اكتتاب القرن يواجه عرقلة اليابان وأميركا.. ضغوط على السعودية لمنع بيع حصة من “أرامكو” للصين.. صراع جديد على نفط الخليج

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/14 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/14 الساعة 12:00 بتوقيت غرينتش

فجأةً، تراجع الحديث المتداول عن صفقة كبرى بين السعودية والصين، تشتري بموجبها الأخيرة حصة في شركة أرامكو النفطية العملاقة بعيداً عن الإحراج الذي يمكن أن يسببه الاكتتاب العام لولي العهد السعودي إذا انخفضت قيمة الشركة فيما يتوقع أن يكون أكبر طرح في التاريخ.

يبدو أن السبب في هذا التغيير، قيام كل من الولايات المتحدة واليابان بحثِّ السعودية على إدراج شركتها النفطية العملاقة (أرامكو) للاكتتاب الدولي العالمي؛ تخوفاً من أن تباع حصة من أسهم الشركة إلى الصين، ما سيمنح بكين نفوذاً قد يُطلِق يدها بشكل أوسع في الشرق الأوسط، حسبما أفادت به مصادر مطلعة تحدثت إلى صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية.

ومن المقرر أن تغدو شركة أرامكو النفطية العملاقة أضخم عرض عام قاطبة عندما تُطرح أسهمها للاكتتاب المحلي والعالمي العام المقبل (2018).

وكانت الرياض، في الآونة الأخيرة، تفكر بدلاً من ذلك في بيع حصة اكتتاب خاص لمجموعة شركات صينية كبرى حكومية، حسبما أفادت به مصادر "وول ستريت".

لماذا تخشيان هذه الصفقة؟

وتأتي المخاوف الأميركية-اليابانية وسط زيادة التوتر في المنطقة مع احتدام المواجهة بين الرياض وحلفائها من جهة وإيران من جهة أخرى، كذلك تتزامن المخاوف مع مطبات سياسية محلية تمر بها الرياض حالياً.

فالولايات المتحدة تخشى من أن تنشأ بين بكين والرياض علاقة متينة من جراء بيع حصة من أرامكو للصين، فالرياض حليف عتيد للولايات المتحدة، وصفقة بيع كهذه سوف ترسخ مكانة الصين لدى الرياض وتمنحها حظوة بصفتها مستهلكاً ضخماً ودائماً للنفط السعودي، وفق ما قاله أحد المطلعين على الأمر.

وتعد الصين أكبر مستوردي النفط في العالم، وهي تحاول أن تؤمّن لنفسها مصدراً دائماً ومستقراً للنفط الخام مع تنامي اقتصادها؛ أما أرامكو ففي حوزتها 16% من احتياطي الخام المؤكد، كما أنها من أكبر مصدّري النفط في العالم.

أما طوكيو فقلقة من أي خطوة قد تمنح الصين حظوةً وأفضليةً للحصول على النفط السعودي، فاليابان نفسها تعتمد كثيراً على ذلك النفط الخام الذي تشتري منه أكثر من ثلث إمداداتها، وفق ما قاله أحد المطلعين على الموضوع لـ"وول ستريت".

مقعد في الخليج

تقول سارا إيمرسون، المديرة في مكتب ESAI Energy LLC الاستشاري ببوسطن الأميركية: "سوف يكون للصين مقعد أكبر على طاولة الخليج العربي" في حال تمت صفقة أرامكو.

أما وزارة الخارجية الصينية، فقالت إن بحث أرامكو عن شركاء لها نشاطٌ تجاري عادي جداً.

وكانت الصين والسعودية في السنوات الأخيرة، قد "بنتا علاقاتهما بسرعة"، وترغب بكين في أن "تعمق من تعاون البلدين العملي في مجال الطاقة وغيره من المجالات"، كما تود أن "تحافظ على الاستقرار في سوق الطاقة العالمي"، وفق بيان صادر عن الخارجية الصينية.

وكانت السياسة الداخلية قد قلبت خطط أرامكو كافة رأساً على عقب، فالتخطيط لطرح الأسهم للاكتتاب العام مؤجل حتى إشعار آخر ريثما يعمل ولي عهد البلاد، الأمير محمد بن سلمان، على إحكام قبضته على سلطة البلاد، وفق ما قالته مصادر الصحيفة الأميركية.

وقد عبرت واشنطن عن مخاوفها في الأشهر الأخيرة منذ شاعت أواسط أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2017، أخبارُ صفقة متوقعة بين الصين والسعودية، ومنذ ذلك الحين عقدت وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة اليابانية عدة لقاءات بالمسؤولين السعوديين، وفق ما قالته المصادر.

وتنوي أرامكو إدراج 5% من أسهمها، وهي حصة يمكن أن تقدر بـ75 مليار دولار. هذا، وتتكالب أسواق الأسهم والبورصة في كل من هونغ كونغ ولندن ونيويورك للظفر بالطرح الدولي العام.

وكان الرئيس دونالد ترامب قد غرد في الـ4 من نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2017 على تويتر قائلاً: "سنقدر الأمر كثيراً لو طرحت السعودية أسهم الاكتتاب الأولي لأرامكو في سوق بورصة نيويورك؛ فهذا مهم للولايات المتحدة!".

وقال مطّلعون معنيّون بمخططات أرامكو المستقبلية إنهم رأوا في تلك التغريدة تعليقاً من ترامب على محادثات السعودية والصين.

وقال أمين ناصر، المدير التنفيذي لأرامكو، في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي 2017، إن الشركة ستقرر عما قريب المكان الذي ستطرح فيه أسهمها خارج سوق بورصة "تداول" المحلية.

أما وزارة الطاقة السعودية، فلم تدلِ بتعليق حينما طلبت منها الصحيفة ذلك.

طائرات دون طيار

تمثل قصة أرامكو وأحداثها المثيرة الأخيرة هذه علامة على القلق الأميركي من تنامي وتعاظم دور الصين النشط في الشرق الأوسط.

فإدارة ترامب تفكر الآن في إرخاء قيود قوانينها التي تمنع حلفاءها شرق الأوسطيين والأفارقة من شراء طائراتها دون طيار ذات التصميم الأحدث، يأتي ذلك بعدما بدأت دول كالعراق ومصر والسعودية في شراء تلك المعدات والطائرات من الصين، ما زاد من صداع واشنطن الاستراتيجي والتجاري.

وهذا الأسبوع قال مسؤول بالخارجية الأميركية: "إن تم الإدراج في الولايات المتحدة، فسيكون ذلك عربوناً هاماً عن علاقات أميركية-سعودية متطورة وعميقة في مجال الطاقة".

ولكن، حتى لو مضت أرامكو قدماً في طرحها الاكتتاب الدولي، تظل هناك إمكانية بيعها حصة من أسهمها لصالح الصين ضمن الصفقة، وفق ما قاله مطلعون على الاكتتاب.

فعندما تطرح شركة ما أسهماً ضخمة للاكتتاب وتدرجها للتداولات الضخمة، فإنها عادة ما تبيع حصصاً كبيرة لمستثمرين يطلق عليه "مستثمرون أساسيون"؛ كي تضمن لنفسها مستويات كافية من الطلب. ونظراً إلى أن اكتتاب أرامكو سيكون الأكبر على الإطلاق، فستكون الشركة بحاجة لمستثمر أو اثنين من هذا النوع؛ ولذا يتوقع أن يكون صندوق الصين السيادي واحداً من هؤلاء المستثمرين، وفق ما قاله مطلعون.

ويعاني فريق أرامكو، المكلف التخطيط للإدراج وطرح الأسهم، في تطبيق معايير المحاسبة العالمية على هذه الشركة، التي ما زالت لديها وحدة إنشائية تشرف على تشييد ملاعب كرة القدم.

أما المحادثات مع الصين، فهي في مرحلة مبكرة، وسوف تحتاج لمشاركة مسؤولين كبار على مستوى قيادات البلدين قبل المضي في إبرام الصفقة، وفق ما قاله مصدر مطلع.

إيران

ورغم أن الصين تعد من أكبر زبائن إيران، غريم السعودية الإقليمي، فإنها وجهت أنظارها تجاه السعودية؛ بغية تنويع مصادر طاقتها. كذلك تريد بكين بسط نفوذها السياسي والدبلوماسي في منطقة ظلت فيها مُشاهداً متفرجاً طيلة سنين وعقود، فالصين تعاملت بحذر شديد مع حروب وكلاء السعودية وإيران، فقدمت المعونات الإنسانية الإغاثية لليمن ومساعدات إعادة الإعمار إلى سوريا.

تزلُّف

أما الرياض في هذه الأثناء، فلعلها تستخدم أرامكو للتزلف والتملق لبكين، حسب تعبير "وول ستريت جورنال".

إذ تقول إيمي مايرز جاف، من كبار زملاء وخبراء الطاقة والبيئة في مجلس العلاقات الخارجية بنيويورك: "لا خلاف على أن السعودية حاولت فطم الصين عن إيران باستخدام النفط وسيلة لذلك".

فالسعودية عانت لكي تحافظ على حصتها من سوق النفط الصينية، بينما تخفض إنتاجها تماشياً مع مساعي منظمة الدول المصدّرة للنفط (أوبك) لرفع أسعار الخام.

وكان الملك سلمان قد زار الصين في شهر مارس/آذار الماضي 2017، حيث ناقش المسؤولون الاستثمارات السعودية في مصافي تكرير النفط الصينية وصناعاتها البتروكيماوية؛ وسيلةً منها لتضمن مشترياً صينياً للخام السعودي.

التوتر زاد هذا العام في الشرق الأوسط بعدما قطعت السعودية وبعض جيرانها علاقاتها الدبلوماسية بقطر في شهر يونيو/حزيران الماضي 2017؛ وكذلك زادت العداوة التي تكنّها كل من السعودية وأميركا لإيران، فترامب يهدد بإلغاء الاتفاق النووي الموقَّع عام 2015 بين إيران والقوى الدولية العظمى، والذي ساعد في رفع العقوبات عن طهران.

من جهة أخرى، عزز كل من ترامب والرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أواصر علاقتهما بالمملكة العربية السعودية هذا العام أيضاً، حيث استضافت موسكو أول ضيف يفد عليها من ملوك السعودية، عندما زارها الملك سلمان في أكتوبر/تشرين الأول الماضي 2017. أيضاً، كانت السعودية أولى محطات ترامب الدولية في رحلته الأولى خارج البلاد بصفته الرسمية.

وختمت إيمرسون بالقول إن الصين تشاهد كل هذه التطورات وتفكر في موقعها الخاص.

تحميل المزيد