في 24 من تشرين الأول/أكتوبر 2017، صرح ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، أن بلاده تتجه نحو تبني مبادئ إسلامية مختلفة، ولكن هل كان ذاك يعني أنه يعمل على النأي بنظام حكمه عن الوهابية والقطع مع الاتفاق الذي يربط سلالة آل سعود بممثلي هذا المذهب الأصولي منذ سنة 1744، تساءلت صحيفة Le Point الفرنسية في تقريرها.
بالنسبة للباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية، نبيل مولين، فإنه لا يمكن للسعودية أن تقطع نهائياً مع الوهابية على الرغم من الإصلاحات التي تم اتخاذها. ففي الواقع، لا تزال الوهابية تعد أحد أركان النظام الديني في المملكة حسب قوله.
وأضاف: "هذا الأمر مناف للحقيقة، حيث يؤكد هذا الادعاء مدى الجهل بالتاريخ وبالتركيبة الاجتماعية للسعودية وطبيعة الإسلام السياسي فيها. ففي الواقع، يشكل فقهاء الوهابية، فضلاً عن الثروة النفطية، أهم ركائز النظام الديني الحاكم. وفي الأثناء، يعي محمد بن سلمان هذا الأمر جيداً، ولذلك، غالباً ما يتحين الفرص للتعبير عن مدى تقديره وتعلقه برجال الدين، وخاصة مفتي المملكة".
من جهة أخرى، يتقن ولي العهد، سبل التعاطي مع هذا الموضوع في خضم حديثه مع الصحفيين وممثلي الدول الأجنبية، حيث يعمد إلى اختيار عباراته بعناية. وعموماً، كان أقوى رجل في الرياض واضحاً عندما تطرق للحديث عن سنة 1979، تاريخ "الصحوة الإسلامية"، وفق ما قال مولين.
وشهدت سنة 1979، تحولات كبرى في العالم الإسلامي، لعل من أبرزها الثورة الإسلامية في إيران، والغزو السوفييتي لأفغانستان، إضافة إلى حادثة اقتحام الحرم المكي من قبل جماعة تبشيرية. وقد ترتب عن ذلك زعزعة الاستقرار في المملكة التي دخلت في مزايدة مع المحافظين.
وبحسب الباحث فإنه من جهة أخرى، لا يمكن التنبؤ بتحول العلاقات مع المؤسسة الدينية في السعودية، "ولكننا متأكدون من حقيقة أن المؤسسة الوهابية تعد نقية (أي لا تدين سوى بفكر واحد). كما لا يمكننا التشكيك في تحالفها التاريخي الذي يربطها بالنظام الملكي".
وتساءلت الصحيفة، هل وافق علماء الوهابية على الخطوات التي أقدمت عليها السعودية نحو التحرر، خصوصاً منها التي تصب في صالح المرأة؟
وتعكس السياسة المتخذة في خصوص المرأة أسلوباً نموذجياً يجمع بين عنصرين متناقضين في الظاهر، وهما كل من سياسة الانتهازية والقيود الهيكلية.
وللتوضيح أكثر، قال مولين، "تصب الإجراءات المتخذة لصالح المرأة، على غرار السماح لها بالقيادة وتولي مناصب هامة، في إطار مواصلة السياسة التي استهلها الملك عبد الله، الذي توفي سنة 2015. ويمكن أن تستقطب هذه الإجراءات دعم جزء من الشعب، وخاصة النساء في سبيل تلميع صورة النظام في أعين العالم الغربي، وهو ما يعد جوهر السياسة الانتهازية.
من جانب آخر، أضحت النساء السعوديات تدريجياً يتمتعن بمؤهلات تشجعهن على العمل. في المقابل، يرى البعض أن حثهن على اقتحام سوق العمل يمكن أن يتسبب في فوضى اقتصادية. عموماً، لا يمكن إنكار حقيقة أن الفكرة الرامية لتعويض اليد العاملة الأجنبية بموظفات سعوديات، خصوصاً في قطاع الخدمات، قد تم تداولها منذ سنوات".
أما رجال الدين الوهابيين، فقد تكيفوا مع هذه الفكرة بسرعة في سبيل الحفاظ على مصالحهم المادية والدينية، في حين يمكنهم أن يتنازلوا عما يرونه أمراً ثانوياً بحسب قول مولين.
وقد اتخذوا هذا المنهج بين سنة 1940 و1950، عندما وافقوا على حق المرأة في التعليم. فحين يصبح الإجراء أمراً لا مفر منه، يحاول الوهابيون التكيف معه بغض النظر عن حقيقة أنه لا يتماشى مع أفكارهم، أي أن الأمر أشبه بالإكراه. ولكن الوهابيين لا يقبلون مثل هذه الإجراءات دون فرض شروطهم الخاصة.
وأفضل مثال على ذلك، السماح للمرأة بالقيادة، حيث قبلوا به مع تسجيلهم لملاحظة في ذيل نص المرسوم الذي أقر بحرية للمرأة في قيادة السيارة، حيث يشترط أولاً حصولها على موافقة رسمية من والدها أو كفيلها الشرعي، مع احترامها للباس المحافظ الذي تنص عليه الوهابية داخل الفضاءات العامة.
وتطرح الصحيفة الفرنسية سؤالاً هنا، هل للوهابية التي نعرفها اليوم علاقة مع تلك التي أسسها محمد بن عبد الوهاب في القرن الثامن عشر؟
ويقول الباحث في المركز الوطني الفرنسي للبحوث العلمية: لقد أراد محمد بن عبد الوهاب القيام بإصلاحات في صلب المنهج الإسلامي ترتكز على العودة إلى أصوله النقية. ولكن ذلك يعد بمثابة نوع من "الدين المضاد" الذي يعكس مفهوم العقيدة الصارمة المفروضة على التوجه الديني والسياسي. في المقابل، بعد الحفاظ على التقاليد الوهابية مع إرساء نظام سياسي، التزم محمد بن عبد الوهاب وأتباعه تدريجياً بتطبيق ما أعتبره "عملية روتينية"، لم تكتمل بعد نظراً لاعتدالهم في بعض الجوانب المنظمة لعقيدتهم.
ويضيف، "خاصة منذ سنة 1932، عندما أضحت الوهابية المذهب الأكثر تشدداً في الدين الإسلامي. وعندما أحس الفقهاء بأن نفوذهم مهدد، بدأوا في المقاومة، لكن لم يكن ذلك كافياً مما اضطرهم إلى التكيف مع الإجراءات التي تعارض قناعاتهم.
علاوة على ذلك، أضحوا مستعدين لمراجعة مواقفهم في خصوص عدة قضايا هامة على غرار، الجهاد، والعلاقات مع الآخر مسلماً كان أو على دين آخر والتعليم ووضعية المرأة والترفيه والتكنولوجيا. وفي الوقت الحاضر، تخفي محاولات علماء الوهابية لإرضاء العالم الغربي من خلال تقديم تنازلات تصب في صالح المرأة، أسلوباً يحيل إلى أنهم يسيرون مع التيار، ولكن بما يتفق دائماً مع مصالحهم الخاصة".