القدس توحِّدهم من جديد

وعلى ما يبدو فإن القدس نجحت في تجميع أنصار القضية الفلسطينية، كما نجحت في تجميع أنصار التحالف الإسرائيلي، وبدأت القضية الفلسطينية تتحول بشكل واضح بين قطبين: الأول المقاومة الفلسطينية، وتيار المصالح المشتركة مع دولة الاحتلال، ويبدو أن حديث الشيخ الغزالي عندما قال: إن زوال إسرائيل قد يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها، ودمار مجتمعات عربية فرضت على نفسها الوهم والوهن.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/22 الساعة 00:22 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/22 الساعة 00:22 بتوقيت غرينتش

أثبت وَعْدُ ترامب بنقل السفارة الأميركية إلى القدس أن الشعوب العربية ما زالت تعتبر القدس وفلسطين القضية الأولى، كما كان تضامن الشعوب العربي ضد الأبواب الإلكترونية على مداخل أبواب الأقصى، وما هي إلا ساعات حتى كانت المظاهرات تعمّ معظم الدول العربية والإسلامية، انتفض الجميع من إندونيسيا مروراً بماليزيا وصولاً إلى الدول العربية والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية نفسها، ومع تصاعد الاشتباك مع المحتل الإسرائيلي في الضفة الغربية وقطاع غزة والداخل المحتل عام 48، ما أثبت أن القضية الفلسطينية ستبقى القضية المركزية ليس للعرب والمسلمين، بل قضية المركزية عالمية، لا يمكن تخطيها وتجاوزها.

ولا يوجد دليل على البعد المركزي لقضية القدس، من المظاهرات التي خرجت تضامناً مع القدس، في كل من اليمن من أطراف الصراع المختلفة، سواء جماعة الحوثي أو ما يسمى بحكومة الشرعية، أو المظاهرات التي خرجت في سوريا رغم الحرب المستمرة والحالة التي وصل لها السوريون في حرب لم تُبقِ ولم تذر، فكان كل من أتباع النظام السوري يتظاهرون والثوار السوريين يحشدون في ساحات العامة دعماً للقدس، لقد نسيوا جراح الحروب رغم القصف واستمرار الحرب.

وكما كان الشعب المصري مسانداً وداعماً لفلسطين، خرج الشعب المصري بمظاهرات داعمة ومساندة ضد قرار ترامب الخاص بنقل السفارة الأميركية إلى القدس والاعتراف بالقدس عاصمةً لدولة الاحتلال، ورغم كمية القمع التي يعاني منها المصريون، حيث يكاد يكون مصر الدولة الوحيدة التي اعتقل بها متظاهرون ضد قرارات ترامب بعد إسرائيل، كما كانت دولة الإمارات والمملكة السعودية الدولتين العربيتين الوحيدتين اللتين لم تشهدا مظاهرات ضد القرار، بل تكون المملكة السعودية الدولة الوحيدة التي طلبت من مواطنيها بشكل مباشر عدم الاقتراب من أي مظاهرة خارج المملكة السعودية، كما حدث في الأردن، مهددة مواطنيها بالمساءلة وتحمل تبعات الاقتراب من المظاهرات وأماكن الاعتصام في الأردن.

ورغم مقدار الغضب الذي انتاب المسلمين وغير المسلمين، ورغم المظاهرات العارمة في مختلف دول العالم ورغم الإجماع على مركزية القدس، نجد أن دولاً مثل الإمارات العربية والسعودية تتجنب الحديث عن القدس، بل إن خطبة الجمعة في المسجد الحرام والمسجد النبوي خلت من أي مظهر من مظاهر التعاطف أو الإشارة إلى ما يجري في القدس.

يبدو أن القدس لم تعد ذات أهمية لدى هذه الدول، وقيل إن وزير إحدى دول الخليج العربي صرح في اجتماع جامعة الدول العربية، بأنه يجب ضبط النفس وعدم تسييس قضية القدس، اعتقادي بأن التصريح صدر عن وزير خارجية إحدى الدول التي باتت تعرف بتحالف العار العربي المكون من الإمارات العربية والمملكة السعودية والبحرين وأخيراً مصر، فهذا التحالف أصبح تابعاً لحكومة الاحتلال بشكل شبه واضح، وبدأ التفاخر في وسائل الإعلام الإسرائيلية بمقدار التنسيق وتوافق على المواقف الخارجية أكثر من لافت، بل تمنّى نتنياهو رئيس الوزراء الإسرائيلي أن يكون التنسيق مع دول الاتحاد الأوروبي قريباً بمقدار التنسيق مع السعودية.

ويبقى الرهان الصعب مشروع التسوية السلمية على أساس تبادل المنافع والاقتصاد مع دولة الاحتلال الإسرائيلي بقيادة دول تحالف العار العربي، إن المظاهرات والهبّة الشعبية في الدول العربية والإسلامية وغير الإسلامية، لن تستمر وما هي إلا أسابيع حتى تعود الحياة إلى طبيعتها ويعود المواطنون إلى مشاريعهم وأشغالهم، وعندها تقدم صفقة القرن للإنهاء على ما بقي من شرف الأمة، وبعد إتمام صفقة وتوفير دويلة للشعب الفلسطيني على أجزاء متناثرة من الضفة الغربية، وعاصمة بلدة أبو ديس القريبة من القدس، وهنا أطرح سؤالاً خطر في بالي رغم مقدار التنسيق بين إسرائيل من جهة والسعودية والإمارات والبحرين من جهة أخرى لماذا لم تفتح سفارة لهذه الدول في إسرائيل إلى الآن؟

لم يكن تخمين الجواب صعباً بعد معرفتي بأن الرئيس الأميركي ترامب لم يتخذ قرار نقل السفارة الأميركية من تل أبيب إلى القدس إلا بعد مشاورات وموافقة كل من السعودية ومصر، وإن دول التحالف العربي تسير في صفقة القرن، وتلتزم بها أكثر من أصحاب الصفقة أنفسهم، فهي تعتقد أنها بذلك تحقق منافع خاصة ومكاسب سياسية واقتصادية، وتمد في عمر الدولة فلا تكون عرضة للثورات التي أنهت عروش العديد من الحكام، وعليه لا أستبعد قيام دول التحالف العربي بالقيام بفتح سفارات لها في القدس، وأن السبب الوحيد لعدم فتح سفارة في دولة الاحتلال إلى الآن هو عدم رغبتها في فتح سفارة في تل أبيب وإثارة ضجة، ثم نقل السفارة من جديد إلى القدس مما قد يسبب مزيداً من الاحتجاجات، وعليه ستنتظر هذه الدول بعض من الوقت وربما لن يكون هذا الوقت بعيداً، بضعة أشهر فقط لا غير، ولا يدل على ذلك قيام مملكة البحرين بإرسال وفد إلى إسرائيل في عز الأزمة، متعهدة بفتح كنيس يهودي في البحرين، وتقوية العلاقات الدبلوماسية بين دولة الاحتلال والبحرين.

وعلى ما يبدو فإن القدس نجحت في تجميع أنصار القضية الفلسطينية، كما نجحت في تجميع أنصار التحالف الإسرائيلي، وبدأت القضية الفلسطينية تتحول بشكل واضح بين قطبين: الأول المقاومة الفلسطينية، وتيار المصالح المشتركة مع دولة الاحتلال، ويبدو أن حديث الشيخ الغزالي عندما قال: إن زوال إسرائيل قد يسبقه زوال أنظمة عربية عاشت تضحك على شعوبها، ودمار مجتمعات عربية فرضت على نفسها الوهم والوهن.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد