بعد فشل المحاولات المطوّلة في السعي للحصول على وظيفة في بلد اللاشيء، أصبحت أيامي تشبه بعضها إلى حد التطابق، ولدرجة أنني لم أعُد أدري ماذا يوافق اليوم من أيام الأسبوع؟ فما أفعله اليوم هو ما أفعله كل صباح؛ الجلوس على الأريكة، مشاهدة التلفزيون، تصفّح النت، الأكل، الذهاب للمقهى، والخلود للنوم مرة أخرى.
حتى الأحلام لا تراودني أثناء نومي؛ لأنها تعلم أنني لا أمتلكها في الواقع، الخروج من المنزل أصبح كالذي يمشي عارياً أمام المارة أشعر أن نظراتهم الحادة التي تحدّق بي ستقتلني لو استمررت في السير، السير! نحو ماذا؟ نحو مجهول، أثناء شرودي وقع نظري على لافتة تعتليها بعض الكلمات "أنت في بلد اللاشيء".
في بلد اللاشيء هنا يوجد الكثير من أبناء جنسي، دعنا نطلق عليهم اللاشيئيين، في أول البلدة يوجد أحد المقاهي الشعبية التي يوجد عليه عدد لا بأس به من اللاشيئيين الذين يجلسون لفعل أي شيء للوصول إلى اللاشيء وإضاعة الوقت.
دعني أخبرك عن بعض الأسرار والقوانين هنا، في بلد اللاشيء لا يجب عليك أن تستيقظ كل صباح مفعماً بأمل أو حلم تريد تحقيقه، يكفي أن تجد ما تأكله؛ لتكون صاحب طموح.
هنا لا يسمح لك بقراءة ما تشاء فقط بعض الكتب من مكتبة اللاشيء العامة غير المنتشرة في كل الأماكن، يمكنك كذلك التمتع بميزة أخرى وهي مشاهدة التلفاز والتنقل بين عدة قنوات ومتابعة العديد من البرامج التي لا تكفّ عن تمجيد عمدة بلد اللاشيء، وإبراز دوره في دحر الأعداء وإزالة البلاء.
في بلد اللاشيء إذا أردت أن تصل إلى منصب كل ما عليك فعله هو تقديم CV يحمل لا شيء، وتكرر ذلك أثناء المقابلة وتُؤكد أنك لا تملك أي شيء لتقديمه في المؤسسة المتقدم لها، هذه النقطة مهمة، قبلها تكون قد تواصلت مع أحد أقربائك العاملين الذي يطمئنك أن لا تحمل همّ شيء، فكل شيء مُعدّ مسبقاً.
في بلد اللاشيء وطبقاً لقانون اللاشيء يعاقب بالحبس كل مَن تكلم في شيء أو اعترض على شيء أو تذمّر من شيء، يكفيك أن لا تفعل شيئاً لتبقى حراً طليقاً؛ لذلك أنصحك بالسكوت والرضا والسير بجوار الحائط.
في بلد اللاشيء يجب أن تتعامل مع مرضك على أنه ابتلاء تؤجر عليه، وقدر لا مفر منه، لا يتوجب عليك الذهاب للمشفى وطلب العلاج؛ لأن ذلك يعتبر هرباً من القدر واعتراضاً على البلاء، كما أفتى مفتي بلد اللاشيء، أما إذا تمسكت بحقك في الذهاب للمشفى فلن تجد شيئاً يُذكَر، بداية من سرير آدمي يؤويك، مروراً بطبيب كفء يعالجك، وصولاً لدواء يستطيع أصحاب الدخل المتوسط شراءه.
في بلد اللاشيء لا يمكن معرفة حقيقة أو دليل قاطع على شيء، فكل شيء يمكن تأويله وتحويله، هنا يمكنك أن تكذب، تسرق، أن تتقاضى الرشوة، أن تفعل أي شيء يمكنك فعله، لكن ذلك لن يُعيقك عن تأدية صلواتك الخمس في المسجد، مردداً خلف الإمام دعاءه على الفاسدين.
في بلد اللاشيء لن يدعك أحد وشأنك، فلكل فرد الحق في التنظير في شكلك وشخصك وطريقة حياتك والبت فيما ستكون من أهل الجنة أم النار.
"ما هو اللاشيء هذا؟ ربُمَّا هو وعكةٌ رُوحيَّةٌ، أو طاقةٌ مكبوتةٌ، أو ربما هو ساخرٌ متمرِّسٌ في وصف حالتنا!" محمود درويش.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.