(حماس 30) دخلت في أتون قضية الصراع المركزية في العالم من أوسع الأبواب، عبر المواجهة السريعة والمباشرة مع الاحتلال قبل 30 سنة، من خلال مساهماتها المباشرة في انطلاق انتفاضة الحجارة في عام 1987م، و(حماس 30) انبثقت من رحم الإخوان المسلمين الفلسطينيين، الذين لهم تاريخ لا تخطئه العين في فلسطين وقضيتها عبر مراحل متعددة، واستعادت بزخم متزايد روح القسام، واستطاعت الحفاظ على الإرث الثقيل وقدمت مستويات تضحية متزايدة برؤية واضحة.
(حماس 30) قبلت التحدي بفوزها في انتخابات 2006م، وأدارت الشأن السياسي والمجتمعي والخدمي لعقد كامل، واستمرت في عطائها الوثاب وإخلاصها المتفاني، وواجهت أربع حملات عسكرية شرسة، وكانت أول مَن قصف "عاصمة الكيان"، وأنجزت ملحمة وفاء الأحرار، وزلزلت جيش العدو برعب مدينة الأنفاق ومديات الصواريخ المتزايدة وحالة الصمود والثبات الملحمي، وشكلت من غزة "قلعة صمود" راسخة.
وغزة اليوم وطرقها المعبدة باطراد رغم الحصار والتزايد في المدارس والمستشفيات والعيادات والملاعب والأعداد من المستفيدين اجتماعياً وبرامج التشغيل وحالة الاحتضان والالتصاق المجتمعي بمشروع المقاومة يؤكد نجاحاً نسبياً لاستراتيجية (حماس 30) في غزة "يد تبني ويد تقاوم"، وكان سيتعاظم هذا النجاح ضمن مشروع شراكة وطني.
حالة الحصار الشرس والاستعداء اللاأخلاقي والشيطنة الإعلامية وتأثيرات ذلك على الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني أرهقت الشعب الفلسطيني وضاعفت الثمن الباهظ لإرادة التحرر والكرامة، وكان هذا جزءاً من مشروع الاحتلال في "كي الوعي" بعد هزيمته في معركة "تغييب الوعي".
ورغم ذلك واصلت (حماس 30) المشوار إلى منتهاه وقبلت التحدي الذي يشكل رافعة لمشروعها الحضاري، ودفعت الثمن باهظاً من رجالها ومالها في إطار قيادتها لرأس حربة مشروع يمثل مركزية الصراع في العالم.
ومشروعها التحرري أصبح في قلب المعركة وفي مواجهة صريحة أمام المشروع الصهيوني الاستيطاني، ولذلك تأثير (حماس 30) يتجاوز المدى الجغرافي لفلسطين لتشمل خارطة العالم.
ترى (حماس 30) ضرورة مواصلة مشوار معركة التحرر التي لم تنتهِ بعد، خاصة بعد إعلان ترامب الفج "القدس عاصمة (إسرائيل)"، قاتلاً بذلك أوسلو ومشروع حل الدولتين، ولذا فإن القضية الوطنية ما زالت في إحدى محطاتها وما زالت تتصاعد، ولا مبرّر للتكهّن بأنها سوف تتوقّف قبل إنجاز الهدف الأعلى لأيّ حرب تحرير: الاستقلال الوطني، ودم الشهداء الفلسطينيين اليوميّ والجماهير المحتشدة في شتى العواصم وحده الدليل على انفتاح المعادلات حتى الحدود القصوى، و(حماس 30) بذلك تنجح روايتها السياسية للصراع، وتسقط رواية التسوية السياسية.
وسياساً تطورت (حماس 30) عبر وثيقتها، وذلك انسجاماً مع رؤيتها كحركة تحرر وطني خاضت ملاحم تحرير، ورغم ذلك تستمر الضغوط لتنازلات سياسية إضافية وعبر الوثيقة وسلوك الميدان اقتربت (حماس 30) كثيراً من الفصائل الفلسطينية، والملاحظ أنها غدت تشكل ائتلافاً وطنياً غير معلن، ولم تستثنِ من ذلك حتى خصمها اللدود "تيار دحلان"، ولكنها تحتاج إلى تطوير أكبر لهذا التجمع، على أساس من ميثاق شرف وطني موحّد في المرحلة الأولى يشكل أساساً لبرنامج وطني مشترك يعتبر خارطة طريق تحرير.
وعزز حضور (حماس 30) السياسي استجابتها لمشروع المصالحة بحل اللجنة الإدارية وتمكين حكومة التوافق والشروع في حوارات القاهرة على أساس من اتفاق 2011، وصولاً إلى برنامج وطني على أساس وثيقة الوفاق الوطني (وثيقة الأسرى).
وتواجه (حماس 30) تحدياً في قدرتها المستمرة والناضجة على تحقيق حالة ائتلاف وطنية تهتكت منذ أوسلو، وذلك برعاية واضحة لمشروع وطني يحقق حالة إجماع غدت مفتقدة في الساحة الفلسطينية، ولعل الروح التي تملكها (حماس 30) اليوم تسهم في ذلك، ولكن هذا يحتاج إلى أدوات فعل على الأرض تكرس الشراكة منهجاً والوحدة خياراً.
ولا يكون ذلك إلا عبر التوجه فوراً إلى بناء منظمة التحرير الفلسطينية ككيان فلسطيني صلب ومرجعية عليا، وبضم القوى الوطنية بما يتناسب مع ثقلها الجماهيري، وبآلية وخطط عمل، مع تحديد نسبة حسم بما يتناسب مع الثِّقَل السياسي والجماهيري في الشارع، وإعادة صياغة برنامج سياسي وطني جامع تتفق عليه كافة القوى السياسية، ومن الطبيعي في هذه الحالة إعادة ملف المفاوضات (إن تم اعتمادها خياراً) إلى حقيبة منظمة التحرير الإطار الجامع، ويمكن ذهاب منظمة التحرير إلى هدنة طويلة الأجل (يتفق عليها الجميع) ويصبح على (حماس 30) كغيرها الالتزام بالهدنة والانضباط في الرد حال حدوث خرق صهيوني والمحافظة على التوازن بين العمل السياسي والمقاومة، ويتحقق بذلك شراكة القرار في الحرب والسلم والمفاوضات.
شكل البناء التنظيمي عند (حماس 30) أحد أسس القوة الرئيسية التي اعتمدت عليها في مواجهة السنوات العجاف، ويعتبر هذا البناء النواة الصلبة المستندة إلى الإرث الإخواني في العمل وفق "منظومة الأُسر"، وعزز ذلك التحصين التربوي والتزايد العددي، و(حماس 30) استندت إلى رصيدها التنظيمي والتربوي في إنجاز كثير من البرامج، وكذلك في الصمود في ساعة العسرة.
وفي ذات السياق قدمت (حماس 30) إرثاً خاصاً من النخبة وجيلاً قيادياً عز نظيره في القوى الأخرى، والمتابع لتطور (حماس 30) القيادي يجد صورة ناصعة؛ إذ قدمت مواكب الشهداء والأحرار في إطار مشروع المقاومة بشكل ناصع ولم يعجزها الاستنزاف القيادي عبر الاستهداف الدائم، ولعل الانتخابات الأخيرة الداخلية لـ(حماس 30) كرست الديمقراطية الحمساوية، وكذلك التداول القيادي بشكل راقٍ وأفرزت جيلاً جديداً من القيادة الواعدة.
ولكن (حماس 30) ينقصها التحول من مرحلة النخبوية الذاتية في قيادتها الحركية إلى الفضاء الأوسع في القيادة الوطنية والشعبية، ولعل إحدى نقاط الضعف التي تحتاج إلى استدراك هي حضور حماس القيادي والمجتمعي والشعبي التي تحتاج منها إلى استدراك، وذلك ليس منفصلاً عن التعبئة الداخلية ومناهجها التربوية وقدرتها على صياغة عقلية أكثر انفتاحاً وقبولاً للآخر في إطار برامج عمل بوصلتها "فلسطين الإنسان والأرض".
وليس بعيداً أطلقت (حماس 30) مؤخراً مشروع الحاضنة الشعبية وإعادة الاعتبار لها، وذلك في ظل التهتك الذي أصاب العلاقة مع قطاعات هامة من الجماهير الفلسطينية عبر وجود (حماس 30) في الحكم وثغرات في إدارتها ارتبطت بالعوامل الخارجية وضغط الإفشال وعوامل ذاتية مرتبطة بضعف التوظيف الأمثل للموارد البشرية والمادية وضعف تحقيق معايير الحكم الرشيد، خاصة في ظل التداخل بين الحكومة والحركة وبعض السلوكيات الفردية السلبية وضعف التحقق من الجاهزية الكاملة في إطار مشروعات كبرى كالحكم.
وتحسن (حماس 30) إذ تحاول إعادة الاعتبار للحاضنة الشعبية ومستوى الالتفاف الجماهيري حول مشروع (حماس 30) التحرري.
وتحقيق ذلك يأتي من خلال الاستنفار بالطاقة القصوى والعمل بشراكة كاملة مع قطاعات المجتمع الفلسطيني، وتحفيز الجهود الذاتية وفتح أفق رغم الحصار، وابتكار وسائل تواصل مجتمعية لا تقوم على أساس فصائلي وإنما في إطار نشر الأشرعة وكسب القلوب وتحقيق العدالة بمستوى شفافية منقطع النظير، مع حضور إعلامي لحظي يشرح ويوضح ويفسر ما غمُض من مواقف تسيء كثيراً لشعبية حماس.
علاوة على ذلك أن ترى (حماس 30) أن الأولوية القصوى تعزيز الجبهة الداخلية عبر إصلاح ما نجم عن الانقسام بتطبيق المصالحة المجتمعية والإعداد للانتخابات ومحاربة الفساد وإعادة بناء الهياكل، وإعداد الخطط التطويرية ومواجهة القضايا اليومية والمشاكل الحياتية التي يواجهها المواطن الفلسطيني كالبطالة والمشكلات الصحية والسكنية والتعليمية والتقاعد والكهرباء.
(حماس 30) وصلت إلى مستوى مهاب من القوة العسكرية، وربما على مدار التاريخ الفلسطيني تمثل (حماس 30) أيقونة يحتذى بها؛ حيث حالة الصراع مع الاحتلال الاستئصالي والأكثر يمينية، وسجلت (حماس 30) بحقه هزائم متتالية أمام القسام وقوى المقاومة، والآن وفق العقلية اليهودية يُبنى جدار غير مسبوق حول غزة تحت الأرض وفوقها، وهذا يشكل تحدياً آخر ولكنه يعبر عن الفشل الذريع في المواجهة الميدانية المتعاظمة، والجرأة القتالية التي سحقت أسطورة الجيش الذي لا يُقهر، والذي رسخ معادلة علاقة عسكرية وأمنية فيها "توازن ردع"، وتحتاج (حماس 30) التوازن في أدائها العسكري بين غزة التي غدت قلعة عسكرية حصينة عبر مدينة أنفاق وتصنيع، وبين الضفة التي عادت إلى مرحلة الحجر، وكذلك امتداد حدود فلسطين التاريخية وذلك لم يحقق لحماس القدرة على تحقيق الكثير من أهداف مشروعها للتحرير.
توازن الردع دفع الاحتلال إلى استراتيجيات أمنية جديدة في العلاقة مع (حماس 30)، وشكلت حالة تحدّ جديد، وتمثل ذلك على وجه الخصوص باستراتيجية الاغتيال الهادئ التي تمثلت في اغتيال الشهيد الفقهاء، ومحاولة اغتيال أبو نعيم، والواضح أن (حماس 30) حققت نقاطاً أمنية لا يستهان بها في إفشال هذه الاستراتيجية عبر حملات مواجهة العملاء وفضح عمليات الاحتلال، خاصة بكشف خيوط اغتيال الفقهاء، ولكن هذا يحقق استراتيجية دفاعية، والتحدي أمام (حماس 30) في تحقيق إنجاز هجومي في هذا المسار الصعب والشائك.
(حماس 30) احتشدت في انطلاقتها بعدد غير مسبوق في تاريخها، وتحتفي بحضورها الفلسطيني وعمقها العربي والإسلامي، واعتمادها عنواناً للشجاعة والثبات لتوجه رسالة إلى صفها التنظيمي المتماسك لتجديد العهد والبيعة على مواصلة الطريق، ورسالة خاصة إلى الضفة الغربية التي تعاني حالة انحسار في مشروع المقاومة رغم المحاولات الفردية المتزايدة للنهوض، ورسالة للاحتلال أن الصراع مستمر، وأن فلسطين لم تسقط نهائياً، وأن جولات قادمة، وأن وعدَي بلفور وترامب سينتهيان على أعتاب أجيال تأبى النسيان وشعب يرفض الهزيمة، وللشعوب رسالة صمود والتفاف حول (حماس 30) باعتبارها راية خفاقة وتمتلك رؤية واضحة وبوصلتها وفق الوجهة الصحيحة (القدس).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.