هل علينا التوقف عن تربية الحيوانات الأليفة؟ كثير من الأخلاقيين يقولون نعم

فحتى الآن لا يزال النقاش حول هل يحق لنا امتلاك الحيوانات في الإطار التنظيري؟ فالواقع أننا نملك الحيوانات وأمر التخلي عنها الآن قد يجلب الضرر لها أكثر من المنفعة.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/17 الساعة 02:09 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/17 الساعة 02:09 بتوقيت غرينتش

90% من البريطانيين يعتبرون حيواناتهم الأليفة فرداً من العائلة، و16% قاموا بإدراجها فعلياً ضمن قوائم أفراد العائلة في آخر تعداد أجري في بريطانيا.

ولكن الأبحاث الأخيرة في حقل عواطف الحيوانات زادت الشكوك في مدى أخلاقية القيام بتربية الحيوانات الأليفة.

تبدأ الحكاية حين دخل رجل بحافظة بلاستيكية مليئة بفئران حديثة الولادة رأتها الدكتورة جسيكا بيرس Dr Jessica Pierce -متخصصة في أخلاقيات الطب الحيوي- أثناء تواجدها في محل معروف لبيع الحيوانات الأليفة بالولايات المتحدة الأميركية.

كان الهدف من زيارة الدكتورة لهذا المحل هو شراء حيوان أليف لابنتها، غير أن صوت الفئران الصغيرة الصادر من تلك الحافظة البلاستيكية التي يمسك بها الرجل الذي يبدو أنه أحضرها للبيع لتكون إما سلعة تعرض للراغبين في شرائها أو وجبة للأفاعي التي يعرضها المحل للبيع أيضاً.

لم تسأل الدكتورة عن مصير تلك الفئران، ولكن ذلك المشهد أزعجها منذ ذلك الحين.

تقول الدكتورة: "تملك الفئران حساً تعاطفياً تجاه بعضها، وهذا ما أثبتته الأبحاث حين تم إبعاد صغار الفئران عن أمهاتها، وذلك بلا شك ألم عميق"، وتضيف: "المشهد كان بمثابة الصفعة التي جعلتني أتساءل: كيف يمكننا فعل أمر فظيع كهذا؟".

بعد هذه الحادثة قامت الدكتورة في عام 2015 بكتابة كتاب عنوانه: (اركض يا سبوت اركض – Run, Spot, Run) والذي تعرض فيه أفكارها المعارضة لاقتناء الحيوانات الأليفة.

تأخذنا الدكتورة في هذا الكتاب بعدد من المشاهد الواقعية التي لا تستوقف معظم الناس كقضية الحيوانات التي تقتل بهدف إعداد وجبات الكلاب والقطط الأليفة، أو تلك المزارع المكتظة بالجراء الصغيرة التي تهدف إلى تكاثر الكلاب ذات الأصول النقية وغير المهجنة في مناخ غير صحي، أو حال الأسماك التي تُباع لك ببساطة في كيس، أو حتى الحشرات التي توضع من أجلك في صندوق صغير.

إن تربية الحيوانات الأليفة أمر إشكالي لعدة اعتبارات، أهمها أنك تنكر حق هذا الحيوان في تقرير مصيره، فنحن ببساطة نجلبها إلى حياتنا الخاصة لرغبتنا الشخصية بذلك، ومن ثَم نحدد لهذه الحيوانات ما تأكل وما تلبس وأين تعيش وكيف تتصرف، بل يتعدى الأمر إلى أننا نمنح لأنفسنا الحق في تحديد إن كانت ستبقى على أعضائها التناسلية أم لا.

لا يعتبر أمر معاملة الإنسان للحيوانات كسلعة بالأمر الجديد أو الصادم، فالبشر منذ آلاف السنين يأكلون لحومها ويرتدون جلودها وفراءها، غير أن أمر تربية الحيوانات الأليفة مختلف عن استخدامات البشرية للحيوانات في الماضي، فنحن نقول: إن هناك مشاعر تربطنا بها.

وتظهر الأرقام مدى انتشار وتعلّق البشر بتربية الحيوانات الأليفة، فعلى سبيل المثال بلغت قيمة سوق الحيوانات الأليفة حتى عام 2016 في بريطانيا ( 50 بليون جنيه إسترليني)، بينما تبلغ قيمة نظيرتها الأميركية (66 بليون دولار، أي ما يعادل 50 بلايين جنيه إسترليني).

