عندما تغلق الحياة أبوابها، وعندما يتأخر شروق الربيع ونترك حَبل الأمل كصيادٍ سَئِم الانتظار أو كغريبٍ فقد مفاتِح العودة، يقف هناك مُسنّ رأى من كل ألوان الحياة، وعاش حتى أرذل العمر، ينظر إليّ بحسرة وأنا تائِهٌ بين الأهوال، يلومني على الفرص الفائتة والأحلام المتخبطة، يريد أن ينتشلني مما أصابني، ولكن دون جدوى، تصرخ عيناه بأن لا ماضٍ يعود، فنتعلم الدرس، ولا موت يريحهُ من هموم الحياة وأوجاعها.
حياة البائسين لا ينقصها مال، فقد تجد ثرياً ينتحر كـ"روبين ويليامز" وغيره الكثير، ولا ينقصها الإثارة والأحداث، وإن كان عاملاً نوعاً ما، ولكنها (في رأيي) تفتقر كثيراً لآمال وطموحات المستقبل، فكل أمل بمثابة قبس نور لا بد منه في نهاية كل طريق مظلم.
مَن يدرك ذلك فقد أدرك كُل شيء (إلى حدّ ما)، ومن غيّروا العالم من عظماء لم يكونوا شيئاً لولا آمال الصّبا التي كبرت معهم وكبروا معها حتى أفنوا فيها حياتهم وأنصفتهم، فخلدت في التاريخ بطولاتهم، وعلى النقيض فهناك مَن قضت عليه صفعات الحياة حتى أفنى فيها كل حُلمٍ غالٍ وأملٍ نفيس؛ فأفنته.
إننا نرسم لوحة الحياة المستقبلية الخاصة بنا، فنصيبُ تارةً ولا ندركُ أخرى، نستسلم أحياناً لعواصف الحياة فتودي بنا إلى مستنقع الضعفاء، ولكن هناك مَن لا يستسلمون ويقاومون بكل جوارحهم حتى النفس الأخير؛ فيحولوا العتم إلى نور، واللوحة الصماء لألوان جذَّابة مزجوها بقلوبهم التي لا يعرف اليأس لها سبيلاً.
الأمل هو أكثر من شريان حياة للسائرين، يمحو دمعة عاصٍ على باب التوبة، ويرسم بسمة مَن أرهقه المرض وأضناه العيش، ويواسي أُماً فقدت أغلى أبنائها، ويعين مجاهداً على أعتاب القدس بأمل عودة القبلة الأولى.
الواقع سيئ جميعنا يُدرك ذلك، لكن هناك مَن يمرّ بمحنة فتسلبه كل ما يملك من شعور وأفكار ومبادئ وغيرها، وهناك مَن يسلك طريقاً محايداً فلا هو تخلّى عن مبادئه واستسلم للواقع الأسود هذا، ولا هو تخلَّى أو أعمى بصرَه عما يحدثُ حوله، فالاتزان بين كل شيء مطلوب، وخاصةً إذا كنت لا تملك لهذه المحنة شيئاً لتفعله.
لا تلتفت ولو للحظة لأولئك البؤساء الذين يثبطون كل ما هو جميل في الحياة، مَن يصح فيهم قول: "تريهم الوردة فينظرون لشوكها"، ولو أمعنوا لرأوا جمالاً ساحراً، صَادِق المتفائل الذي يجعلك تتجاهل ظلام النفق الممتد، ويريك ضوءاً في نهاية كل طريق، فكما يقولون: تصيبك عدوى جمال تفكيره ونظراته الإيجابية.
ما أريد قوله أن الأمل سلاح فتَّاك بكل الأحداث المأساوية المتعاقبة التي تمر بنا، فلنتمسك به حتى ننعم بالسكينة، ونستطيع إكمال درب الحياة الشاقة، ولكي لا نسمح للحياة بقتل كل جميل فينا، فعلينا بالتضرع لله ورجائه بتفريج الكرب، والابتسامة لاستقبال الغد المأمول.
إلى أولئك الذين يخلقون الأمل من الفضاء والابتسامة من رحم المصاعب؛ ليعلمونا معنى الرضا، ويبثون فينا الحياة من جديد بعد يأسٍ قاتل، لمن يحفزون القلب على النبض بحُب، لأمي القمر الذي يضيء ليلي بآمال الشروق، ولأبي مصدر الدفء والطاقة، لكل مَن أبدوا لنا ابتسامةً أعانتنا على المضي قُدماً، ومن يساندوننا دائماً حتى عندما لا نطلب منهم ذلك، ولمن لم أذكرهم ممن يبذلون كل ما لديهم لرؤية بسمة حياة على وجوه الغير، لجميعهم:
الحياة بدونكم خيبة أملٍ كبيرة وكسواد ليلٍ ليس له صباح، نشتاقُ لمن حالت بيننا بلدان، ونأمل عدم غياب الحاضرين، علاوةً على ذلك، فنحن مدينون لكم من أعماقنا وممتنون لحياة جمعتنا بكم، ونشكر الله على هذا كثيراً.
كُلِّي أَمَل أن تَصِل رِسالتي لكم، ولا أكُون قد أرهقتُ عُيونكم بِشَخابيط قلمي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.