موت علي صالح ونهايات الأفلام

عندما همّ قلبي بالشفقة على صورة رأسه المهشم، ظهرت أمامي صور الأطفال الذين يعانون المجاعة، ويموتون لأنهم لم يجدوا كِسرة خبز تسد رمقهم أو جرعة دواء تداوي آلامهم، كلما همّت الشفقة بالتسلل إلى حنايا نفسي دفعتها صور الجثث التي ملأت شوارع اليمن وحاراته

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/11 الساعة 02:16 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/11 الساعة 02:16 بتوقيت غرينتش

يؤنّبني ضميري عندما تنقبض نفسي لرؤية مصارع الطغاة الدامية المهينة، ويزداد هذا التأنيب وطأةً عندما أتذكر الضحايا الذين سقطوا تحت ضربات سياطهم الظالمة، لا أعرف هل هذه لازمة نفسية عند شعوبنا العربية أُصيبوا بها من جراء مشاهدتهم قدراً كبيراً من الأفلام المصرية، تلك الأفلام التي يصحب موت الشرير فيها موسيقى تصويرية مؤثرة، تستدرّ دموع المشاهدين بعد أن يحوز الشرير مغفرتهم؟!

ففي معظم الأفلام، تجد هذا الشرير يكاد يحرق الدنيا من ظلمه وطغيانه، ويجتهد المخرج في تصويره من زوايا تؤكد ترسخ الشر والطغيان في شخصيته، حتى لو شارف الفيلم النهاية؛ فقط لأن خيال المؤلف نضب ولم يعد يجد أي عمل إجرامي يصلح لتلك الشخصية الشريرة. تجد أن هذا الشرير يموت ميتة بشعة، وفي أثناء لفظه أنفاسه الأخيرة -كما تمنيت طوال الفيلم- تجد نفسك وقد نسيت كل الكوارث التي قام بها طوال أحداث الفيلم!

هذا يحدث دائماً؛ لأنك تفصل النهاية البشعة التي تعرّض لها الشرير كإنسان، عن الفظائع والشرور التي قام بها طوال الفيلم، أنت هنا تنظر إلى الأحداث نظرة سطحية للغاية، فلو أنك تذكرت مع كل آهة يطلقها هذا الشرير من فمه الأثيم لوجدت أنه لاقى مصيره الذي يستحقه وما أثّرت فيك تلك المؤثرات التي يضعها المخرج من موسيقى تصويرية، وهالة ملائكية مفاجئة تتنزل على الشرير، تجعلك على يقين بأنه ينعم الآن في جنات النعيم.

هذه هي مصيبتنا التي تحدث عند موت كل حاكم ظالم؛ بل إنها تحدث عند موت كل مشهور ظالم، فيجب عليك أن تتناسى له كل مصائبه التي اقترفها في حق شعبه وجرائمه التي عانتها أمته لمجرد أنه مات، كل هذا يُطلب منك تحت ستار الحديث الضعيف "اذكروا محاسن موتاكم"، فلو أننا اكتفينا فقط بذكر محاسن الطواغيت الذين منّ الله علينا بموتهم، لما كان هناك أدنى حاجة لعلم التاريخ إذن! ويا ليت الأمر يقتصر على أن نتناسى جرائمهم المشهودة في حق أممنا.

بل إن الأمر يتعدى ذلك إلى ذهاب البعض إلى تعديد حسناتهم، ووصفهم بما لم يكونوا أهلاً له لمجرد أنهم ماتوا، فهم يطلبون منا أن نغفر لكل طاغية كل زلاته -والتي في الواقع تمثل جل حياته- لمجرد أنه مات!

لا أنكر أن صدري انقبض عندما شاهدت صورة الرئيس اليمني المخلوع علي عبد الله صالح، وهو مقتول وجثته في تلك الحالة الرهيبة، ولكني تذكرت -على الفور- حمام الدم الذي تسبب فيه طمع وجشع هذا الطاغية، تذكرت وباء الكوليرا الذي يضرب أهلنا في اليمن بكل ضراوة؛ بسبب انعدام البنية التحتية في هذا البلد الذي حكمه هذا الرجل الجهول طوال عشرات السنين، وأبى إلا أن يظل جاثماً على أنفاسه ما دامت تنبض به حياة ويرف له جفن، وباء الكوليرا الذي لم نسمع عنه في منطقتنا -إن لم يكن العالم- طوال القرن السابق!

عندما همّ قلبي بالشفقة على صورة رأسه المهشم، ظهرت أمامي صور الأطفال الذين يعانون المجاعة، ويموتون لأنهم لم يجدوا كِسرة خبز تسد رمقهم أو جرعة دواء تداوي آلامهم، كلما همّت الشفقة بالتسلل إلى حنايا نفسي دفعتها صور الجثث التي ملأت شوارع اليمن وحاراته؛ لأن هذا الرجل يريد أن يظل على كرسي الحكم؛ ليمارس هواية الطغيان والإفساد.

عندما شاهدت جثة علي عبد الله صالح، تذكرت النهاية المشابهة التي انتهى إليها القذافي، وتساءلت عن مشاعرهما في أثناء قتلهما، وهل خطر بذهنيهما في أثناء اعتلائهما عروش بلادهما -أو اغتصابهما إياها بالمعنى الأصح- أنهما سينتهيان هذه النهاية الأليمة ويموتان هذه الميتة البشعة! هل كانا يتخيلان أنهما سيموتان أصلاً؟!

أظنهما كانا ينسيان أو يتناسيان هذه الحقيقة، حقيقة الموت، فهل يتجبر من يظن أنه سيموت؟ هل يطغى من يظن أن الدوائر قد تدور عليه يوماً ما؟!
عافانا الله وإياكم من الطغيان، وخلّصنا من أهله، ووقانا جميعاً خاتمة السوء.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد