لماذا يتهافت الآلاف من الطلبة الجزائريين على الدراسة بفرنسا؟

إذا كان هناك من الطلبة من صادفت رغبته في الهجرة لمواصلة الدراسة بالخارج رفضاً من طرف عائلته، فالأمر مختلف بالنسبة لسعيد، (60 سنة-متقاعد)، فهو من دفع ابنه وابنته للهجرة ومواصلة الدراسة بالخارج، وقام بتقسيم بيته لقسمين، قام بكراء جزء منه؛ وسكن هو وزوجته في القسم الآخر؛ وذلك من أجل تمويل دراسة ابنه وابنته بفرنسا.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/11 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/11 الساعة 02:05 بتوقيت غرينتش

بعد أن تعوّد الجزائريون صور وأخبار العشرات من الشباب الذين يخاطرون بحياتهم للعبور نحو الضفة الأخرى من المتوسط، وأصبحت مثل هذه الأخبار لا تُكتب بالبند العريض في الصحف، استيقظوا يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول على صور لطوابير طويلة لآلاف الشباب أمام المركز الثقافي الفرنسي بالجزائر العاصمة، ينتظرون من أجل حجز موعد لاجتياز امتحان معرفة اللغة الفرنسية؛ وذلك لتقديم ملف للدراسة بالجامعات الفرنسية.

توقيف المركز الثقافي الفرنسي إمكانية حجز موعد للتسجيل لاجتياز الامتحان ودفع حقوق التسجيل عبر موقع المركز الإلكتروني، كي يتم ذلك مباشرة في المركز ودون موعد مسبق؛ وذلك بسبب إخلال البعض بمواعيدهم وتحويل آخرين تلك المواعيد إلى "بزنس"- جعل كل أولئك الذين كانوا ينتظرون حجز موعد عبر الموقع الإلكتروني، يتجهون نحو المركز.

ذلك العدد الهائل من المترشحين جعل مسيّري المركز الثقافي الفرنسي يلغون التسجيل في ذلك اليوم؛ لعدم استعداد المركز لاستقبال ذلك العدد، وليقوم بعدها ببرمجة رزنامة للتسجيلات، وذلك حسب الترتيب الأبجدي للألقاب.

تلك الصور تناقلتها وسائل الإعلام المحلية والدولية، وسارع الكثيرون للتعليق عليها والإدلاء بدلوهم؛ فمنهم من ربط الحادثة بعشية الاحتفال بالفاتح من نوفمبر/تشرين الثاني، فاتحاً النار على فرنسا، متهماً إياها بتدبير ذلك للإساءة إلى صورة الجزائر، ومنهم من تهجم على أولئك المترشحين، متهماً إياهم بالخيانة، كما هنالك أيضاً من علّق وقال إن ذلك ظاهرة صحية تدل على اهتمام الشاب الجزائري بالدراسة والبحث العلمي.

للتعرف أكثر على هؤلاء الطلبة وما يدفعهم للسعي للهجرة إلى فرنسا لمواصلة دراستهم، اتجهنا نحو مدينة تيزي وزو التي ينحدر منها أكبر عدد من الطلبة الجزائريين بفرنسا. توجد في الجزائر 5 مراكز "كومبوس فرانس"، وهو المركز الذي يقوم باستقبال طلبات الراغبين في الدراسة بفرنسا: في الجزائر العاصمة، ووهران، وعنابة، وقسنطينة، وتلمسان.

أكثرها استقبالاً للطلبات، مركز الجزائر العاصمة بحيدرة، الذي يستقبل المترشحين من الوسط. في تصريح له في أثناء زيارة لولاية تيزي وزو، يوم الثلاثاء 10 مايو/أيار من العام الماضي، قال السفير الفرنسي السابق لدى الجزائر برنار إيمي، إن نصف الطلبة الجزائريين بفرنسا ينحدرون من منطقة القبائل؛ أي ولايات تيزي وزو، وبجاية، وبويرة.

حتى ولو كان المركز الثقافي الفرنسي بهذه الولاية مغلقاً منذ 1994 لأسباب أمنية، فملاحظة رغبة واهتمام الطلبة في هذه المنطقة في الهجرة للدراسة بفرنسا لا تحتاج لا التدقيق ولا التحقيق، ولو عاد ألبيرت كامو إلى الحياة لأضاف لكتابه "بؤس منطقة القبائل"، الكتاب الذي جمع فيه ريبورتاجاته التي أنجزها بالمنطقة في 1939، فصلاً كاملاً حول ظاهرة هؤلاء الطلبة الذين يهاجرون لفرنسا لمواصلة دراستهم.

للقاء هؤلاء أو حتى العثور على آثار أولئك الذين سبقوهم وهاجروا، يكفي الاتجاه إلى جامعة مولود معمري وسؤال الطلبة عما يفكرون فيه من مشاريع ما بعد التخرج، للاصطدام بالإجابة "مواصلة الدراسة بفرنسا".

هذا لا يقتصر فقط على الذكور؛ بل حتى الإناث ولا يقتصر على تخصص معين، فحتى إن خريجي هذه الجامعة الذين درسوا اللغة الأمازيغية، الاختصاص غير المتوافر في العديد من كليات اللغات بالجزائر، يقصدون الجامعات الفرنسية لمواصلة دراساتهم في اللغة الأمازيغية، وذلك في المعهد الوطني للغات والثقافات الشرقية "إينالكو" أو بجامعة مرسيليا.

عشرات نوادي الإنترنت المحيطة بالجامعة تعج أيضاً بهؤلاء الطلبة الذين يفكرون في العبور نحو الجهة الأخرى من المتوسط. ميسيبسا، مسيّر لنادي إنترنت قريب من الجامعة يقول: "لما كان حجز الموعد يتم عن طريق الموقع الإلكتروني للمعهد الثقافي، الموقع كان يفتح صباحاً كي يتم حجز كل المواعيد في مدة قصيرة، كنا نفتح النادي على الساعة السابعة صباحاً؛ للسماح لمن ليس لديهم إنترنت، وللطلبة المقيمين بالإقامة الجامعية حجز موعد. كنا دائماً نجد على الأقل عشرة طلبة على الباب في انتظارنا".

نوادي الإنترنت، سواء الموجودة بمدينة تيزي وزو أو في مختلف المناطق الأخرى والقرى، أضافت لخدماتها إعداد ملفات الطلبة الراغبين في الالتحاق بالجامعات الفرنسية.

تقديم ملفات الترشح يمر بـ5 مراحل: ترجمة الشهادات الجامعية وكشوف النقاط للغة الفرنسية، اجتياز اختبار معرفة اللغة الفرنسية مع دفع حقوق الامتحان التي تتراوح بين 10000 دينار جزائري و14000 دينار جزائري حسب نوع الامتحان، فتح حساب بالموقع الإلكتروني لـ"كامبوس فرونس" وتحميل الشهادات ووثائق الملف واختيار الجامعات والتخصصات، ثم تقديم نسخ من الملف بمركز "كامبيس فرونس" مع دفع حقوق معالجة الملف والمقدرة بـ8000 دينار جزائري، ومن ثم إجراء مقابلة بالمركز وشرح مشروع الطالب الدراسي وحوافزه لمواصلة الدراسة، وفي حالة القبول من تلك الجامعات، يقوم المترشح بالإجراءات القنصلية للحصول على التأشيرة. باستثناء الامتحان والمقابلة الشفوية بالمركز، فإن نوادي الإنترنت تتكفل بإعداد الملفات مقابل 3000 دينار جزائي إلى 7000 دينار جزائري.

حسب محدثنا، التكاليف المالية لا تهم كثيراً المترشحين. فحتى مع ارتفاع حقوق الامتحان هذا العام إلى 10000 دينار جزائري بعد أن كانت 8000 دينار جزائري العام الماضي، وحقوق معالجة الملف إلى 8000 دينار جزائري بعد أن كانت 6000 دينار جزائري العام الماضي، فذلك لم يؤثر على الطلبات التي تشهد ارتفاعاً. "قمنا العام الماضي بإعداد 95 ملفاً، أما هذا العام فحالياً لدينا أكثر من 100 ملف، ونتوقع أن يبلغ العدد 500 ملف مع نهاية التسجيلات في شهر مارس/آذار".

عن الأسباب التي تدفع هؤلاء الطلبة للهجرة للدراسة بفرنسا، فجميع من تحدثنا إليهم يًُجمعون على 3 أسباب رئيسية: المستوى المتدني للجامعة الجزائرية التي تتذيل مختلف الترتيبات العالمية للجامعات، والوضعية الاقتصادية، وغياب فرص الشغل بعد التخرج، فلا مشاريع ولا مؤسسات كبرى بهذه الولاية التي تأتي في المرتبة الرابعة وطنياً من حيث عدد السجلات التجارية، وآخر مناقصة يمكن الاطلاع عليها بالموقع الإلكتروني للولاية يعود تاريخها لشهر يناير/كانون الثاني من هذا العام، إضافة إلى هذه الأزمة متعددة الأبعاد التي تعيشها البلاد. كما يمكن أن نضيف لهذا تقاليد هذه المنطقة في الهجرة.

اتصلنا مع بعض أولئك الذين غادروا الجزائر لمواصلة دراستهم بفرنسا ومنهم حنان، (27 سنة)، حاملة لشهادة ليسانس لغة ألمانية وشهادة الدراسات الجامعية التطبيقية تجارة دولية. هي من بين هؤلاء الطلبة الذين فضلوا "الهروب" بعد محاولات عدة لولوج سوق العمل لم تكلل بالنجاح.