كما تشير الاستطلاعات في بداية عام 2016 إلى أن هناك 12% من مالكي الحيوانات الأليفة يحبونها أكثر من أبويهم، و9% يحبونها أكثر من أبنائهم، و24% يحبونها أكثر من أعز أصدقائهم.

كما تشير دراسة أخرى إلى أن 90% منهم يعتبرون الحيوانات الأليفة فرداً من أفراد العائلة، و16% منهم قاموا عام 2011 بإدراجها ضمن أفراد العائلة في آخر تعداد أُجري في بريطانيا.

ويقول البروفيسور هال هيرزوج Hal Herzog، عالم النفس بجامعة ويسترن كارولاينا Western Carolina، وأحد المؤسسين لفرع جديد من العلوم يُدعى الأنثروبولوجيا -anthrozoology مختص في بحث العلاقات البشرية – الحيوانية: "إن الإشكالية هنا أخلاقية؛ لأن معظم الناس ينظرون إلى علاقاتهم بالحيوانات الأليفة كعلاقتهم بالبشر، فيعتبرونها فرداً من العائلة أو أحد الأصدقاء، ولا يفكرون ببيعها ولو عُرضت عليهم الملايين".

وتكشف الأبحاث أن الحيوانات تحمل العواطف رغم بساطتها مقارنة بالإنسان ذي العواطف المعقدة والظاهرة، ولكن العاطفة موجودة في الحيوانات أيضاً، فالسمكة الذهبية التي نقتنيها قد تحمل كماً من المشاعر بالغة التعقيد، ولكنها أكثر بالتأكيد مما يعتقده معظمنا.

وقد كتب عالم الأعصاب جورج بيرن Gregory Berns عام 2013 تعليقاً لافتاً نشرته صحيفة نيويورك تايمز New York Times يقول: "الكلاب بشر أيضاً".

وفي هذا يضيف البروفيسور هيرزوغ: "كلما أخذنا في عين الاعتبار هذه الخصائص التي ظننا أنها حصرية للبشر سنكون منطقيين أكثر في تعاملنا مع الحيوانات، وهذا سيقودنا إلى تقليل سيطرتنا على مصائرها".

هل ستختفي الحيوانات بعد 50 أو 100 عام من الآن؟
يقول نشطاء حقوق الحيوانات إنهم يحققون انتصارات متلاحقة، فالعديد من المؤسسات التي تستغل الحيوانات لغرض الترفيه كـ"السرك" مثلاً يتم إغلاقها، ولعل آخر هذه الأسراك المغلقة كان سرك (رايدنغ بروس – Ringling Bros.

كما أن هناك دعوات لإغلاق وإعادة النظر فيما يتعلق بحدائق الحيوان، ونرى كذلك تزايد أعداد البريطانيين النباتيين بشكل مذهل بزيادة 350% بين عامَي 2006 و2016.

بالعودة إلى تربية الحيوانات الأليفة فهي تعد ظاهرة حديثة، فحتى القرن 19 كانت تربية الحيوانات في أماكن العيش بغرض استخدامها للعمل، ولم تكن هناك تلك الروابط العاطفية التي تربط الناس اليوم بحيواناتهم الأليفة.

فقد عُثر في مذكرات أحد مزارعي منطقة (دورست – Dorset) كتبها عام 1698 على وصفٍ يوضح نوع العلاقة حينها بين الإنسان وحيوانه، يقول المُزارع: "لقد تم قتل كلبي العجوز (كون) ولقد قمنا بطبخه لنستفيد من شحومه، وقد بلغت 11 رطلاً".

تغيرت الأحوال في القرنين 19 و20 وأصبح مشهد وجود الحيوانات في المدن الحضرية يقل عن ذلك الذي اعتدنا عليه في الريف، وزاد الدخل الذي لم يعد يكفي فقط لتلبية حاجاتنا الضرورية، بل يكفي للمزيد، وأصبحت تربية الحيوانات الأليفة أمراً مرغوباً به أكثر من أي وقت مضى.

وعلى الرغم من أن التعلق بالحيوانات والشغف بها واضح للعيان، فإنه لم ينعكس على تقديرنا لحياة هذا الحيوان، فهي وللأسف لا تشكل قيمة حقيقة لنا.

