شُحّ الأمطار هاجس الاقتصاد المغربي

فكأن الحكومة المرتبكة أغفلت هذه الاعتبارات عمداً ورغم ذلك تصرّ على تمرير عدد من الإصلاحات التي تراها مستعجلة وحاسمة وغير قابلة للأخذ والرد على طاولة التفاوض والنقاش العام، كما هو الشأن بالنسبة لإصلاح أنظمة التقاعد، والزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية، وإقرار إجراءات تقشفية وتقليص مناصب الشغل المحدثة في القطاع العام، وتعويضها بإجراء التعاقد المؤقت.. إلخ.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/16 الساعة 03:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/16 الساعة 03:05 بتوقيت غرينتش

بين التكهّن بانخفاض مؤشر النمو الاقتصادي، وبتراجعه الحتمي مستقبلاً، من طرف المعارضين للسياسة الحكومية، أو على العكس توقّع ارتفاعه بشكل طفيف، كما يتمنّاه ويخطط له المشرفون على برنامجها الموازناتي حالياً، سيبقى المؤكد والمعروف منذ عقود، بإجماع الكل، سواء كانوا معارضين دائمين أو موالين لمشاريع الدولة المبرمجة موسمياً، هو أن اقتصاد المغرب المعتمد أساساً على نجاعة سدوده الكبرى الرئيسية (التي هي بمثابة شرايين البلد المغذية لقطاعات عدة) ما زال حتى يومنا هذا، مرهوناً بكمية التساقطات المطرية.

والذي يبدو مقلقاً أيضاً في الوضع الحالي، أن الفترات الحرجة التي يرزح تحت ثقلها الاقتصاد المغربي العام لا تبشّر كلياً بما هو مأمول، خاصة أن شحّ التساقطات المطرية جاء كالشؤم لدق الجرس والإخطار بتدهور جديد، لا محالة، في أفق سنة جديدة لم يبقَ على حلولها إلا شهر، وهو إنذار نحس دفع السلطات المالية إلى التسريع بمراجعة حساب توقعاتها، وخاصة تلك المرتبطة بمعدل نمو متفائل، كما جاء سابقاً على لسان ممثليها، والذي لم يشَر له حتى في ميزانية قانون المالية الجديد، في إطار ما تضمنه من خطوط عريضة، تعتبر عنواناً وافتتاحاً لتسييل وتصريف دورة مالية جديدة!

فمنذ انطلاق موسم الدخول الفلاحي الحالي كان العجز النسبي مقدراً عند كثير من المحللين، والشكوك متداولة بكثافة حول وقوعه المحتوم، خاصة إذا استمر الخصاص في هطول الأمطار حتى بداية هذه السنة المقبلة، وطبعاً إن لم يستمر وتراوح الهطول عند عتبة المقبول مقارنةً مع المتوسط سنوياً، فالأكيد لن يعرض للخطر (كما هو متوجس) البرنامج التحييني لتحقيق المحصول الفلاحي المرجو للسنة المقبلة، مع ما سيوفره من النمو بشكل عام، للخروج من -ولو نسبياً- أزمة الركود المتواترة منذ مدة.

فمن جهة، المحصول الفلاحي سيكون دون المتوسط بقليل، كما أشر على هذا دون تردد، بعض خبراء صندوق النقد الدولي في زيارة عمل عابرة، ثم من ناحية مقابلة، مؤشر النمو العالمي، خاصة لدى شركائنا الاقتصاديين الأساسيين، وعلى رأسهم الأوروبيون (الذين يشكلون الزبون الأول على لائحة الطلب، بفعل مسار طويل من التعاملات التجارية التاريخية المجسّرة بالجوار الجغرافي) سيتأرجح بين معدلات أقل مما كان مبرمجاً لها في تقارير مراصد نفس الدول، مع ما سيتحصل من كل هذا مباشرة من عواقب وتداعيات، ستؤثر لا محالة على الطلب الخارجي الموجّه خصيصاً للمنتوجات الفلاحية المغربية، بالإضافة إلى أن الاقتراض الداخلي بدأ في التراجع مع ارتفاع مهول في المديونية وتقاعس البنوك في الإمداد، ثم إن الاستثمار العمومي، كما هو منتظر، انكمش إلى منحنياته المخجلة، مع ارتفاع متزايد في معدلات البطالة كما جاء في خرجة إعلامية قام بها مؤخراً رئيس الحكومة السيد العثماني معبّراً فيها عن قلقه أمام المراقبين، زيادة على أن الاستهلاك الداخلي صار كما معلوم مهدداً بسبب ارتفاع الأسعار والزيادات المسعورة، الناتجة مبدئياً عن اتخاذ تلك القرارات غير الشعبية، وعلى رأسها إلغاء صندوق المقاصة نهائياً، والتخلي عن دعم المواد الأساسية بالنسبة للطبقات الاجتماعية ذات الدخل المحدود.

فكأن الحكومة المرتبكة أغفلت هذه الاعتبارات عمداً ورغم ذلك تصرّ على تمرير عدد من الإصلاحات التي تراها مستعجلة وحاسمة وغير قابلة للأخذ والرد على طاولة التفاوض والنقاش العام، كما هو الشأن بالنسبة لإصلاح أنظمة التقاعد، والزيادة في أسعار بعض المواد الأساسية، وإقرار إجراءات تقشفية وتقليص مناصب الشغل المحدثة في القطاع العام، وتعويضها بإجراء التعاقد المؤقت.. إلخ.

وعلاوة على ذلك، فالوضع الاقتصادي الدولي ليس بتلك الدينامية المفترضة والتحسن المعهود، الذي يوفر كثيراً من الفُرص التجارية الخارجية للمغرب، كما كان يعتقد خبراء الحكومة ومستشاروها، فآخر التقديرات من البنك الدولي تتوقع أن النمو العالمي لن يتجاوز نسباً مريحة، بسبب أزمة بطء اقتصاد الصين المتواصل، وانخفاض الطلب على المواد الخام خاصة تلك التي تشكل الثروة الطبيعية لعدد من الدول غير النامية (فوسفات المغرب كنموذج).

وبالموازاة، على صعيد الدينامية الداخلية، نجد أن الأغلفة المالية الموجهة للاستثمار العمومي المطروحة من طرف الدولة، على الرغم من حجمها النسبي داخل الميزانية كل سنة، هناك تخوّف من أن تدبير نفقات استثمارها المعتمد في القطاعات الأكثر حاجة لها، سيتسم بالأداء الضعيف في حالة إذا حدث تراخٍ من طرف المسؤولين، ويبقى حجمها لا يكفي لتحريك دينامية "خلق فرص الشغل" بالزخم المطلوب لإشباع سوق عمل داخلية، متنوعة وملحّة في طلباتها، كما جاء لأول مرة على لسان أحد المسؤولين المعفيين، بصراحة غير معهودة، ودون مواربة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد