أيها العرب، هل علّموكم مثلي عن الوطن والوطنية، وعن المبادئ والقومية؟ هل علموكم مثلي عن الرحمة والإنسانية وعدالة الكلمة الصحفية؟ هل علموكم مثلي؟
بالنسبة لي علموني أن الوطن زعيم وخرقة ملونة، وكبرت لأكتشف أن الوطن تراب ووجه إنسان وتراحم ومودة ولُحمة وطنية.
علموني أن هزائم الوطن وحزنه في حروب الحدود والمعارك المصيرية، واكتشفت أن هزائم الوطن الكبرى في فقر المواطن وفي خوفه وحياته بين المجاري الطافحة، وفي مدارس التعليم التقليدية، علّموني أن الانتصارات تصنعها أخبار الصحافة، واكتشفت أنها لا تحدث في عالم تنتشر فيه الأمراض الوبائية.
علّموني أن ابتسامة القائد هي علامة السعادة والنشوة المجتمعية، واكتشفت أن ابتسامة القائد وكآبة المواطن لا تجتمع في حالة مثالية، وأنها علامة ودلالة على حياتنا المأساوية.
علَّموني أن الوطنية مرتبطة بحب الزعيم بينما الوطنية هي ببساطة تبدأ من تنظيف أمام بيتك، والمداومة بعملك، ومراعاة حقوق الآخرين وخدمتهم بإخلاص وحُسن نية.
علَّموني أن الوطنية هي الخدمة العسكرية، واكتشفت أن الوطنية هي التعليم في المؤسسة التعليمية، والتطبيب في المؤسسة الصحية، والتجارة بدون غش أو انتهازية، والحياة بدون تعصّب أو عنصرية.
علَّموني أن هناك حقاً، وأن هناك باطلاً، وأن الحق دائماً معنا على الرغم من تغيّر الظروف والأحوال واللاعبين، فماذا علّموكم؟ وماذا اكتشفتم؟
بالنسبة لي، علَّموني أن الحق في جهة واحدة فقط، وهي دائماً الجهة التي أقف فيها، واكتشفت أن لدى كل واحد منا حقيقة وعقائد مرتبطة، وأن كل واحد منا يرى نفسه في خندق الحق، والحق بيننا هو ذلك الخط الذي يفصلنا، فالحقيقة دائماً والصواب دائماً في الوسط والوسطية، والاعتدال في الرأي، وعدم التعصب والتجنّي والمبالغة والإقصاء والغوغائية.
بالنسبة لي علَّموني أن كل ما يكتبون هو الحقيقة، وأن ما أقرأه هو ما يجب أن أفهمه وأعرفه وأحفظه كمعرفة واقعية، علَّموني أن السؤال وقاحة وبجاحة وعنجهية، وأن التشكيك دناءة وخبث وشيطنة منطقية.
علّموني أنهم لا يكذبون بحروفهم الأبجدية، واكتشفت أنهم يكتبون كذباً، وينطقون كذباً، ويتنفسون كذباً بكل ساعة، وكل دقيقة وكل ثانية زمنية.
علَّموني وعلَّموكم…
علمونا أن صياحهم وارتفاع أصواتهم دليل تعاطفهم وتفاعلهم وحرصهم وحماسهم ودلالة على المصداقية، واكتشفت أن أصواتهم جزء من التمثيل والتطبيل والتلاعب بالعواطف والمساكين من الناس، وأن ذلك كله جزء من المسرحية.
علَّمونا أن الإعلام صوت الحق ونصير المظلوم والداعي بعدالة القضايا الإنسانية، واكتشفت أن الإعلام صوت الزعيم، وصوت الملك وصوت الأمير وصوت التاجر وصوت المال وصوت الجماعات السياسية، وأحياناً سوط من سياط وزارة الخارجية.
علَّمونا أن السياسات دائمة، وأن العلاقات صادقة، وأن لكل قضية طرفين ثابتين، وأن الضعاف هم مَن يتخذون المواقف الحيادية، واكتشفت أن السياسة متغيرة، وأن العلاقات متقلبة، وأن لكل قضية طرفين وروايتين، وأن ثالث رواية هي الرواية الحقيقية.
علَّمونا أن هناك طرفاً أفضل من طرف، وأن الحمق والجبن والغباء والتآمر والخيانة من حق الطرف الآخر، واكتشفت أن لكل طرف منها نصيبه منها، وأن المسألة أطماع وسلطة وعداوات وحسابات شخصية وبشرية.
علَّمونا أن العرب هُزموا في الأربعينات، وأن إسرائيل وأميركا والروس واليهود هم أصل البلاء وشر البليّة، واكتشفت أن العرب مهزومون من قرون الخيام والقوافل التجارية، وأن التآمر بيننا مسألة أصيلة وتاريخية.
علَّمونا أن وحدة العرب هي الحل، وأن المستقبل للقومية أو للخلافة الإسلامية، واكتشفت أن المستقبل رهن الإنسان، رهن التعليم، رهن الإبداع، ورهن أن يحصل المواطن على الكرامة والحرية.
علَّمونا أن الإقصاء هو الحل، وأن إهلاك الآخر وقتله والتخلص منه والهيمنة عليه هي الخلاص من الخلافات والفروقات الطبيعية، وتعلمت أن التنوع والتعايش والقبول بالآخر سر الحياة، وسر التقدم وسر التحضر وسر التنوير، وأن ذلك كله هو ما نادت به الأديان السماوية.
علَّمونا أشياء ونحن اليوم نكتشف نقيضها، ولذلك نشعر بما نشعر به من هزيمة وقهر؛ لأن الأمور تجري بعكس ما نتوقع وبطريقة مخالفة لما تعلّمناه.
ليتهم علمونا الحقيقة حتى نتعامل معها اليوم بشكل أفضل، وحتى نكون أكثر قدرة على التفاعل مع هذا الواقع، فذلك أفضل من حالة الصدمة والهزيمة التي يعيشها أغلبنا.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.