"طريقٌ إلى المجهول".. هكذا يرى العالم العربي وعواصم الدول الكبرى المتحالفة مع واشنطن قرار الرئيس دونالد ترامب، الذي أعلنه الأربعاء 6 ديسمبر/كانون الأول 2017، بنقل السفارة الأميركية في إسرائيل إلى القدس.
وأصبح ترامب بذلك أول رئيس أميركي يعترف بالقدس عاصمةً رسمية لإسرائيل. وهي خطوة سوف تُسعد المواطنين الإسرائيليين، ولكنها قد تضرم النيران في النزاع الفلسطيني الإسرائيلي، حسب تقرير لمجلة نيوزويك الأميركية.
انتفاضة جديدة
ولفتت المجلة الأميركية إلى التداعيات المتوقعة لقرار ترامب قائلة: سوف يتذكر الإسرائيليون أن موجة القتل والدهس بالسيارات والاعتداءات التي اقترفها الفلسطينيون خلال الشهور اللاحقة لشهر سبتمبر/أيلول 2015، قد أشعلتها المحاولات الإسرائيلية لتغيير الوضع الراهن بالأماكن المقدسة بالقدس، المعروفة باسم الحرم القدسي الشريف لدى المسلمين وجبل الهيكل لدى اليهود.
كما بدأت الانتفاضة الفلسطينية الثانية حينما قام آرييل شارون، السياسي الإسرائيلي حينذاك، بزيارة المسجد الأقصى عام 2000، واستمرت على مدار نحو خمس سنوات، وأودت بحياة أكثر من 1000 مواطن إسرائيلي.
لا يستطيع اليهود الصلاة بالأماكن المقدسة بالقدس الشرقية، التي لا تزال تخضع لرقابة الوقف الأردني الفلسطيني أو الوصاية الإسلامية. وسوف يؤدي قرار ترامب، الذي قد يستغرق تنفيذه سنوات، إلى وضع الحرم القدسي الشريف، ثالث أكثر المساجد قدسية في الإسلام، تحت السيادة الإسرائيلية، بما يُنهي عقوداً من السياسة الأميركية الناعمة.
وقد أعربت الفصائل الفلسطينية بالفعل عن عزمها تنظيم احتجاجات كبرى والدعوة لثلاثة أيام من الغضب، تشهد تظاهراتٍ، وربما مصادمات في القدس والضفة الغربية.
وأشارت الصحيفة إلى أن ترامب تخلى عن سياسة أسلافه التقليدية، وقرر عدم التوقيع على إرجاء نقل السفارة لمدة ستة شهور، وهو التنازل الذي وقّع عليه الرؤساء الأميركيون السابقون –كلينتون وبوش وأوباما– من قبله في الوقت الذي يختاره.
فمن الذي نصح الرئيس بأن يسلك مسلكاً مختلفاً عن الزعماء الأميركيين السابقين ويتخذ خطوةً يعترض عليها المجتمع الدولي باستثناء الحكومة الإسرائيلية؟
تقرير النيوزويك كشف عن الأشخاص الثلاثة الذين ينصت ترامب إليهم، ويُعتقد أنهم ساعدوا في تكوين رؤيته بشأن قضية القدس.
جاريد كوشنر
قام الرئيس الأميركي ترامب بتكليف زوج ابنته جاريد كوشنر، الذي أصبح موضع اهتمام تحقيقات المستشار الخاص روبرت مولر بشأن روسيا، بإبرام الاتفاق بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ومع ذلك، يبدو هذا المقترح بعيداً عن ذي قبل بالنسبة للفلسطينيين.
انتقل كوشنر –وهو يهودي متعصب له علاقات وثيقة بإسرائيل قدمت عائلته تبرعات للمستوطنات الإسرائيلية من خلال المؤسسة التي تمتلكها– بين المسؤولين الفلسطينيين والإسرائيليين في رام الله والقدس، لتفهم مخاوف كلا الجانبين بصورة أفضل.
ونقلت صحيفة The Times of Israel عن مصدر مطلع على هذا الشأن قوله إنه خلال تلك المناقشات، التقى برئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في أغسطس/آب 2017.
وناقش الطرفان نقل السفارة "كجزء من حوار موسع ومثمر حول عدد من القضايا". ورغم أن الإدارة كانت لديها فكرة عن عزم ترامب إعلان نقل السفارة، إلا أن كوشنر رفض التصريح بذلك قبل الرئيس، وأخبر الملياردير الإسرائيلي حاييم سابان في أحد منتديات واشنطن، يوم الأحد 3 ديسمبر/كانون الأول 2017 "لا يزال الرئيس يدرس الكثير من الحقائق المختلفة، وحينما يتخذ قراره سوف يخبركم به نفسه، وليس من خلالي".
ولا يزال مدى تأثير كوشنر على ترامب بهذا الشأن غير واضح. ومع ذلك، فقد عهد إليه الرئيس بأن يكون نقطة الاتصال بهذه القضية؛ ومن الأرجح أن يكون له رأي هام في المناقشات التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار التاريخي.
جيسون جرينبلات
إلى جانب كوشنر، هناك مبعوث الشرق الأوسط جيسون جرينبلات، وهو يهودي متعصب يرتبط بعلاقات بإسرائيل، ودرس بمدرسة يشيفا اليهودية الدينية، وألف كتاباً حول رحلة العائلة إلى إسرائيل.
ويشارك هذا الرجل المحامي السابق للرئيس الأميركي في رحلات دبلوماسية إلى أنحاء المنطقة، ليس للقاء الزعماء الإسرائيليين والفلسطينيين وحدهم، بل للاجتماع مع مسؤولي البلدان العربية الذي يسعون وراء التوصل إلى حل للنزاع المستمر على مدار عقود من الزمن.
ومن المعروف أن ترامب يحتفظ بأهل الثقة بالقرب منه في مناصب كبرى، ويعد جرينبلات أحد الموالين للرئيس، حيث عمل معه منذ عام 1997، أي منذ أكثر من عقدين من الزمن. ويفضل جرينبلات حل الدولتين، ولكنه أكد أن بناء المستوطنات في الضفة الغربية لا يمثل عقبة أمام عملية السلام.
وأشارت المجلة إلى أن الفلسطينيين اختاروا الضفة الغربية لتكون جزءاً من أي دولة مستقبلية لهم، ويرون ضرورة إزالة أي مستوطنات بها. ويعتبر أغلبية المجتمع الدولي المستوطنات غير قانونية بموجب القانون الدولي، وتمثل عقبة كبرى أمام حل الدولتين الذي يؤيده جرينبلات.
يتولى كل من جرينبلات وكوشنر صياغة خطة للسلام في الشرق الأوسط، التي لا يزال الجزء الأكبر منها سرياً وقيد التنفيذ. ومع ذلك، فمن غير الواضح ما إذا كانت خطوة نقل السفارة في مرحلة مبكرة من ولايته ضمن تلك الخطة على الإطلاق.
ديفيد فريدمان
ربما يكون فريدمان، وهو يهودي متعصب مثل كوشنر وجرينبلات، لديه علاقات أكبر بإسرائيل من الآخرين حول قضية نقل السفارة. وكان فريمان ذات يوم محامي الإفلاس لدى ترامب، وكان يترأس المنظمة المعروفة باسم "الأصدقاء الأميركيون لبيت إل"، وهي المسؤولة عن جمع التبرعات لبناء مستوطنات اليهود المتعصبين بالضفة الغربية، التي اعتبرتها الإدارات الأميركية قبل عهد ترامب غير مشروعة بموجب القانون الدولي.
ويعمل فريدمان حالياً سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل. وقد أصبح أول سفير أميركي يحضر احتفالية حرب الأيام الستة عام 1967، حينما احتلت إسرائيل القدس الشرقية والمدينة القديمة التي تضم الأماكن المقدسة التي يبجلها كل من المسلمين واليهود.
ويعد كبير مبعوثي واشنطن إلى المنطقة على صلة وثيقة باليمين الوطني الإسرائيلي، الذي يتولى مشروع المستوطنات بالضفة الغربية. وقد أعلن أن الأمر يتعلق بموعد نقل السفارة، وليس بمسألة نقلها من عدمه. ويبدو أن رأيه بشأن نقل السفارة إلى القدس قد أثر تأثيراً كبيراً على ترامب.
وبذلك يكون ترامب قد أوفى بوعوده الانتخابية لمؤيديه الإنجيليين وصديقه وموضع ثقته فريدمان.
وعلاوة على ذلك، يذكر مسؤولون أن ترامب، الذي سيرجئ نقل السفارة بعد الإعلان عنه، قد منح فريدمان حرية اختيار التوقيت. ومن الواضح للغاية أن فريدمان سيقرر متى ستكون إقامة سفارة بالقدس مناسبةً لإدارة ترامب.