر في بقاع الأرض كافة ويستجدي الحصول على الحقيقة.
وتلك الازدواجية تنبع في الأصل من المنافسة، ومن طبيعة الإنسان الذي لا يحبذ منافسته، وهذا قدَر الصحفيين؛ أن غالب البشرية تنافسهم في مهنتهم، وهذا ما يتطلب تطويراً للأدوات وبذل جهود في بناء وتقديم محتوى يختلف ويتميز عن مشغلي الكاميرا وكاتبي البوستات على صفحات منصات التواصل الاجتماعي.
وبالطبع، كان هناك تدارك للموقف من قِبل الكثير من الصحفيين عندما اجتاح الإنترنت وشبكات التواصل الاجتماعي عالم الصحافة، وتمكنوا من الارتقاء بالمحتوى الإعلامي المقدَّم إلى الجمهور، فلم يعد الأمر يقتصر على تحرير البيانات التي نُشرت على الفيسبوك بعد دقائق من إصدارها، لكن الكثير منهم جنح إلى التحليل السياسي واستشراف المستقبل، والتقاط الموضوعات وهندستها وتقديمها بصورة تسر الناظرين وتمتع القراء.
شائعات تثير الفضول الصحفي
يبحث الكثير من الصحفيين، سواء كانوا عاملين في الغرف الإخبارية أو مراسلين بأرض الميدان، في موقع الفيسبوك وتويتر وبقية المواقع الأخرى عن قصص مثيرة تستحق التغطية والاهتمام، لكن في الكثير من الحالات تستهوي الصحفي قصة لافتة للنظر ويسير خلفها، وربما يذهب لأماكن بعيدة للظفر بهذا الصيد الثمين، ليكتشف لاحقاً أنه تعرض لخدعة كبيرة عبر معلومة مغلوطة أو كاذبة، وقد تؤثر تلك المعلومات على شعب بأكمله أو قطاع عريض من الجمهور.
يذكر نائب رئيس متحف الأخبار في واشنطن، الخبير الإعلامي بول سبيرو، أن الشائعات قد تعرض المواطنين للخطر؛ فعلى سبيل المثال كان هناك 8 ملايين تغريدة على تويتر بالتزامن مع تفجيرات ماراثون بوسطن 2013، 29% منها كانت غير صحيحة أو غير دقيقة، وهو ما تسبب في إرباك لبقية المواطنين.
كما تشير إلى انتشار الغوغائية في التعامل مع القضايا الحساسة وعدم وجود رادع يوقف السيل الكاذب من الصور والمعلومات، فبعد أن نشرت السلطات المختصة صوراً للمشتبه في ضلوعهما بالتفجيرات، بدأ الكثير من الناس بنشر أسماء وصور عشوائية، وأصبح هناك أبرياء معرضين للخطر، وربما للقتل، خاصة في ظل أجواء الاحتقان ومشاعر الغضب من التفجير.
في مثل هذه القصة، يبرز التساؤل الآتي: إلى أي مدى يمكننا الوثوق بأخبار مواقع التواصل وما تسمى "صحافة المواطن"؟ وكيف يمكن التعاطي معها؟
يشير خبراء مختصون في الإعلام إلى أنه من الخطأ اعتبار مواقع التواصل الاجتماعي "مصدراً" للخبر؛ بل رأوا فيها أداة تزود الصحفيين بقصص تستحق التغطية الإعلامية فتسلط له الضوء على قضية، ربما لم يكن مطلعاً على "طرف خيط" لخبر يحتاج التحقق وكتابة قصة حقيقية حوله فيما لو تأكدت مصداقيته.
ومع الحداثة النسبية لدخول هذه المصادر إلى عالم الصحافة والأخبار، فإن تقديرات العاملين في هذا المجال تابعة للمتغيرات اليومية، ونسبة الخطأ ما زالت متاحة، وكما أن أدوات الاتصال كافة مرت في سنين من البحث والتجربة، فلا بد من أن تمر مواقع التواصل الاجتماعي بمراحل شبيهة حتى تتكون المفاهيم الأنسب لاستخداماتها وتدخلاتها في العمل الصحفي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.