حين أدركت دبي منذ عقود أنها لن تتمكَّن من الاعتماد على احتياطي طاقة لا ينتهي، سبقت كل جيرانها الذين بدأوا يدركون مميزات التنوَّع الاقتصادي، والتنمية التي تعتمد على القطاع الخاص. أما الكويت، إحدى هؤلاء الجيران، فهي تهدف اليوم لـ"الكويت الجديدة 2035″، وهي خطة التنمية الوطنية في الكويت للعقود القادمة، إلى تخفيف سيطرة القطاع العام على الاقتصاد، وتقليل حجم دولة الرفاه، وتحسين إنتاجية سوق العمل، لتخلق بذلك اقتصاداً أكثر استدامةً.
وتسبَّب ركود أسعار السلع على المستوى الدولي في كوارث داخلية، هزَّت ثقة الأنظمة الاقتصادية التي تعتمد على الموارد الطبيعية في كل مكانٍ بالعالم، بما في ذلك دول الخليج التي تطفو على النفط. فقد ولَّت الأيام التي كان يمكن فيها لدول الرفاه الغنية بالنفط بما فيها الكويت، أن تقدِّم وعوداً شفهية بتحقيق الإصلاحات الاقتصادية وهي تعتمد فقط على الدخل القادم من النفط.
وتأمل الحكومة في أن تتمكَّن بتلك الإصلاحات من تحويل الكويت إلى مركزٍ مالي وتجاري في المنطقة. وبالتأكيد، لتفعل ذلك سيتوجب عليها أن تتفوَّق على دبي العملاقة، وهو ليس بالأمر الهيِّن، وفق ما ذكرت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
أين وصلت الكويت في مراحل خطتها؟
ووفقاً للخطة الزمنية التي أعلنتها الحكومة لتحقيق كل ذلك، تقف الكويت الآن في المرحلة الثانية من أصل خمس مراحل، ألا وهي بناء البنية التحتية.
وجاءت تلك المرحلة بعد المرحلة التي استمرت بين عامي 2010 و2015، والتي ركزت على سَنِّ التشريعات المناسبة، وتخفيف القيود على التملك الأجنبي للشركات لتصل نسبة التملك المتاحة إلى 100%.
وقد حددت الكويت وسائل تحقيق ذلك الاقتصاد الجديد في التالي: تطوير الشركات الصغيرة والمتوسطة، وجذب الاستثمار الأجنبي، وتحقيق شراكات بين القطاعين العام والخاص، وخصخصة 38 جهة حكومية. وتتولَّى "هيئة تشجيع الاستثمار المباشر في دولة الكويت"، التي أُسِّسَت عام 2013، تشجيع الاستثمارات الأجنبية المباشرة.
وتقول الهيئة إنها تمكَّنَت من جذب استثمارات أجنبية بقيمة 2 مليار دولار. لكنَّ نسبة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في المشروعات الجديدة ما زالت منخفضة حتى الآن.
سوق الاستثمارات الأجنبية
ومنذ عام 2003، رصدت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية 185 استثماراً في مشروعات جديدة بسوق الاستثمارات الأجنبية المباشرة، تُقدَّر قيمتها بـ11,6 مليار دولار. بينما استقبلت دبي 199 استثماراً في عام 2017 وحده. وكان أعلى رقم للمشروعات التي رُصِدَت بالكويت في عامٍ واحد هو 20 مشروعاً عام 2012.
ومع ذلك، ما زال ملف الاستثمارات الأجنبية المباشرة في الكويت أكثر تنوُّعاً مما قد يظن البعض. فقطاع الوقود الحفري هو العاشر في قائمة القطاعات التي تجذب الاستثمارات في المشروعات الجديدة بالكويت منذ عام 2003، والمراكز الثلاثة الأولى تشغلها قطاعات العقارات، والخدمات التجارية، والفنادق والسياحة.
وفي الأنشطة التجارية، جلب قطاع البناء أكبر عدد من الاستثمارات في المشروعات الجديدة، ويليه إعادة التدوير، والصناعة.
في خريف عام 2016، أسست شركة "جنرال إليكتريك" الأميركية مركزاً لتكنولوجيا الطاقة على مساحة 6 آلاف متر مربع في منطقة الصليبية بالكويت. وسوف يدعم هذا المركز الأبحاث والتدريبات والهندسة المحلية في الشرق الأوسط وإفريقيا، وذلك وفقاً لما قالته الشركة.
لكنَّ الكويت ما زالت أمامها خطواتٌ على درب التنوُّع الاقتصادي. فوفقاً للإحصائيات الحكومية، شكَّلَت الأنشطة غير المُتعلِّقة بالنفط 44% فقط من اقتصاد الكويت عام 2016. وسوف يتطلَّب تحقيق التوازن الاقتصادي المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة في القطاعات غير المبنية على الطاقة.