"بعد عودتي من تربص بألمانيا دام 3 أشهر، كنت متحمسة وأردت أن أعمل مترجمة مفاوضة في مؤسسة محترمة بعد عملي طيلة عامين مترجمة مستقلة. طيلة هذه الفترة، أحياناً لم أكن أتلقَّ حتى أتعابي، فلا يوجد بالجزائر قانون يؤطر ويحمي العاملين المستقلين في هذا المجال. أجريت عدة مقابلات توظيف مع مؤسسات مختلفة، لكن ما تقترحه كان عملاً من دون تصريح للضمان الاجتماعي أو مقابل أجرة زهيدة. رحيلي من الجزائر ليس لأسباب اقتصادية واجتماعية؛ بل بسبب الإحباط الذي كنت أعيشه، وبسبب ما كنت أتعرض له من مضايقات، خصوصاً لكوني امرأة. حالياً أنا أدرس بجامعة السوربون 3 وأنا بصدد تحضير ماستر 1 (دراسات جرمانية والثقافات: مجتمعات، فنون ووسائل الإعلام)".

بعد انتهاء دراستهم، أغلبية الطلبة يفضلون البقاء والاستقرار بفرنسا، وذلك باللجوء إلى تغيير وضعيتهم القانونية من "طالب" إلى "تاجر" أو "أجير" لتمديد تصريح إقامتهم، حتى ولو كان العمل الذي يزاولونه لا علاقة له عن باختصاصهم.

ليديا، (31 سنة)، من بين هؤلاء الذين سافروا لفرنسا لمواصلة دراستهم الجامعية وهي موجودة بفرنسا منذ 5 سنوات. "أنا حاملة لشهادة مهندس دولة في العلوم الزراعية من جامعة مولود معمري وماستر 2 من جامعة (كليرمون فيرون). سافرت لفرنسا لمواصلة دراستي، ففي الجامعة الجزائرية لم يكن ذلك ممكناً؛ لكوني درست حسب النظام الكلاسيكي. الجامعة الفرنسية تولي اهتماماً أكبر بالجانب التطبيقي من أبحاث، وعمل جماعي، وورشات وزيارات ميدانية. حالياً، أنا أعمل مساعدةً للمسنين بدار للعجزة".

إذا كان هناك من الطلبة من صادفت رغبته في الهجرة لمواصلة الدراسة بالخارج رفضاً من طرف عائلته، فالأمر مختلف بالنسبة لسعيد، (60 سنة-متقاعد)، فهو من دفع ابنه وابنته للهجرة ومواصلة الدراسة بالخارج، وقام بتقسيم بيته لقسمين، قام بكراء جزء منه؛ وسكن هو وزوجته في القسم الآخر؛ وذلك من أجل تمويل دراسة ابنه وابنته بفرنسا.

عن السبب، أجابنا: "ما يدفعنا كأولياء أمور أن نقوم بإرسال أبنائنا للدراسة بالخارج، هو ذلك السقوط الحر لمستوى الجامعة الجزائرية، وظروف الدراسة بجامعاتنا. كذلك وزن الشهادة الجامعية الجزائرية مقارنة بالشهادة الأجنبية في سوق العمل. أضف إلى هذا اللاأمن والمستقبل المجهول بهذا البلد. لا يسعدني أن أكون هنا وفلذة كبدي بعيدون عني، فحتى أنا أريد أن أرى أبنائي وأحفادي أمامي، لكن ما نقوم به هو تضحية من أجل مستقبل أفضل لهم".

أما فيما يخص تهجُّم البعض على أولئك الطلبة المصطفين أمام المركز الفرنسي، ومنهم جمال ولد عباس، الذي تحدث عنهم على أنهم "حركى"، فمحدثنا علق بقوله: "أظن أنه حينما تكون ممتلكات أحدهم في فرنسا وأبناؤه بالخارج فعليه أن يمتنع عن إصدار تلك الأحكام. أظن أن الجزائر استقلت منذ سنوات وانتهت معها قصة الحركى. في الوقت الذي يقوم فيه هؤلاء بإرسال أبنائهم للدراسة بالثانوية الدولية (ألكسندر دوماس) ببن عكنون، ثم لمواصلة دراستهم بكبريات الجامعات الدولية، وذلك بأموال الشعب، فنحن نكافح من أجل أن يدرس أبناؤنا. دائماً هؤلاء وليغطوا على مسؤوليتهم في هذا الوضع الذي دفع الجزائريين للهروب، يبحثون على من يلصقون به التهمة ويحمّلونه أخطاءهم. الأكيد هو أن هؤلاء لا يريدون ظهور نخبة من الشعب لتنافس أبناءهم".

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد