عندما رأيت وزيرنا الأول من خلال مشاركته البائسة في القمة الإفريقية – الأوروبية في أبيدجان، وهو يأخذ مكانه في الطابور الأخير؛ ليلتقط صورة تذكارية مطأطئ الرأس حزيناً، يكاد يتوارى من الجمع خجلاً من نفسه على ما آلت إليه دبلوماسيتنا من الذل والهوان، ثم وجهت مقلتي صوب الملك محمد السادس الذي استطاع أن يتصدر جميع الرؤساء واقفاً أمام الرئيس الفرنسي، فرحاً مبتهجاً ولسان حاله يقول للجزائريين: ماذا فعل بكم صناع القرار عندكم؟
ويا ليت هذا المشهد انتهى عند هذا الحد وكفى، فقد نزل "سي أويحيى" إلى الملك ليصافحه، أمام "ماكرون" الذي ضحك عليه بسخرية وتعالٍ.
عندما رأيت كل هذا القرف، تذكرت مشهداً للرئيس الراحل هواري بومدين وهو يمشي متبختراً داخل مقر الأمم المتحدة، بكل ثقة ووقار، وكل رؤساء العالم الحاضرين يصفقون له (بالمناسبة، كان أول رئيس عربي يتكلم بلغة القرآن)، وكأني به إمبراطور أو سلطان زمانه.
قلت في نفسي حينها: ما أحوجنا إلى رئيس يمثلنا في المحافل الدولية، ويدافع عن شعبه، بل ويدافع عن كل الشعوب المستضعفة كما كان يفعل "الموسطاش" في سبعينيات القرن الماضي، عندما كان الجزائري يفتخر بجنسيته الجزائرية ويتباهى بها أمام كل الأجناس.
لما نجح "الفيس" في أول وآخر انتخابات نزيهة، تعالت الأصوات بـ"إنقاذ الجمهورية"، مطالبة الجيش بالتدخل، وقال آنذاك المرحوم "عميرات" مقولته الشهيرة: "الجزائر قبل كل شيء"، فتدخل الجيش وأوقف المسار الانتخابي، وحصل الذي حصل، وسُئل بعدها المرشح لرئاسة 1999 عبد العزيز بوتفليقة عن تداعيات توقيف المسار الانتخابي، وكان جوابه أنه لو كان ضحية ذلك الانقلاب لصعد إلى الجبل.
و ها نحن في وضع لا نُحسَد عليه، بلاد تسير منذ أكثر من 5 سنوات من دون رئيس، تبدد مئات مليارات الدولارات، تزور الانتخابات، يهان الشريف ويرفع فيها الوضيع، شعبها يقتات من المزابل وشبابها يختار "الحرقة"، نخبتها ومثقفوها يعاملون بأبشع المعاملات و"السراق والحرامية" يدللون، يهان وزراؤها في المطارات الأجنبية، وتخفق دبلوماسيتها في تمثيل الجزائر في المحافل الدولية.
يحدث كل هذا ولم يأتِ "عميرات" آخر ليعيد تلك المقولة: "الجزائر قبل كل شيء"، ولم يتحرك الجيش، بل بقي محايداً ومشاهداً لكل هذه المهازل، بحجة واهية مفادها أنه لا يتدخل في السياسة، ولسنا ندري هنا ماذا يقصد بمفهوم السياسة؟ هل هي فن التسيير أم هي فن الممكن؟
ألا يعلم هؤلاء المسؤولون (في الجيش) أن الرئيس قد اختزل كل السلطات في شخصه من خلال تخييطه لدستور على المقاس، وعندما مرض (شفاه الله) تجمدت كل المؤسسات وأصبحنا مثل" الغنم بلا راعٍ"؟
نحن لا نناشد الجيش أن يحل محل الرئيس، نحن فقط نطالبه بأن يسهر على انتخابات رئاسية مسبقة وشفافة، ثم يعود إلى ثكناته وهي مكانه الأصلي؛ ليحمي حدودنا من المتربصين بنا وما أكثرهم!
قولوا لي بربكم: إن لم يتدخل الجيش في هذا الظرف بالذات، متى سيتدخل إذن؟ بعد خراب مالطا!
ألم يحِن الوقت ليتحرك وينقذ ما يمكن إنقاذه قبل فوات الأوان؟.. ربّ يجيب الخير.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.