جماعة التبليغ “1”| التكليف بين التبعية الأزلية وتقديس الولاء

كُتيب صغير يمكنك الانتهاء من قراءته علماً وتطبيقه عملاً في اليوم الواحد لِما يحويه من وجبات دسمة؛ لتعين أفرادها، فيتضمن الأعمال اليومية، ثم الأذكار إلى فضائل السور، ثم الصفات الست بجانب الآيات والأحاديث والقصص المستشهد بها والتي من خلالها يتم إلزام المُبيِّنين البيانات.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/16 الساعة 02:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/16 الساعة 02:20 بتوقيت غرينتش

نجحوا في أن ينفردوا بمنابر ساحات المساجد وقتما شاءوا ،وأينما أرادوا، من مشارق الأرض إلى مغاربها، في حين أن الدارسين والغائصين في التنمية البشرية يقومون بحجز القاعات الخاصة وتغطية تكاليفها من جيوبهم الخاصة، وزِد على ذلك إعلانات ترويج ودعاية لبرنامج سيادته المجاني؛ بغيةً في اتساع ساحة صيته.

بين يسر التهيئة عند هذا وعراقيلها عند ذاك، هل أجادت (جماعة التبليغ والدعوة في مصر) في دعوتها لدى (جميع طبقات المجتمع المسلم) وَفق أسس ومناهج ترسخت؟ أم أن للتبعية والولاء لا بد من قدسية قد يوديان بالمنابر للاقيمة؟ هذا ما سنتناوله في المقال القادم بعد التعرّف على هذه الجماعة.

جماعة التبليغ والدعوة – الأصل والنشأة
كانت نشأة الجماعة هي الأسبق بين الحركات الإسلامية الأخرى، فقد نشأت على أرجح الأقوال سنة 1920 في الهند على يد (محمد إلياس الكاندهلوي)، أي أنه سبق تأسيسها تأسيس جماعة الإخوان المسلمين بثمانية أعوام، ومنذ منتصف الأربعينيات من القرن الماضي توجّهت هذه الجماعة للعالم الإسلامي، ذلك بعدما كان من المفترض أن يرجع أصل نشأتها كحركة إلى إيقاظ الشعور الديني لدى الأقلية المُسلِمة "المضطهدة" في الهند إبان الحكم البريطاني، وتحولت خلال القرن الماضي إلى "ظاهرة عالمية" تضم في صفوفها ما قد يصل إلى خمسين مليوناً من الأتباع؛ حيث بلغ عدد أعضائها في الهند نحواً من 30 مليون شخص، وفي باكستان 25 مليوناً، وفي الولايات المتحدة الأميركية 50 ألف شخص، وفي فرنسا 100 ألف، وأخيراً في مصر 250 ألفاً.

تصنف جماعة التبليغ والدعوة عالمياً على أنها جماعة وعظ وإرشاد فهي توجه رسالتها ودعوتها للمسلمين، بخاصة في الدول العربية وغير المسلمين حول العالم، هذا وبطريقة مبسّطة وميسورة بعيدةً عن الخلافات الفكرية والفقهية وأيضاً الخلافات السياسية، فهل هذا ما جعلهم أكثر الجماعات الإسلامية انتشاراً في العالم؟ ليبلغ عدد أعضائها نحواً من 85 مليون فرد حول العالم، وفقاً لإحصائيات عدد من مراكز الأبحاث، أبرزها مركز المزماة، والأهرام، والمسبار، والجزيرة.

جماعة التبليغ والدعوة – الأسس والرواسخ
– ومن الأساسيات لدى الجماعة، عقدها تجمعاً سنوياً لها بدولة بنغلاديش يقدر بأكثر من ثلاثة ملايين شخص وهو بمثابة التجمع الذي يعد الأكبر لمسلمي العالم بعد (موسم الحج).

– يرون أن تغيير الأفراد والجماعات للمنكر بالقوة يؤدي إلى إعراض الناس عن الاقتداء بهم، مما يؤثر بالسلب على الدعوة الإسلامية، مستدلين على ذلك بالآية الكريمة: "ادعُ إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة"، إلا أن المتصرف الوحيد على الأرض الذي له حق التغيير بالقوة هو رئيس الدولة بجانب الحكومات الموالية له.

– تلزم جماعة "التبليغ والدعوة" أفرادها بعدم الكلام في السياسة أو الجماعات الإسلامية المختلفة أو الخلافات الفقهية أو الكلام عن غير المسلمين، كما تلزمهم بعدم الاشتغال بطلب العلم الشرعي؛ لأنه سيشغلهم عن العمل الأهم، من وجهة نظرهم، ألا وهو (الدعوة).

-" المقاهي والنوادي والشوارع"، تلك نصب أسهم جماعة التبليغ والدعوة، فهي تعتمد في الأساس على الأسلوب السلس والسهل، لجلب الأشخاص البعِيدين عن الدين من وجهة نظرهم، لوضعهم في بيئة دينية بالدرجة الأولى، من خلال المُدَّد التي تحددها وهي الاعتكاف في المساجد كل شهر ثلاثة أيام، وكل عام أربعين يوماً، وفي العمر أربعة أشهر، هذا بجانب زياراتهم لعوام المسلمين التي في الغالب مصحوبة بالإكرام من الشيء البسيط.

– تجتمع بين أفراد جماعة كل مسجد منهم الألفة والمحبة والترابط، ولئن سألتني كيف أصبح هذا؟ لا أملك إلا أن أقول لك: إنه السر الوحيد وراء جلسات الاستشراق المنعقدة يومياً وركعتي ما عُرفتا بصلاة الصباح وما يعقبهما مباشرة؛ حيث في مؤخرة المسجد التناول الجماعي لوجبة الإفطار.

