لا تلوموا المسؤولين.. الشعب أشد حباً لفرنسا

لن يحدث ذلك ما دام الرجل يحل بصفته رئيساً لدولة ذات سيادة ضيفاً على دولة ذات سيادة، فإذا به يجد نفسه موضع ترحيب حار من شعب وكأنه رعية فرنسية... لا لن يحدث وأكثر من ذلك سيطمح الرجل إلى المزيد، وقد حصل فعلاً، لقد طلب الفرنسي من السلطات الجزائرية إتاحة الفرصة "للأقدام السوداء" و"الحركي" و"الخونة" من أجل العودة إلى الجزائر... لا تستغربوا لا تستغربوا، من حق الرجل ذلك، هو فقط وجد الفرصة متاحة والطريق مفتوح ومعبّد لذلك، ماذا تتوقعون؟ ألا يستغل الفرصة؟

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/20 الساعة 01:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/20 الساعة 01:31 بتوقيت غرينتش

"يحل الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالجزائر يوم السادس من ديسمبر/كانون الأول ضيفاً غير مرحب به من قِبل الشعب وضيفاً يلقى كل الترحيب والتهليل من قِبل المسئولين".
وكما قيل ويقال: "إذا عرف السبب بطل العجب"، تحيلنا هذه المقولة مباشرة إلى أن الكاتب يقول بأن للشعب في عدم ترحيبه بزيارة الرئيس الفرنسي إلى الجزائر أسبابه، كما للمسؤولين الجزائريين أسبابهم أيضاً التي تسوقهم على رؤوسهم لانتظار هذه الزيارة على أحر من الجمر (ليس كلهم طبعاً لكي لا يكون الحكم مطلقا)… نعم هذا هو جوهر المقال فعلاً: لماذا يرحب المسؤولون الجزائريون بالرئيس الفرنسي ولا يفعل الشعب؟

كانت هذه مقدمة مقالي الأخير.. بدأت في كتابته قبل يوم واحد من قدوم الرئيس الفرنسي إلى الجزائر، ولكنني توقفت عن مواصلة الكتابة فيه لأسباب لم أستطع تحديدها في تلك اللحظة، ولا يهمني تحديدها أصلاً؛ لأنها لن تتعدى كونها تلك الأسباب الروتينية المتعلقة بالإرهاق وضيق الوقت، ولكن ما يهمني أكثر أنني توقفت..نعم توقفت.. هذا هو الأهم.

توقفت توقفاً محموداً جعلني أقف على مشاهد الذل والهوان والخيانة التي شاهدها الجميع وممن؟ من الذين قلتُ عنهم في مقدمة المقال الأول -الذي أحمد الله مرة أخرى أنه لم يكتمل- إنهم لا يرحبون بالرئيس الفرنسي وكنت سأبدأ في تعديد الأسباب وتقديم الحجج لذلك، ولو حصل ذلك لكنت أنا، أنا نفسي سأقول من هذا الأحمق الذي كتب هذا الهراء؟ فما بالك بغيري؟!

ولكنه لم يحصل، وأنا أحمد الله للمرة الثالثة على ذلك.. بربكم لا تقولوا لي إنكم لم تعرفوا عمّن أتكلم بعد!

أنا أتكلم عن الشعب، نعم إنه الشعب… الشعب الذي بدأت مقالي السابق متفاخراً بأنه لا يُبدي أي ترحيب بالرئيس الفرنسي بل ولا يقيم له وزناً، هو ذاته الشعب الذي تفنن في إذلال وإهانة بلد اسمه الجزائر وكان هو بطل مشاهد الذل والهوان والخيانة التي قلت إنني شاهدتها وشاهدها الجميع.. نعم كان هو البطل بلا منازع، أليس الشاب الذي ظهر وهو يطالب الرئيس الفرنسي -وغيره الكثير- بالفيزا من الشعب؟! أليس الشاب الذي ظلّ يلحّ على ماكرون لأخذ "سيلفي" معه من الشعب؟! أليست النسوة اللاتي خرجن ودنّسن اللباس الجزائري الأصيل وأطلقن الزغاريد التي كانت تطلقها الحرائر في جنائز الشهداء الذين قتلهم أجداد ماكرون بأبشع الطرق من الشعب؟! أليست تلك المرأة التي استقبلت ماكرون بحرارة وأخذت تحضنه وتقبله بشدة وهي تقول "مرحباً بك سيدي الرئيس.. مرحباً" من الشعب؟! أليس ذلك الشخص الذي حاور الرئيس الفرنسي وقال له بالحرف الواحد: "نحن وأنتم شعب واحد سيادة الرئيس، نحن نريد السلام والصداقة معكم" أليس من الشعب؟! بل هم من الشعب وهم أمثلة صغيرة فقط، صدّقوني أن غير هذه المشاهد كثير وأمرّ من هذه حتى.

ثم إن بعد كل هذا يخرج عليك البعض بتساؤل عجيب وكأنهم مصدومون من تغيّر آراء ماكرون وإخلافه بوعود ماكرون المرشح وهي "الاعتراف بجرائم فرنسا الاستعمارية في الجزائر وتقديم التعويضات على ذلك"، هل تتوقعون منه ذلك حقاً؟!

لن يحدث ذلك ما دام الرجل يحل بصفته رئيساً لدولة ذات سيادة ضيفاً على دولة ذات سيادة، فإذا به يجد نفسه موضع ترحيب حار من شعب وكأنه رعية فرنسية… لا لن يحدث وأكثر من ذلك سيطمح الرجل إلى المزيد، وقد حصل فعلاً، لقد طلب الفرنسي من السلطات الجزائرية إتاحة الفرصة "للأقدام السوداء" و"الحركي" و"الخونة" من أجل العودة إلى الجزائر… لا تستغربوا لا تستغربوا، من حق الرجل ذلك، هو فقط وجد الفرصة متاحة والطريق مفتوح ومعبّد لذلك، ماذا تتوقعون؟ ألا يستغل الفرصة؟

كنت سأكتب مقالاً أتحدث فيه عن أسباب ودوافع الشعب لعدم استقبال الرئيس الفرنسي والترحيب به، فوجدت المشاهد المخزية لذلك الشعب تعبيراً بنفسها، ولكن للأسف… تعبّر عن العكس.

(كلمة الشعب ليست تعبيراً مطلقاً بالمرة، فأحفاد الشهداء والأحرار والغيورين على حرمة الوطن موجودون وبقوة، حتى لو اقتصر نشاطهم على العالم الافتراضي).

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد