وضع سيف الإسلام القذافي، ابن العقيد الليبي الراحل معمّر القذافي، خطة جديدة للعودة للسلطة بعد قضائه سنواتٍ في السجن، حيث يُزعم أنَّه يقود حملةً عسكرية على الجماعات الإرهابية في العاصمة الليبية طرابلس.
وخلال الأسابيع الأخيرة، أجرى سيف الإسلام اتصالات بشخصٍ أميركي يتواصل معه منذ فترةٍ طويلة، حيث أبلغه أنَّه يجمع قوةً تسيطر على مدينة صبراتة الساحلية، وادَّعى أنه سيقاتل حتى الوصول إلى طرابلس، حسبما ورد في تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.
وتم إطلاق سراح سيف الإسلام القذافي في يونيو/حزيران 2017، بعد احتجازه 6 سنوات في سجنٍ تابع لإحدى الجماعات المُسلَّحة ببلدة الزنتان في أعقاب الانتفاضة التي حظيت بدعم حلف شمال الأطلسي في عام 2011، وأسفرت عن مقتل والده وتشرذم البلاد.
كان سيف القذافي -الذي تخرَّج في كلية لندن للاقتصاد، ويوصف بأنَّه مؤمن بالحداثة؛ بسبب امتزاجه مع المجتمع البريطاني الراقي- هو الوريث البارز للنظام الليبي سابقاً.
أمَّا الآن، فهو يواجه اتهاماتٍ بإصدار أوامر بقتل المتظاهرين حين خاض أنصار القذافي معركةً يائسة للبقاء في السلطة.
الخطة
وقال متحدثٌ باسم القذافي، في بيانٍ مكتوب وَصَل من خلال ذلك الشخص الأميركي الذي كانت تجمعه بالقذافي علاقاتٌ واسعة قبل سقوط نظام عائلة الأخير: "سيف الإسلام موجودٌ داخل ليبيا، وملتزمٌ بوعده الذي قطعه للشعب الليبي في عام 2011 حين قال إنَّه سيبقى بليبيا للدفاع عن أراضيها أو الاستشهاد في سبيل ذلك".
وأضاف: "إنَّ أفراد القوات التي قاتلت تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وعصابات المهاجرين غير الشرعيين ومافيا تهريب النفط في صبراتة كانوا منتمين بالأساس إلى قبائل مؤيدة لسيف الإسلام، بالإضافة إلى أنَّه يحظى بولاء أولئك الذين كانوا جزءاً من الجيش الليبي السابق".
ومع ذلك، لم يتضح إلى أي مدى يدَّعي القذافي الفضل في عملياتٍ عسكرية يُنفِّذها غيره؛ إذ كان معظم القتال الأخير دائراً بين ميليشيات قبلية تتنافس للسيطرة على طرق التهريب، حسب "الغارديان".
وقال بعض المراقبين إنَّ الشكوك تساورهم حيال قدرة ابن الديكتاتور على حشد أنصارٍ كافين لتشكيل تهديدٍ حقيقي على العاصمة طرابلس.
هزيمة
وتعرَّضت ميليشيا "ورشفانة" القبلية -التي تؤيد القذافي وتسيطر على بعض المناطق المحيطة بطرابلس- لهزيمةٍ ساحقة في الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الأول)، على يد بعض القوات المتنافسة معها من الزنتان والذين كانوا حلفاء سابقين لها، ولكن يبدو أنَّ محاولات الابتزاز التي سعت لها ورشفانة عند نقاط التفتيش على الطرق قد أثارت غضبهم.
وقال ماتيا توالدو، الزميل البارز في الشؤون السياسية لدى مركز المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية البحثي: "لم تكن التطورات التي حدثت على الأرض في مصلحته. يمكنه أن يحلم، لكنَّه لا يستطيع تحقيق أي شيء".
ورغم ذلك، يقول مراقبون إنَّ القذافي لا يزال قادراً على الظهور كقوةٍ سياسية إذا عُقِدَت الانتخاباتٌ في العام المقبل (2018)، وسُمِح له بالترشُّح رغم قرار اتهامه الصادر عن المحكمة الجنائية الدولية في عام 2011 بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية. فضلاً عن حُكم إحدى المحاكم في طرابلس عليه بالإعدام في عام 2015، مع أنَّ المحاكمة جرت غيابياً، ولاقت انتقاداتٍ واسعة من جانب بعض جماعات حقوق الإنسان الدولية.
سابقة
وقال دبلوماسيٌ مشارك في التحضيرات الانتخابية إنَّ الاتهامات الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية ضد القذافي لن تمنعه بالضرورة من الترشُّح أو الفوز.
وأضاف: "لا يمكننا التحكُّم فى هوية المُرشَّحين في الانتخابات، فالقرار في يد الليبيين"، مشيراً إلى سابقة فوز أوهورو كينياتا في الانتخابات الرئاسية لعام 2013 بكينيا رغم اتهامات المحكمة الجنائية الدولية في حقه. وأردف: "يمكنك رؤية أنَّه يحظى بشعبيةٍ على الأرض، لا سيما في الجنوب".
ويسعى القذافي للاستفادة من الشعور المزمن بفقدان اليقين وانعدام الأمن منذ سقوط والده؛ إذ تضم ليبيا برلمانَين متنافسين، وطيفاً من الإقطاعات المتنافسة الخاضعة لإدارة قادة عسكريين وميليشيات، حتى إنَّ اتفاق الأمم المتحدة الضعيف، الذي يهدف إلى توحيد البلاد، يتلاشى تدريجياً، ويدَّعي منتقدوه أنَّ صلاحيته ستنتهي في 17 ديسمبر/كانون الأول 2017، أي في الذكرى السنوية لتوقيعه.
المنافس
وإذا لم يتم التوصُّل إلى اتفاقٍ بين الفصائل على تعديل هذا الاتفاق ومدِّ صلاحيته، فإنَّ هناك مخاوف من أن يسعى المشير خليفة حفتر، قائد ما يسمى الجيش الوطني الليبي الذي يسيطر على شرق البلاد، للاستيلاء على طرابلس، وإطاحة رئيس الوزراء الذي يحظى بدعم الأمم المتحدة فايز السراج وحكومة الوفاق الوطني التي يرأسها.
أمَّا حفتر، فيحظى بدعم مصر وروسيا والإمارات العربية المتحدة. ويقال إنَّ روسيا قد حظيت بموطئ قدمٍ عسكري لها في غرب مصر، بالإضافة إلى توصُّل القاهرة وموسكو لاتفاقٍ تمهيدي في هذا الأسبوع يسمح لطائراتٍ حربية روسية باستخدام المجال الجوي المصري.
وأفادت أنباء بأنَّ حفتر أجرى محادثاتٍ في العاصمة الفرنسية باريس الشهر الماضى (نوفمبر/تشرين الثاني) 2017 مع قادة بعض الميليشيات المتمركزة في طرابلس والتي يعتمد عليها السراج في تأمينه؛ سعياً لإقناعهم بالتراجع أو التخلي عنه. ولم تتضح نتائج هذه الاتصالات إلى الآن، ولكن من المُرجَّح أن تَزيد قلق السراج بشأن مستقبله.
هل يتدخل الأميركيون؟
جديرٌ بالذكر أنَّ السراج التقى الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، يوم الجمعة 1 ديسمبر/كانون الثاني 2017، بيد أنَّ طلباته لتأدية الولايات المتحدة دوراً أنشط، بما في ذلك ضمان أمنه الشخصي وأمن حكومته، قوبلت بالرفض.
وقال مصدرٌ أميركي مُطَّلع على المحادثات: "يريدون ضماناً عسكرياً من الولايات المتحدة يقتضي دفاعنا بالأساس عن مجموعاتهم في طرابلس"، مضيفاً أنَّ هناك مخاوف عميقة بشأن الفساد في حكومة الوفاق الوطني، وسِجل حقوق الإنسان الخاص بالميليشيات التي تحميها.
وأوضح: "هل ستستخدم الولايات المتحدة قوةً عسكرية ضد الجهات الفاعلة المناهضة لخطة الأمم المتحدة في ليبيا؟ بالطبع لا".
ومع ذلك، يُنظَر في العموم إلى حقيقة لقاء ترامب مع السراج -وعقده اجتماعين على الأقل بشأن الوضع الليبي الشهر الماضي- في حد ذاتها على أنَّها خطوةٌ إلى الأمام؛ لأنها تُمثِّل المرة الأولى التي يهتم فيها ترامب بليبيا اهتماماً مباشراً منذ توليه الرئاسة.
لماذا لم يؤيد ترامب حفتر؟
وقال جيسون باك، المدير التنفيذي للجمعية الأميركية-الليبية للأعمال: "حين تولَّى ترامب منصبه، كان هناك خوفٌ من تحيُّز ترامب المُتوقَّع للرجال الأقوياء، مما كان سيقوده إلى دعم حفتر. لكنَّ هذه الزيارة تدحض تلك الخرافة. فترامب يدعم عملية الأمم المتحدة بكل وسعه".
لكن الاتفاق الذي تم التوصُّل إليه بوساطة الأمم المتحدة في شهر ديسمبر/كانون الأول من عام 2015 فشل في التأليف بين الأطراف المنقسمة بليبيا؛ إذ أسفر عن إنشاء مجلس رئاسي في طرابلس كان من المفترض أن يُشكِّل حكومة وحدة، وكان من المفترض أن يوافق مجلس النواب بشرق ليبيا على حكومة الوحدة، لكن لم يحدث أيٌّ من ذلك حتى الآن.
ويسعى المبعوث الأممي الخاص، غسان سلامة، لإبقاء عملية السلام على قيد الحياة بخطة عملٍ جديدة لإعادة تشكيل الحكومة الانتقالية من أجل زيادة فاعليتها في توفير الخدمات، وعقد مؤتمر وطني مطلع العام المُقبل (2018)، على أن يُتبَع نظرياً بإجراء انتخابات.
فرصة في الانتخابات
وثمة شكوكٌ عميقة حيال إمكانية إجراء انتخاباتٍ في ظل المناخ الحالي من انعدام الأمن العام، واعترف سلامة في عطلة نهاية الأسبوع باحتمالية عدم إجراء هذه الانتخابات في عام 2018 كما هو مقرر إذا لم تُستوفَ الشروط.
وفي حال بدء التصويت، إذا عُقِدَت الانتخابات بالفعل، يقول بعض مراقبي الشأن الليبي إنَّ سيف القذافي قد يستفيد من حالة الانزعاج العام من الانقسامات السياسية، والحنين إلى الاستقرار النسبي الذي اتسم به عهد القذافي.
وقال سلامة إنَّ أي قانونٍ انتخابى ستتبناه ليبيا يجب أن يكون "مفتوحاً أمام الجميع"، وضمن ذلك الموالون للنظام القديم وسيف القذافي.
ووصف فولفغانغ بوستاي، الملحق العسكري النمساوي في ليبيا وتونس سابقاً، القذافي بأنَّه شخصٌ استقطابي، ولكنه يحظى بدعمٍ خارجي.
وقال بوستاي، الذي يعمل الآن مستشاراً أمنياً ويكتب العديد من التحليلات عن ليبيا: "ثمة شركاتٌ في الغرب كانت تتعامل مع النظام القديم وترغب في عودة سيف. لكنَّ انضمامه إلى المشهد السياسي سيجعله أكثر انقساماً".