يمكن للمراقب بوضوح أن يرى ردود الفعل المختلفة من جانب المسلمين حول قرار الرئيس الأميركي "دونالد ترامب" نقل سفارة بلاده من تل أبيب إلى القدس الشرقية المحتلة، مساء الأربعاء 6 من ديسمبر/كانون الأول الجاري.
ففي خضم الشعور بالذهول والدهشة المُكونينِ لما يمكن تسميته ارتجاف التفكير نتيجة القرار، أو رعشة عقل مخلصين في الأمة.. في محاولته الوصول إلى قراءة تواكب الحدث الضخم وتحاول تجاوزه إلى حل عملي، ووسط معاناة الشعور بأن بساط قضاياهم وأوطانهم يُسحب من تحت أقدامهم فيما هم معزولون، فبعد أن كانت فلسطين قضية الأمة المركزية وهَمّ شرفائها المُقيم، تغيّر الأمر بفعل أذناب الاحتلال وأتباعهم من الحكام، إلا من رحم ربي.
وفي المُنتصف تغيب بعض الحقائق التي يجب الانتباه جيداً كي تظل بوصلة التوجه نحو مركزها المقاوم الصحيح، ولكي لا يُلبس علينا أعداؤنا الحقائق، فنحزن لأكاذيبهم وننسى الحقائق والاهتمام بها والعمل لأجلها تجيء هذه الأسئلة.
– هل هناك ما يُسمى بـ"سلام" بين المسلمين ودولة الاحتلال الصهيوني؟
هذا هو أول الأسئلة وأهمها مركزية بخاصة أن كثيراً من مُحلّلينا الشرفاء لا يصدقونه فحسب بل يلومون دولة الاحتلال "وترامب" من أجل عدم تنفيذه.
باختصار فإن ما يُسمى "عملية السلام" بين المسلمين (لا العرب كما سنوضح لاحقاً) وإسرائيل الغاصبة ليست أكثر من مجرد "مراهم" تزيد الجروح التهاباً ولا نقول مسكنات، ولا مكان عملياً لها على الأرض أو وجود على التراب الفلسطيني الخالد.
والذين لا يقرأون الوضع جيداً من الواجب عليهم أن يراجعوا أصول وثوابت دينهم وإيمانهم وعقيدتهم أولاً، فالقرآن الكريم يخبرنا بوضوح تام ألا عهد ولا أمان ولا مواثيق أو مجرد مبادئ ولو بسيطة في صراعنا الأزلي مع المحاربين من اليهود ونسختهم المعاصرة من الدولة العنصرية الفاشية.
أما المسلمون الذين لا يؤمنون بكتاب الله العزيز ولا سيرة مصطفاه، صلى الله عليه وسلم، على النحو الكافي ليصدقوا الأحكام القطعية، أو حتى الذين يريدون مزيداً من البراهين على عدم صحة وجود أوهام ما يُسمى "سلام" مع الصهيونيين، فإن عليهم مراجعة واقع الصراع الإسلامي – الصهيوني المعاصر على أرض الواقع؛ لكي يتفهموا ألا عهود ولا مواثيق ولا أمان في الأمر وإنما هو مجرد أوهام وأحلام، ولنا في سيرة الرئيس الراحل "ياسر عرفات" واستخدام الإسرائيليين له خير شاهد ودليل، بما في الأمر أوسلو وتوابعها ثم اغتياله، رحمه الله.
– هل قرار "ترامب" حول القدس يساوي تغييراً لمسار المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية ويجعل الأميركيين "وسطاء" غير محايدين؟
هذه هي الكذبة الكبرى الثانية ابنة الأولى السابقة، التي يُراد للمسلمين الانشغال بها عن أمرهم الحقيقي الخاص بوجوب الجهاد لتحرير الأقصى وفلسطين، ولكن بعد تحرير أنفسهم ودولهم أولاً من أتباع وأذناب المحتلين، فإذا كان الأصل أنه لا مفاوضات سلام بين المسلمين والصهاينة، فلماذا التعلق إذاً بالادعاء أن من نتائج قرار "ترامب" عدم وضع القدس على طاولة المفاوضات مستقبلاً؟ إذا ما كانت مفاوضات المستقبل المُدعاة لا فائدة مرجوة منها ولو استمرت قروناً حتى ينهض رجال مخلصون مسلمون بموعود الله بتحرير فلسطين ومنها الأقصى من الطغاة.
– هل حماقة "ترامب" هي التي قادت إلى قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس؟
وهذه واحدة من أكثر الإشكاليات في محاولة فهم كيف تفكر عقول مسلمة محللة واعية للموقف.. لا في فهم الموقف بحد ذاته، فقراءة الموقف الأميركي الأخير وتحميله على غباء وانتهازية الرئيس الحالي؛ أو محاولة دفاعه عن منصبه من المخاطر المحيطة..
والحقيقة أن الأمر يخص بوضوح موقفاً على أرض الواقع يزداد التغلغل الصهيوني فيه في مفاصل القدس وفلسطين، مثلما يتم التوغل في مفاصل الأمة الرئيسية أكثر عبر مصر، والسعودية، وسوريا، والإمارات وهلم جراً.
بوضوح الضعف الإسلامي ومنه العربي بلغ مداه الأقسى والأقصى مع "ترامب" والحكام بلغوا قمة الوقاحة والانتهازية إما في سبيل قمع الشعوب وإنهاء محاولات الثورات.. أو لتثبيت صبيانه من بعدهم.
الموقف الصهيوني منذ قديم يتحين فرصة الإعلان الرسمي عن التهام وإلا فلنراجع موقف "بن جوريون" من القدس عام 1949م، وتسليمه الحكم لأول رئيس صهيوني "حاييم وايلزمان" منها، وإصرار "غولدا مائير" على وجود حكومتها فيها، بل الإقامة في غرفة فوق السطوح قبل أن تُبنى لها شقة فوق تلال القدس.
ولنراجع أيضاً الطريق لتحرير فلسطين الذي يجب أن يبدأ من مصر، وموقف مصر المؤلم الراهن، وكذلك الدول التي تمثل الطريق والمُفترضة لتحرير الأقصى من اليمن وسوريا بل السعودية وقطر.
وفي ضوء جميع ما سبق يجب النظر إلى "ترامب" ودوره.
القدس أم فلسطين.. عرب أم مسلمون؟
ولعله من المؤلم في سياق موقف اليوم التذكير ببسيط قواعد الصراع الإسلامي – الصهيوني، فالصراع ليس بحال من الأحوال بين العرب والصهاينة، بل هو من فجر الحضارة الإسلامية وحتى يرث الله الأرض ومَنْ عليها، وإنما قصر الصراع على العرب حيلة صهيونية لئيمة نبلعها كثيراً، تماماً كما نعيب على أميركا اعترافها بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني، وفي الأصل نحن لا نعترف أصلاً بإسرائيل كي يقتصر اعتراضنا على كون القدس عاصمة لها!
– متى ننتبه لقضيتنا المحورية (فلسطين) فلا نغفو؟
في رأينا فإن هذا أهم الأسئلة وأوجبها وأوجهها وأقربها إلى التفكير المتأني المُخلص، إن الصهاينة يعمدون إلى تجويد جميع نواحي حياتهم، والتوغل في حياتنا بما يفسدها، مع السيطرة على مناطق النفوذ العالمية، فإن كان حكامهم يعمدون إلى الإفساد في السر والعلن فلماذا تكتفي شعوبنا المسلمة بالمشاهدة الطويلة لما يحدث في فلسطين.. ثم الإفاقة على فترات متباعدة ثم معاودة النوم والثبات من جديد؟
لماذا لا يُوجه الباحثون والمفكرون والأدباء عبر الجهود الفردية والجمعية ما أمكن إلى تذكر القضية الفلسطينية طوال الوقت؟ ومن ثم الحشد لمعركة الوعي وإيقاظ الشعوب الإسلامية وتذكيرها بها دائماً بالطرق والوسائل المختلفة؟ ولماذا لا يفهم الجميع أن واقع دولنا وعالمنا الإسلامي المُبتغى المأمول والمنشود يزداد تردياً بسبب القضية الفلسطينية في الأصل؟
ولماذا لا نوقن أننا في الطريق؛ لكي نكون فعّالين لا ينبغي أن نفكر في الأمور على نحو ملتوٍ غير مفهوم يضع التبعة والمسؤولية على الأعداء ومجهوداتهم في الحفاظ على بعضهم البعض، ويحزن لمجرد عدم حفاظهم على أكاذيبهم وضلالاتهم معنا؟
متى ندرك أولاً حقيقة قضايانا وأولاها الأقصى لنعرف كيف نسير عقلياً ومنطقياً إليها قبل خطونا وخططنا؟!
وما تحقيق ذلك في حياتنا بعزيز.. قل عسى أن يكون قريباً.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.