20 أميركياً يحظون بضيافة فريدة في مصر، هذه الضيافة القسرية ستكون مستمرة على الأرجح في الوقت الذي سيجتمع نائب الرئيس الأميركي مايك بنس يوم الأربعاء 20 ديسمبر/كانون الأول 2017 مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.
ويتوقع أن يستغل بنس القاهرة كبرى المدن العربية كمنصة موجهة للعالم الإسلامي للدفاع عن السياسة الأميركية الجديدة المتمثلة في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مع التأكيد على التزام واشنطن تجاه حكومة السيسي.
لكن هناك قضية أخرى تلقي بظلالها على اللقاء، فهناك ما يقرب من 20 مواطناً أميركياً لا يزالون يتلقون نوعاً مختلفاً من الضيافة المصرية، حسب وصف تقرير للنسخة الأميركية من هاف بوست.
يقبع هؤلاء الأميركيون في السجون المصرية ، وأحدهم هو الأب البالغ من العمر 52 عاماً، الذي يتناول دواء السكري على فترات عشوائية، خلال الزيارة، وذلك فقط عندما يقرر حراس السجن السماح لأقاربه، بما في ذلك زوجته وابنتيه بتسليمه إليه.
وقد أمضى هذا الرجل أكثر من 4 سنوات محتجزاً دون صدور حكم رسمي.
وهناك رجل آخر يبلغ من العمر 27 عاماً يأس من استكمال الدرجة العلمية التي كان يدرس ليحصل عليها بعد أن اعتقله ضباط الأمن المصريون بينما كان يتواجد في محيط إحدى المظاهرات الاحتجاج. كان قد ذهب إلى المنطقة لمساعدة جده على استقلال الحافلة.
أما الرجلان وهما مصطفى قاسم وأحمد عطيوي وغيرهما ممن لم يتم تحديدهم علناً بعد، فهما محاصران فيما تسميه الجماعات الحقوقية أسوأ موجة من القمع في التاريخ المصري الحديث. زيارة فرصة حيوية من وجهة نظر المدافعين عنهم وعن المحتجزين الآخرين الذين لهم علاقات مع الولايات المتحدة، مثل اثنين من حاملي بطاقات "غرين كارد" والذين يعيش العديد من أفراد أسرتهم في أميركا.
هل يثير بنس القضية؟
يقول التقرير إنها الفرصة الأخيرة لهذا العام 2017 بالنسبة لإدارة الرئيس الأميركي- التي سبق أن أعلنت عن دورها في إطلاق سراح مواطن أميركي محتجز في مصر في وقت سابق من هذا العام – لإحداث تغيير حقيقي في القضية.
وقال برافين مادهيراجو، محامي قاسم وعطيوي في منظمة بريترال ريتس إنترناشونال غير الربحية، إن مطالبة السيسي بإطلاق سراح الأميركيين المسجونين "لا تحتاج إلى السيطرة على الاجتماعات ولا التشتيت عن القضايا الهامة الأخرى، ولكنها يمكن أن تحقق نتائج كبيرة".
وأرسل مادهيراجو مذكرة إلى مكتب بينس يوم الاثنين الماضي 11 ديسمبر/كانون الأول 2017، وقال دعاة آخرون لهاف بوست أنهم أثاروا تلك القضايا في اجتماعات مع وزارة الخارجية والمشرعين ذوي النفوذ.
وفى يوم الجمعة، قال مساعد بنس لهاف بوست إن نائب الرئيس اطلع على هذه القضية فى إطار الاستعدادات لرحلته.
ويشير تقرير هاف بوست إلى أن الجهود المبذولة لتسليط الضوء على قضايا قاسم وعطيوي والمعتقلين الآخرين تأتي بعد أشهر من الصمت بشأن هذه المسألة من إدارة ترامب.
وقد راسل ماديراجو ومحام آخر فى قضية قاسم، فريد كرومبى فى شركة كوبلنتز باتش دافى وباس مجلس الأمن القومى فى البيت الأبيض 7 مرات ولم يتلقيا ردوداً، وفقا لما ذكرته رسائل البريد الالكترونى التي اطلعت عليها هاف بوست. وقال محمد سلطان، وهو من سكان فيرجينيا ومعتقل مصري سابق، إنه اتصل بمجلس الأمن القومي 4 مرات دون جدوى.
ولم يستطع أفراد أسرته تحقيق أي تقدم أيضًا. وتضمنت إحدى رسائل ماديراجو الإلكترونية إلى مجلس الأمن القومي، التي أرسلت في أيلول / سبتمبر 2017، نداء من والدة عطيوي.
فقد كتبت عن توسلاتها إلى مسؤولي البيت الأبيض قائلة إنها "لم تتلق أي رد منهم، وتخشى أن يكونوا على استعداد لترك أحمد في السجن لمدة سنة أخرى أو أكثر. أريد أن أعرف أن الرئيس ترامب يحاول التدخل للإفراج المبكر عن أحمد أو العفو فورا. لقد صبرت كثيراً وأحمد أيضاً".
ولم يرد متحدث باسم مجلس الأمن القومي على استفسار هاف بوست بشأن الرسائل.
كما لم يعلق البيت الأبيض علناً على رسالة أرسلها السيناتور جون ماكين، رئيس لجنة الخدمات المسلحة في مجلس الشيوخ، في أغسطس/آب 2017 بشأن قضية هذا المحتجز.
ولم تبدأ وزارة الخارجية الأميركية في الاعتراف علناً بهذه القضايا إلا مؤخراً، وحتى بعد اعترافها، تحدثت فقط بعبارات عامة – على الرغم من أنها ذكرت عطيوي بالاسم وعلقت على تفاصيل محاكمته في بيان لهاف بوست في سبتمبر/ أيلول 2017.
ولم يحضر الدبلوماسيون الأميركيون في القاهرة جلسات المحاكمة الجماعية التي نظر فيها ملف عطيوي، على عكس المسؤولين من أيرلندا الذين تابعوا قضية مواطنهم المتهم في القضية نفسها.
ولم يعلق مساعد بنس على ما إذا كان نائب الرئيس يعتزم ذكر قضية الأميركيين المسجونين خلال اجتماعه مع السيسي. وقال أحد مساعديه في رسالة بالبريد الالكتروني الجمعة: "إن نائب الرئيس يراقب الوضع وقد اطلعه فريق الامن القومي عن هذه المسألة".
ويعلق التقرير قائلا : لقد تقارب ترامب مع القادة المستبدين ووصف الانتقادات الأميركية لسجلات حقوق الإنسان للبلدان الأخرى بأنها نفاق.
ويقول مسؤولو إدارة ترامب إن الحديث وراء الكواليس – الذي يخلط أحيانا مع نوع الثناء الذي غمر به ترامب ديكتاتور مصر – هو أفضل نهج لمعالجة مسألة المحتجزين.
وقد أصدرت الإدارة الأميركية بعض الانتقادات العامة، مستشهدة بالمخاوف الحقوقية كعامل في قرارها في أغسطس/ آب 2017 بحجب جزء من حزمة المساعدات العسكرية السنوية الضخمة التي تتلقاها مصر من الولايات المتحدة.
كما أشار مساعدو ترامب إلى أنه تحدث إلى السيسي عن آية حجازي، الأميركية العاملة في مجال المساعدات، التي أطلق سراحها في أبريل/ نيسان 2017.
وقال متحدث باسم مجلس الأمن القومي لهاف بوست في رسالة بالبريد الالكتروني يوم الجمعة "إننا نتابع عن كثب قضايا جميع مواطني الولايات المتحدة المحتجزين في مصر".
واضاف "ان مساعدة الأميركيين فى الخارج لها أهمية قصوى. ويقوم موظفون من سفارة الولايات المتحدة في القاهرة بزيارة المواطنين الأميركيين المحتجزين بانتظام. نحن على اتصال وثيق مع حكومة مصر بشأن جميع الحالات وسنبقى كذلك".
ولكن هذا قد لا يكون كافياً لحمل قائد الانقلاب المصري على تغيير الوضع، حسب النسخة الأميركية لهاف بوست.
تجربة آية حجازي
ولفت التقرير إلى أن حملة الحكومة الأميركية لإطلاق سراح آية حجازي بدأت قبل فترة طويلة من فوز ترامب بالرئاسة.
ورغم أن ترامب هو من دفع بهذا الجهد لكي يؤتي ثماره، فإنه من غير الواضح ما إذا كانت استراتيجيته القائمة على النقد العام القليل والحث الهادئ، عادة من مسؤولين متوسطي المستوى في وزارة الخارجية الأميركية، يمكنها أن تحرر الأميركيين من متاهة نظام السجن المصري التي يقدر أنها تضم أكثر من 60 ألف شخص، وفقا لما ورد في تقرير هاف بوست.
ويقول أندرو ميلر، الذي عمل لصالح مجلس الأمن القومي بمصر خلال الفترة من عام 2014 إلى يناير/كانون الثاني 2017، ثم عمل في وزارة الخارجية حتى نوفمبر/تشرين الثاني 2017: "يجب أن يكون ذلك نهجاً حكومياً صرفاً بشتى الطرق".
وأضاف "هناك اتجاه داخل الحكومة المصرية لتخفيف المخاوف الواردة من قبل مؤسسة أميركية واحدة، فعندما يبدأون في سماع الأمر من الجميع -من البيت الأبيض، أو من وزارة الخارجية، أو حتى من وزارة الدفاع ووكالة الاستخبارات المركزية في بعض الحالات- يبدأون حينها فقط في إدراك أن هناك المزيد من القلق".
وقال إن اللقاءات المتكررة مع محاميي حجازي والتصريحات حول احتجازها، مكنت إدارة أوباما من ضمان التزام مصري بتسريع إجراءات قضيتها خلال الشهور القليلة الأخيرة.
ويعمل ميلر حالياً في منصب نائب مدير السياسات في مشروع ديمقراطية الشرق الأوسط، وقال إنه يعلم أن مجلس الأمن القومي على دراية بقضايا قاسم، وعطيوي، وغيرهم من الأميركيين، والذي قال إن الوكالة بدأت بمعرفة بعض المعلومات عنهم العام الماضي 2017.
لكنه استدرك قائلا إنه ليس متأكداً ما إذا كانت هذه المعلومات قد وصلت إلى ترامب أم لا -إذ يرجع السبب جزئياً في ذلك إلى أن قصص هؤلاء المواطنين لم تنتشر على نطاق واسع-. وهو ما يؤثر على استجابة جميع أركان الإدارة الأميركية، بدايةً من البيت الأبيض، وصولاً إلى سفارة واشنطن في القاهرة، والذي قال إنها لم تتبادل المعلومات عن قضايا قاسم وعطيوي وآخرين مع مجلس الأمن القومي حتى طُلب ذلك.
ويرى ميلر: "أنه لكي تُجبر الحكومة الأميركية بكل أركانها على فعل شيء ما، يجب أن يكون هناك صخب شعبي".
ويضيف "تُعطي إدارة ترامب أولوية للتدخل الخاص في مساعيها لحل هذه القضايا، ولكن وفقاً لخبرتي في هذا المجال، يجب أن تتوافر دبلوماسية عامة، وأخرى خاصة. إذ تُعد التصريحات العامة التي تعبر الحكومة الأميركية فيها عن قلقها، شرط ضروري مسبق. فهي بمثابة إشارة إلى مدى مدى اهتمامنا بحالة هؤلاء الأشخاص. كما أنها تساعد في خلق شعور داخل مصر أن هناك مشكلة حقيقة بالفعل، وأن هناك احتمال لتأثر العلاقات بين البلدين".
من جانبه سلطان، السجين السابق في السجون المصرية، إنه من الواضح من خلال لقاءاته الأخيرة في واشنطن، أنه ليس هناك اهتمام كبير بقضايا المحتجزين في أعلى مستويات الإدارة الأميركية.
وصرح سلطان للنسخة الأميركية لهاف بوست قائلاً "إنه أمر محبط للغاية".
وأضاف "إن المحاولات التي قمنا بها عبر الطرق والقنوات العادية للإشارة إلى هذه الملفات وبعض هذه القصص لم تكن موفقة. فعلى سبيل المثال، يشعر المسؤولين عن هذه الأمور في وزارة الخارجية الأميركية بالاحباط الشديد. إنهم لا يستطيعون الوصول إلى القيادة العليا، وحتى عندما يصلون إليها، فإن الوصول إلى البيت الأبيض يكون عبر مسار مختلف".