جماعة التبليغ والدعوة – المناهج
تكمن المسيرة الدعوية عند جماعة التبليغ والدعوة في أصل كتابين وحِيديْن:
الأول منهما "حياة الصحابة" للأعجمي -محمد بن يوسف الكاندهلوي- وهو مملوء بالقصص المكذوبة والأحاديث الموضوعة والضعيفة، بجانب أن قال عنه الشيخ الألباني رحمه الله: (الذي ألَّف هذا الكتاب ليس فرداً من أفراد جماعة التبليغ، بل هو رأس إن لم يكن فهو رأس الرؤوس، ألّف هذا الكتاب والجماعة ينطلقون على هداه، ولكن هذا الكتاب جمع ما هبَّ ودبَّ، أي لم يخصص هذا الكتاب بأن يذكر فيه ما صح أولاً عن رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأن كلام الرسول صلى الله عليه وسلم ليس ككلام غيره من الناس ولو كانوا أولياء وصالحين، ثانياً؛ من حيث ذكر روايات كثيرة عن الصحابة رضي الله عنهم فيها أيضاً من باب أولى)، إذا كان في الأحاديث التي نسبها للرسول فيها أشياء لا تصح نسبتها إلى الرسول عند أهل العلم بطريق معرفة الحديث ومعرفة الأسانيد وتراجم رجال الأسانيد ونحو ذلك، فمن باب أولى أن يذكر في هذا الكتاب روايات كثيرة وكثيرة جداً عن الصحابة من أقوالهم، من أفعالهم، من منهجهم، من سلوكهم وكثير منها لا يصح، وفي ذلك قال شيخ أئمة الإسلام بن تيمية -في نفيس كلامه-: (إن على كل باحث أن يتثبت في كل ما يرويه عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كما يتثبت فيما يرويه عن الله ورسوله).

أم الثاني منهما فهو "رياض الصالحين" أو "شرح رياض الصالحين" للإمام النووي الذي اشترط -رحمه الله- على نفسه عدم ذكر إلا ما صحَّ عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من الأحاديث في الكتاب؛ حيث قال في مقدمته: "فرأيت أن أجمع مختصراً من الأحاديث الصحيحة"، وقال أيضاً: "وألتزم فيه أن لا أذكر إلا حديثاً صحيحاً من الواضحات مضافاً إلى الكتب الصحيحة المشهورات"، لكن وكما قيل: لكل جواد كبوة، ولكل حصان نبوة، وكل ابن آدم خطّاء؛ فإن المؤلف -رحمه الله- رغم ذلك كله قد وقع فيما يربو على تسعين حديثاً ضعيفاً، منها ما تتقوى بطرق أخرى، أو بالشواهد، والحديث الضعيف إذا تعددت طرقه، ارتقى إلى درجة الحسن لغيره، كما هو معلوم في علم مصطلح الحديث، ذكر الشيخ الألباني -رحمه الله- اقتصار اعتماده على تحسين الترمذي، فقال: ولعل عُذر المؤلف -رحمه الله- في وقوع هذه الأحاديث الضعيفة في كتابه إنما هو اعتماده غالباً على تصحيح أو تحسين الترمذي، وسكوت أبي داود على الحديث، وقد صرح بذلك في مقدمة كتابه (الأذكار) فقال: "روينا في سنن أبي داود بإسناد جيد لم يضعفه".

جماعة التبليغ والدعوة – زاد الداعي
كُتيب صغير يمكنك الانتهاء من قراءته علماً وتطبيقه عملاً في اليوم الواحد لِما يحويه من وجبات دسمة؛ لتعين أفرادها، فيتضمن الأعمال اليومية، ثم الأذكار إلى فضائل السور، ثم الصفات الست بجانب الآيات والأحاديث والقصص المستشهد بها والتي من خلالها يتم إلزام المُبيِّنين البيانات.
(لعل هذا الكتيب الصغير بسيط المحتوى هو سقف الاجتهاد، وهذا ما سنعرفه بالتفصيل).

جماعة التبليغ والدعوة – الأمن
تثار التساؤلات حول مدى علاقة جماعة التبليغ والدعوة بالأمن، وخصوصاً جهاز أمن الدولة، وكيف لجماعة تفوق جماعة الإخوان المسلمين في العدد وبالرغم من ذلك لم تجد أي تضييق من جهاز أمن الدولة في نظام مبارك؟ فالجماعة كانت تمارس أنشطتها الدينية والدعوية بكل حرية داخل المجتمع المصري في ظل النظام السابق، وعلى الرغم من كل هذا التضييق في الوضع الحالي، فإنها أيضاً ما زالت تمارسها في ارتياحية شديدة، ربما ثمة تعاون بين الجماعة وبين جهاز أمن الدولة يتمثل في عدم اتخاذ الجماعة أي تحركات أو قرارات إلا بعد موافقة الأمن، دوناً عن ذلك فنفوذ العدد لم يكن مهملاً بالنسبة لهذا الجهاز.

أما بعد، فإن نظرة المجتمع قد تختلف عند طبقاته لِما يبدو جلياً عن هذه الجماعة عند بعض الطبقات وما يخفى خفياً عند الطبقات الأخرى، يكمن هذا… بل ولأن لفظ "الكمون" هو ما لا يحوي سواه، فعلى العكس فإن الموضوع مفتوح تماماً، فدعونا نذكر أن هذه النظرة مثلاً وَفق (الأصل في النشأة، والمنهج، والعلم والعلماء، والتجديد والتطور، والثوابت الأمنية والثوابت الأخرى، وجهد الحركة جانباً للهيئة، وأُخر…) كل ذلك في موضوع قادم، بإذن الله.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد