الجماهير، اللفظ الذي لا يتخلى عنه الجميع، خاصة إذا تعلق الأمر بأمور الحكم والسياسة والاستحقاقات الانتخابية والقرارات الهامة والمؤثرة في إعادة تقييم الأمور.
الكل الآن يعلق الأمل على الجماهير.
لو نظرنا إلى المشهد المصري، فريق يريد الجماهير أن تتحرك لتغيير الأمور، يحاول إقناعها بشتى الوسائل المتاحة أن تثور؛ لعل في ثورتها تنصلح الأمور، فيعود الغائب، ويخرج المسجون، ويحاكم القاتل، ويأخذ كل ذي حق حقه.
وفريق يحاول بشتى الوسائل وبكل ما أوتي من إمكانيات إقناع الجماهير بأن الأمور تتحرك إلى الأحسن، وأننا في حرب ضد الإرهاب وضد الفساد، وأن حروب الجيل الخامس والسادس وحتى العاشر تمارَس علينا والأمل في وعيكم أيها الجماهير، فلا تنظروا لغيرنا ولا تسمعوا لغيرنا، ولا تتكلموا إلا بلساننا.
ويبقى السؤال الحائر: وأين الجماهير؟ وهل حقاً ستنصت الجماهير لأحد الفريقين؟
غوستاف لوبون، مؤلف كتاب سيكولوجية الجماهير، وأشهر مَن كتب عن الجماهير هو الذي سيجيب عن هذا السؤال.
يقول جوستاف لوبون:
الجماهير أبعد ما تكون عن التفكير العقلاني والمنطقي، والجماهير تتحرك بشكل لا واعٍ إذا تحركت، عكس الفرد الذي يتحرك بشكل واعٍ، فالجماهير قد تحرق اليوم ما كانت تقدسه بالأمس، وهي تغيَر أفكارها كما تغيّر قمصانها.
وسلوك الشخص في الجمهور يختلف عن سلوك نفس الشخص بدون الجمهور، فالشخص المنخرط في الجمهور يمكن أن يقوم بأعمال استثنائية ما كان مستعداً إطلاقاً لتنفيذها لو كان في حالته الفردية الواعية المتعقلة.
الجماهير تتأثر بالصور والشعارات والأوهام والكلمات الرنانة أكثر من تأثرها بالحجة والمنطق.
الجماهير تنساق خلف القائد الذي يعرف كيف يفرض إرادته عليها، فالجماهير تحتاج إلى قائد له هيبة حتى لو كانت مصطنعة وبجيد التأكيد والتكرار والتحذير حتى لو كانت أوهاماً.
والجماهير تردد الشائعات أكثر من ترديدها للحقيقة.
قد يصدمك -أخي القارئ- رأي غوستاف لوبون، وهذا حقك فكلامه قد يحتمل الخطأ والصواب فهو في النهاية إنسان.
وقد أردت بهذه الصدمة أن أنبهك أن هناك علماً لسلوك الجماهير وأننا في حاجة ماسة لدراسة سيكولوجية الجماهير.
وإذا كان علم النفس الاجتماعي الذي هو مدخل علوم دراسة الجماهير أصبح الآن علماً وله قواعد ونظريات، ألا يستدعي ذلك لكل مَن يهتم بأمر الجماهير وتحريكهم والتعويل عليهم أن يدرس بعضاً من هذا العلم؟
كيف لطغاة مثلاً مثل هتلر – موسوليني – ماوتسي تونغ، كيف حرك هؤلاء ملايين البشر وكأنهم تحت تأثير تنويم مغناطيسي ثم كيف كفرت بهم الجماهير بعد ذلك؟
ثم هل يمكن أن تتحرك الجماهير بلا قائد له من الحرية التي تتيح له أن يوجه ويحرك ويخاطب ويسمع الجماهير ما تحتاجه، قائد يلهب الجماهير بكاريزما تدغدغ مشاعرها فتأسر عقولها، هل هذا متاح الآن؟
يا مَن تعولون على الجماهير، ماذا تعرفون عنها؟
إنها معركة الوعي لمن اختار طريق التغيير، معركة الوعي التي تبدأ بالعلم والمعرفة والدراسة والتدبّر لأخطاء الماضي لاستنباط أدوات المستقبل، ولكن على علم ودراية ومعرفة وبصيرة.
وصدق المولى -عزّ وجلّ- الذي قال: (فاعتبروا يا أولي الأبصار).
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.