ويعتقد سلطان أن المهتمين بالقضية من المشرعين والعاملين في الكونغرس يبدون قليل من الاهتمام بالأمر لأن الضغط المُمارس عليهم لم يؤد بعد إلى أية إجراءات إدارية ملموسة.
ترامب أفضل
من المفارقات في هذا الأمر، أن بعض خبراء الأمن القومي يعتقدون أن توجه ترامب الشامل تجاه مصر، يزيد من احتمال حصوله على تنازلات من حكومة السيسي. وأنها مجرد مسألة بسيطة إذا ما أراد أن يستخدم نفوذه من أجل الإفراج عن السجناء الأميركيين.
وأشار عمرو قطب، مدير السياسات في معهد التحرير لسياسات الشرق الأوسط، إلى أنه على الرغم من تملقه للسيسي، فإن ترامب لن يوافق على مطالب الحكومة المصرية بتسهيل شروط المساعدات، أو بتصنيف جماعة الإخوان المسلمين المعارضة كجماعة إرهابية.
وقال في معرض كلامه عن كبح جماح الحملة المصرية: "بسبب تجنب النقد العلني للنظام، أصبح بمقدورنا تحقيق بعض الأمور التي لم يمكن من الممكن أن تحدث في السابق. أعتقد أن هذه الاستراتيجية من الدعم العلني، جنباً إلى جنب مع النقد الشخصي، يمكن ان تكون مفيدة".
وقال مادهيراجو، أحد محاميي قاسم وعطيوي، إن ترامب يجب أن يبذل قصارى وسعة في هذه القضايا، بسبب الالتزام القانوني الواقع عليه، وبسبب أنه قد تدخل من قبل بالفعل في تحرير سجناء أميركيين آخرين خارج الأراضي الأميركية -كحالة حجازي في مصر، وفي حالة لاعب كرة السلة من جامعة كاليفورنيا لوس أنجلوس، والذي أُلقي القبض عليه مؤخراً في الصين بتهمة السرقة من أحد المتاجر.
بينما يقول آخرون في واشنطن، إن سلوك الحكومة المصرية في كثير أمور أخرى، أكثر استحقاقاً لرد فعل أميركي قوي.
فقد صرح جيرمي كادين، كبير المدافعين عن السياسة الدولية في منظمة هيومن رايتس كامبين لهاف بوست، بأن السيسي اعتقل عشرات المغايرين جنسياً، على خلفية رفع الحاضرين لحفل موسيقي أعلام قوس قزح في أواخر سبتمبر/أيلول الماضي 2017.
ونظمت منظمة هيومن رايتس مع منظمات أخرى مشاركة، اجتماعاً بين بعض المصريين المغايرين جنسياً ومجلس الأمن القومي الأسبوع الماضي. وقال كادين إن مساعدي ترامب كانوا في "وضع إنصات كامل".
كما أمضت مواطنة أميركية تُدعى آية خلف شهوراً في الضغط على المسؤولين الأميركيين والمشرعين من أجل والديها، واللذان حصلا على الغرين كارد لدخول الولايات المتحدة، وكانا يخططان للانتقال إلى الولايات المتحدة قبل أن تعتقلهما السلطات المصرية في يونيو/حزيران الماضي 2017.
وقالت خلف إن هناك مسؤولية تقع على عاتق ترامب تجاه والديها، بسبب أقاربها وأقاربهم الأميركيين السبعة الآخرين، وبسبب أن السلطات المصرية لم توجه لهم تهم حتى الآن، ولم تقدم أي أدلة تثبت خرقهم للقانون.
ويعقد كل من خلف وحجازي وسلطان ومادهيراجو اجتماعاً صحفياً مشتركاً عبر الهاتف يوم الاثنين لتعزيز الوعي بهذه القضايا. إلا أنه ليست هناك عناوين صحفية للدفع من أجل تحرك على مستوى أعلى، أو جمع شمل هذه العائلات الأميركية.