في كتابها (اركض سبوت اركض – Run, Spot, Run) تسرد الدكتورة بيرس وقائع صادمة، ففي عام 1877 بمدينة نيويورك تم جمع 762 كلباً ضالاً وقاموا بإغراقها في النهر، وذلك بحشرها في أقفاص حديدة وتم إنزالها إلى قاع النهر بواسطة الرافعات.

ومن المشاهد الصادمة أيضاً ما قاله الطبيب البيطري والفيلسوف (برنارد رولينغ – Bernard Rollin) مستعرضاً بعض مشاهد تربية الحيوانات في الستينات بأن الكثير من مربّي الحيوانات الأليفة كانوا يلجأون لقتل حيواناتهم بالتخدير قبل سفرهم لقضاء عطلهم، مبررين أنه من الأرخص شراء كلب جديد حين عودتهم عوضاً عن تحمّل تكاليف النقل الباهظة.

غير أن أحوال الحيوانات تطورت للأحسن في السنوات الماضية، ونلحظ ذلك باعتراف الكثير من الدول بحقوق الحيوانات، ولعل كندا ونيوزيلندا قامتا بأهم تلك الاعترافات.

ففي عام 2015 قررت هاتان الحكومتان الاعتراف بالحيوانات ككائنات ذات إحساس ولا يحق لأي شخص أن يعتبرها كأحد ممتلكاته (موقف الحكومة النيوزيلندية هنا يناقض موقفها في الحملة التي تشنها للقضاء على حيوان الأبوسوم؛ حيث تحارب انتشاره بطرق وحشية).

أما في بريطانيا فلا تزال الحيوانات الأليفة تعتبر ممتلكات لأصحابها، ولكن قانون رعاية الحيوان الصادر في 2006 ينص على توفير مستوى معين من الرعاية لهذه الحيوانات.

ونجد أن الحيوانات الأليفة في الولايات المتحدة لا تزال كذلك تعد من الممتلكات لأصحابها، ولكن قوانين 32 ولاية تغيرت بتضمين الحيوانات الأليفة ضمن قوانين الحماية من التعرض للعنف المنزلي، ومن هذه الولايات: بورتوريكو، وواشنطن دي سي.

ونجد كذلك تغيير المسمى في بعض الحالات؛ ففي عام 2001 قامت جزيرة رهودي Rhode بتغيير اسم "مالك" الحيوان إلى اسم "الوصّي".

خطوة تغيير الاسم هذه نالت دعم الناشطين في حقوق الحيوانات، بينما رآها البعض مجرد تغيير مسميات لا أكثر.

ولكن قبل أن نبدأ في التهليل والفرح بهذه الإنجازات علينا أن نتذكر أن هناك مليوناً ونصف المليون مأوى للحيوانات السائبة في الولايات المتحدة تقوم بالقتل الرحيم لأكثر من 670 ألف كلب سائب و860 ألف قطة سائبة، هذا العدد يتضاءل في المملكة المتحدة بشكل كبير، فالحيوانات السائبة تشكل 3463 فقط، ولكن بحسب الجمعية الملكية لمكافحة العنف ضد الحيوانات، فإن تحرياتها تكشف عن زيادة نسبة العنف ضد الحيوانات في المملكة المتحدة بواقع 5% سنوياً حتى عام 2016، بواقع 400 اتصال يومي للإبلاغ عن حالات التعنيف.

ويقول البروفيسور بجامعة روتجيرس للقانون غاري فرانسيون Gary Francione والمناصر لحقوق الحيوان: إن كنت تستطيع أن تقول للعيادة البيطرية: (هذا كلبي أرجو قتله" أو أن تذهب به إلى أحد ملاجئ المدينة للحيوانات وتقول لهم: "أرجو إيجاد منزل آخر ملائم له؛ لأنني لا لم أعُد أستطيع إبقاءه معي"، إن كنت تستطيع فعل ذلك وتملك الحق في القيام به، فأنت وللأسف لا تزال تعامل هذا الحيوان كأحد ممتلكاتك).

بالعودة إلى الدكتورة بيرس، فإنها تشدد على أهمية أن نعي أن هذه الحيوانات الأليفة التي نقوم بتربيتها لا تستطيع أن تخبرنا إن كانت سعيدة معنا.

تقول الدكتورة: "هناك من يتوهم أن الحيوانات اليوم تملك صوتاً ورأياً أكثر من السابق، ولكن الحقيقة أننا نحن من نقوم بإلقاء ما نرغب به من الكلمات في فمها"، وهي تشير في ذلك إلى تلك الرسائل المتداولة من قِبل مربي الحيوانات الأليفة في قنوات التواصل الاجتماعي حين يضعون صورها للتبني مرفقة بكلمات على لسان الحيوان الأليف.

وتضيف بيرس: "لعلنا لا ندرك أن محاولاتنا المدفوعة برغبة أن نجعل هذه الحيوانات أكثر بشرية حين نتخيل أنها ناطقة، ونكتب نيابة عنها ما تشعر به، فإننا في الواقع لا نجعلها أكثر بشرية وقرباً بل إننا على العكس تماماً نقوم بتهيمشها وإخفاء وجودها".

ما هي دوافع الناشطين في حقوق الحيوان؟
يقول مؤلف كتاب (البعض نحبه، والبعض نكرهه، والبعض نأكله Some We Love, Some We Hate, Some We Eat ) هيرزوغ Herzog: إنه أثناء كتابته لهذا الكتاب عام 2010 كان يبحث في دوافع نشطاء حقوق الحيوان أهي دوافع نابعة من تعاطف أم دوافع نابعة من وعي وإدراك؟

ويقول: إحدى الحالات التي كنت أبحث في دوافعها وجدته أكثر منطقية من غيره، فهذا الشخص تحول إلى نباتي ونبذ الأحذية المصنوعة من جلود الحيوانات وقام بإقناع حبيبته أن تصبح نباتيةً أيضاً ووصل إلى مرحلة أن يعيد النظر في أمر تربيته لعصفوره الأليف.

يقول هيرزوغ: "أذكر أنه نظر إليَّ بحزن وقال لي إنه أمسك بالعصفور وأخذه إلى الخارج وتركه يطير محرراً إياه"، ويضيف: "لقد قال لي إنه يعلم أن العصفور لن ينجو في الخارج، وإنه على الأرجح سوف يموت جوعاً، ولكنه يعترف بأنه فعل كل هذا من أجل نفسه لا من أجل العصفور".

إن نجحنا في التشكيك في مدى أخلاقية امتلاك الحيوانات، كيف يمكننا أن نضع المكابح على عجلات هذه الصناعة الرائجة؟

على الرغم من أن الدكتورة بيرس والبروفيسور فرانسيون يتفقان على أن تربية الحيوانات أمر خاطئ وغير أخلاقي، فإن كليهما يملك حيوانات أليفة.

فالدكتورة بيرس لديها كلبان وقطة والبروفيسور فرانسيون لديه 6 كلاب ويعتبرها كلائجين لديه.

فحتى الآن لا يزال النقاش حول هل يحق لنا امتلاك الحيوانات في الإطار التنظيري؟ فالواقع أننا نملك الحيوانات وأمر التخلي عنها الآن قد يجلب الضرر لها أكثر من المنفعة.

وعن هذا الأمر يقول البروفيسور فرانسيون: إن غالبية الناس يعتبرون العناية بالحيوانات هي أقل ما يمكن فعله لضمان حقوقها وحمايتها، وأن إقناع الناس بالعكس أمر صعب للغاية.

ويتفق معه في ذلك تيم واس Tim Wass رئيس مؤسسة الحيوانات الخيرية والمستشار في شؤون رعاية الحيوانات والرئيس السابق للجمعية الملكية لمكافحة العنف ضد الحيوانات، ويضيف قائلاً: "لقد قضي الأمر فقوى السوق الاستهلاكية والغرائز الإنسانية حددت المشهد الحالي، والواقع أن هناك ملايين البشر يملكون حيوانات أليفة. ولكن السؤال اليوم: كيف يمكننا مساعدة هؤلاء ليعتنوا بها بشكل صحيح ولائق؟".

ويختم الكاتب هيرزوغ بقوله: إن تاريخ تربية الحيوانات يثبت أن سلوكياتنا في العناية بها تتغير من وقت لآخر بين صعود وهبوط.

ويعتقد أنه على المدى البعيد سوف تتلاشى موضة تربية الحيوانات، ومن المحتمل أن تحل محلها الروبوتات أو أن تتقلص أعداد المربين لها بشكل كبير، فالسلوكيات الثقافية تأتي وتذهب ببساطة.

المهم في الأمر أن ندرك أنه كلما عاملنا الحيوانات كبشر قلَّت الأسباب الأخلاقية في إبقائنا لها.

– هذه التدوينة منشورة على صحيفة الغارديان

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد