لا تكن عبداً

ولعلنا نعرف قصة الفيلسوف الكبير فريدريك نيتشه وعلاقته بحبيبته التي أفقدته عقله وجعلته يكره الدنيا بما فيها، عندما ذهب إليها وارتمى تحت قدميها يقبلها لعلها ترضى عنه وتوافق على بقاء ذلك الحب، وما كان منها إلا أن تركته ساجداً لها دون أن تبدي أي اهتمام.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/21 الساعة 02:17 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/21 الساعة 02:17 بتوقيت غرينتش

إنه لأمر طبيعي أن نشعر بالحب، وأن تحركنا عواطفنا تجاه القلب الآخر، وينبعث اللهب المحرق من القلب، إن خابت علاقتنا بمن نحب ونبقى كصخرة صلدة لا عواطف لها؛ حيث يموت كل شيء فينا؛ تموت افكارنا في حب البقاء والتعمير وتكوين الأسرة التي حلمنا بها، يموت كل شيء، ويبقى الحب يجدد الآمال من جديد، ويطرح بدائل وطرقاً جديدة في البقاء، ولكن هناك من يتحطم وينكسر كقطع الزجاج، ويبقى من المستحيل إرجاعه كما كان، فالحب والعاطفة التي تنبعث منه تموت وتذبل، ويتحول صاحبها إلى كتلة كبيرة من الاكتئاب والجنة التي كان يحلم بها، والعيش السعيد يصبح سراباً، ويعيش صاحبها في حالة مضطربة، فتارة يكره جميع النساء حتى أمه، ويمارس سياسة العنف مع كل امرأة تقع عيناه عليها، وتارة تغلبه العاطفة ويلهث وراء كل صوت أنثوي، وكأنه يستمد طاقته منه، ولن يشعر بالدفء إلا بسماع ضحكاتهن، ولا يستطيع النوم إلا على أصوات حديثهن، وخصوصاً عندما تتكلم إحداهن عن الحب.

فالحب سلاح ذو حدين، فإما أن يجعل الإنسان يعيش في سعادة لا متناهية، وجنة أرضية لا شقاء ولا تعاسة فيها، ويبقى كالعصفور يغرد ويصيح، فيضفي على من حوله بهذا الحب، ويسقي التعساء والمحرومين والبوساء جرعات هائلة من العطف والحنان، ويجعلهم يدركون أن هناك معنى آخر للحياة، وأن التعاسة والشقاء لا وجود لهما، وأن الحياة بها ألوان كثيرة ومتنوعة من الحب، تجعله يخفي كل أثر للآلام والمعاناة، وإما أن يحول صاحبها إلى وحش كاسر مجنون ينشر الحقد والغل في كل مكان يذهب إليه، فلا ترتاح أوصاله إن رأى لوناً من الحب إلا وطمسه ودمره، وأخفى أثره ومعالمه.

وكل ذلك يعود إلى الإنسان نفسه، فهو القادر على أن يصبح ذلك المحب العطوف الذي ينشر الأمل في نفوس البؤساء، أو ذلك المجنون الذي ينشر البؤس في كل أرض يذهب إليها، حتى إننا نلاحظ تحول هذا الشخص إلى مادة خام، إلى الكره والحقد، يكره كل شيء حتى نفسه، وذلك يثير الدهشة حقاً، ونتساءل في جنون: كيف تحول هذا الشخص إلى هذه؟ وما الذي أصابه؟ ولعلي تكون إجابتنا هو الذي اختار ذلك لنفسه، هو الذي أطلق العنان لقلبه؛ ليحب بدون أي قيود أو شروط، فأصبح كالعبد الذي يتلاعب به النبلاء، فلا قدرة له على رفض أو قبول أي شيء إلا بالأمر، فيفقد الشعور بالذات، ويصبح كالدمية توضع للزينة واللعب، وإذا سئمنا منها ألقيناها في القمامة، ولعلكم تدركون أننا نتحدث عن ذلك المحب الذي قرر أن يفقد كل كرامته، مقابل أن تبتسم له حبيبته، فنرى اليوم أناساً غرباء جداً قد تحولوا إلى خدام مطيعين لنسائهم يتلاعبن بهم كيف شئن، فلا يستطيع أن يرفض لها أي شيء، وكل ما تقوله ينفذ بلا مناقشة أو أي إبداء رأي، وعندما تسأم من تلك اللعبة الرخيصة لا بد أن تتركها وتشتري غيرها.

ويذهب ذلك المحب ويتساءل في حيرة وجنون: لمَ تتركني بهذه البساطة وأنا الذي لا أرفض لها طلباً وكانت جل طاقتي لإرضائها وقضاء حوائجها؟ ولا يدرك ولا يستوعب أنه المخطئ فهو الذي أوقع نفسه في الفخ والشباك، فالحب إن أفقد الإنسان كرامته وكبرياءه وجعله في نظر حبيبته عبداً مطيعاً، لا يصبح حباً بل تملك طرف من الآخر، وكعادة الإنسان يرغب في الشيء ويلهث وراءه كالمجنون، وعندما يحصل عليه ويدرك أنه امتلكه يتمرد عليه، ويبحث عن غيره، دون أي شعور بالذنب.

ولعلنا نعرف قصة الفيلسوف الكبير فريدريك نيتشه وعلاقته بحبيبته التي أفقدته عقله وجعلته يكره الدنيا بما فيها، عندما ذهب إليها وارتمى تحت قدميها يقبلها لعلها ترضى عنه وتوافق على بقاء ذلك الحب، وما كان منها إلا أن تركته ساجداً لها دون أن تبدي أي اهتمام.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد