أسدل الحوثيون الستار على مسيرة 40 عاماً للرئيس اليمني الراحل، علي عبدالله صالح (1942-2017)، منذ انخرط في الجيش والسياسة، لكن الساحة لم تخل لهم بشكل كامل، مع توسع قائمة المتضررين منهم.
وأنهت جماعة "أنصار الله" (الحوثيين)، ظهر أمس، حياة حليفها صالح (75 عاماً)، التي كانت حافلة بالانقلابات والتحولات والحروب والصراعات السياسية والمعارك العسكرية والاتفاقات والخلافات.
بدأ صالح بحلف عسكري قبلي بينه وبين الزعيم القبلي البارز، عبدالله بن حسين الأحمر، الذي ساند صالح، حين أمسك بزمام السلطة، عام 1978، وظل الحلف قائماً حتى رحيل الأحمر، عام 2007.
حياة حافلة بالتحديات
بعد قرابة 3 أشهر من توليه السلطة، أحبط صالح أول محاولة لإسقاط نظامه، قادها مجموعة من الضباط والسياسيين المنتمين للتنظيم الناصري، الذي كان يعمل سراً، وأعدم قادة هذه الحركة، عام 1978.
انتقل صالح إلى مرحلة لملمة الأطياف السياسية، التي كانت تعمل في السر، ومنها تنظيم الإخوان المسلمين، حيث كانوا يعملون سراً منذ أكثر من عقد، ثم تعامل مع الاضطرابات في الجنوب، التي عجّلت بالوحدة بين شمال وجنوب اليمن، عام 1990. وفي عام 1994 بدأ أول عملية إقصاء لشركائه، وحارب الحزب الاشتراكي، الذي شاركه عملية تحقيق الوحدة، وطرد قادته، واستولى على الحكم.
وشارك صالح مع حزب الإصلاح (الإخوان المسلمون سابقاً) في الحكم لثلاثة أعوام، لكنه اختلف معهم، وانفرد بالحكم حتى نهايته عام 2012، رافضاً أي شراكة مع أي طرف.
دارت دائرة السياسة وتحالف صالح مع خصمه اللدود، وهم جماعة الحوثي (ينتمون مثل صالح إلى المذهب الزيدي)، بعد أن خاض ضدها ستة حروب، في معاقلها بمحافظة صعدة (شمالاً)، آخرها عام 2010.
صالح تحالف مع جماعة "أنصار الله"، المتهمة بتلقي دعم عسكري إيراني، لمواجهة بقية الأطراف الرافضة للحوثيين، لكن الحوثيين تعلموا من دروس شركاء صالح، فانقلبوا هم عليه، قبل أن يتمكن من لملمة أوراقه العسكرية.
مرحلة جديدة
المشهد في اليمن ليس كما يبدو للوهلة الأولى، أي حتمية هزيمة أي قوة تقف في طريق الحوثيين خلال الفترة المقبلة، فمشهد إعدام الحوثيين لصالح رمياً بالرصاص ربما يكون فاتحة لمرحلة جديدة من الصراع، يصعب التكهن بخاتمتها.
يستند الحوثيون إلى قوة عسكرية مكّنهم منها صالح، بعضها بقصد والآخر بضعفه عن حمايتها، وهذه القوة، إضافة إلى التهور في قيادة المشهد، قد تجعل الحوثيين متفردين بالمشهد لحين من الزمن.
صالح تحالف مع الحوثيين، الذين اجتاحوا صنعاء، في 21 سبتمبر/أيلول 2014، في مواجهة القوات الحكومية، المدعومة منذ 26 مارس/آذار 2015، من تحالف عربي، بقيادة الجارة السعودية.
لم يحتسب الحوثيون للعواقب التي يمكن أن تجلبها عليهم عمليات الإقصاء، قتلاً أو تفجيراً أو مطاردة، لأي من قادة المشهد السياسي في اليمن، وأحدثهم صالح، الذي كان يهيئ نجله أحمد للرئاسة خلفاً له، وما زال حضوره قوياً لدى فئة كبيرة من العسكريين.
يُعتقد أن تواجد نجل صالح، العميد أحمد علي عبد الله صالح، الموجود في دولة الإمارات، سيكون فاعلاً في مستقبل اليمن السياسي، فهو الرجل الذي يبدو مرشحاً للسيطرة على قيادة مواجهة الأنصار ضد الحوثيين في الفترة المقبلة.
فرضيات المواجهة لا تزال قائمة، خصوصاً مع توسع قائمة المتضررين من الحوثيين، لكن فرضيات أخرى تذهب إلى صعوبة الأمر بعد رحيل صالح، بما كان يمثله وجوده من حضور شعبي ما زال كبيراً في العديد من مناطق اليمن.
ولا تبدو الأمور، على الأقل في المدى المنظور، مقلقة عسكرياً لجماعة الحوثي، لكن يبقى المشهد اليمني حاضناً لمفاجآت لا أحد يستطيع التكهن بخباياها، التي كان أحدثها، وليس آخرها على ما يبدو، هو سقوط الرجل القوي (صالح).
ومراراً اتَّهمت جماعة الحوثيين صالح بالتواصل مع دول في التحالف العربي، وخاصة الإمارات، للبحث عن تفاهمات سرية بعيداً عن الجماعة، وهو ما نفاه صالح أكثر من مرة.
قد تعمل دول التحالف، وخصوصاً الإمارات، على إطلاق سراح نجل صالح، الذي سبق لحزب المؤتمر الشعبي العام (بزعامة صالح) أن اتهمها باعتقاله في أبوظبي، بعد إقالته عام 2015 من منصبه كسفير لليمن في الإمارات، ومن ثم تجهيزه كقوة عسكرية ضاربة لمواجهة الحوثيين.
وإضافة إلى أحمد، الذي كان يقود وحدات الحرس الجمهوري والقوات الخاصة، إبان فترة حكم والده (1978-2012)، لدى صالح ابنان عسكريان، هما خالد وصلاح، اللذان لا يُعرف مصيرهما، كما لديه أبناء شقيقه، وهم: طارق صالح، ويحيى صالح، وعمار صالح.
ولا يُعرف مصير طارق صالح، الذي كان يقود المعركة الأخيرة ضد الحوثيين في صنعاء، ويقود معسكراً تدريبياً في منطقة سنحان أثار ريبة الحوثيين.
لكن نجل شقيقه الآخر، وهو يحيى صالح، يتواجد خارج اليمن، وقد يشكل مع أحمد علي عبدالله صالح ثنائياً قوياً يقود المواجهة ضد الحوثيين.
ولا بد أن الرئيس اليمني، عبد ربه منصور هادي، حصل على ضوء أخضر من التحالف العربي، قبل أن، يدعو، أمس، القوات الموالية لصالح إلى التحالف مع القوات الحكومية ضد الحوثيين.
وبعد أن عزى في صالح وبقية "الشهداء"، خاطب هادي أنصار صالح، في خطاب متلفز، قائلاً: "نحن معكم في خندق واحد، وهدف واحد، إنها معركة الجمهورية والثورة والخلاص من الميليشيات الحوثية الإيرانية المتمردة".
وإضافة إلى القوات النظامية، التي ستتكاتف لقتال الحوثيين، فإن الطريقة البشعة التي قتل بها صالح، والروايات المتداولة محلياً عن تصفيته بعشرات الرصاصات في بطنه ورأسه ستثير غضب قبائل سنحان، التي ينحدر منها صالح، وهي من أبرز القبائل حول صنعاء، وستسعى حتماً إلى الثأر من الحوثيين.