(الدين) هو مصطلح يطلق على تلك المجموعة من الأفكار والمعتقدات، التي توضح الغاية من الحياة والكون، وتفسر الأمور الغيبية لمعتنقي هذا الدين.
وترتبط الأديان بشكل كبير بالأخلاق وتقويم السلوك الإنساني للأفراد في المجتمعات الإنسانية.
وكل الأديان الكبرى التي تضم مليارات المؤمنين بها، كالمسيحية والإسلام والبوذية والكونفشيوسية، قائمة في جوهرها على تقديس مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، فنجد في تلك الديانات الكثير من الأقوال المنسوبة لمؤسسي تلك الديانات، سواء إن كانوا أنبياء بُعثوا برسالات سماوية، أو واضعين لمناهج أرضية، تهدف إلى الحفاظ على الأخلاق والرحمة بين البشر، كهدف أساسي ورئيسي لتلك الأديان.
ولذلك فإن تلك الأديان جذبت أعداداً كبيرة من البشر للإيمان بها، لما تحتويه من قيم إنسانية نبيلة كالرحمة والأخلاق والتسامح.
وعندما تتزايد أعداد المؤمنين بأي ديانة تتكون مجتمعات كاملة من المؤمنين المتشابهين في عقيدتهم، وتتحول تلك المجتمعات إلى كيانات مستقلة، سرعان ما تفكر في تنظيم نفسها سياسياً؛ لتكوّن دويلات أو دولاً خاصة بهم.
وفي تلك الحالات تحدث ظواهر جديدة على تلك التجمعات البشرية، وهي وجود مختلفين معهم دينياً وفكرياً تحت سلطتهم، فبعد أن كانوا مشاركين لهم في الحياة في مجتمع واحد، أصبح أصحاب الديانة المهيمنة هم الأغلبية المهيمنة اجتماعياً على المخالفين لهم دينياً، وهذا ما يخلق نوعاً من الوصاية من الأغلبية على الأقليات بعد أن كانوا متساوين في الحقوق والصفة.
وإن لم ينظَّم قانون صارم تلك العلاقة ستتحول تلك الوصاية المزعومة إلى تسلط، وكما عهدنا فإن السلطة المطلقة بدون قانون هي مفسدة مطلقة.
وفي تلك الحالة يحدث نبذ للأقليات، وقد يتطور الوضع إلى تهجير أو قتل للأقليات المختلفين عقائدياً مع المجموعات المهيمنة.
وفي حالات المجتمعات الدينية يكون الدين كما نقله المؤسس هو المنظم الطبيعي والمنطقي لهذا التجمع، ولأن هذه الأديان، أو بعضها، أديان تبشيرية فمن المنطقي أن يكون التعامل مع المخالفين عقائدياً قائماً على الاحتواء والتعاون والدعوة للدين بالحكمة والموعظة الحسنة، وهذا ما نراه في تعاليم بوذا، وعيسى ومحمد عليهما السلام.
ولكن عند موت المؤسس تفقد الأديان المرجعية الصريحة لتفسير تعاليم الدين. وبعد أن يتبع المؤسس تابعيه الأوائل ويتركوا الدولة الناشئة لحكام لم يحملوا الرسالة ولم يؤمنوا بأهدافها تتحول تلك التجمعات والدول الوليدة إلى دول ذات مصالح.
وفي تلك الحالة فإن أصحاب المصالح من الحكام تدفعهم مصالحهم لتأويل الأديان حسب مزاعمهم للحفاظ على مصالحهم.
ولذلك تبدأ التحريفات في التسرب إلى الأديان، ويتحول الدين إلى أداة سياسية يستخدمها الحاكم لفرض سيطرته على الدولة، وتتحول الأديان من الدعوة والتبشير إلى صورة دوغمائية تفرض الدين المحرف الذي عدله الحاكم ليخدم مصالحه، كدين جديد يمتلك الحقيقة المطلقة، ومن تلك الحقائق أن الحاكم هو مندوب الإله على الأرض وطاعته من طاعة الإله.
وأمثلة على ذلك نجد الديانة الزرادشتية بعد أن انتشرت في بلاد فارس قامت الدولة الأخمينية.
وبعد قيام الدولة الأخمينية واتساع رقعتها من نهر السند وحتى شمال إفريقيا على يد الملك كوروش تحولت الديانة الزرادشتية إلى صورة من صور الدوغمائية، فبعد أن أزاحت الدولة الأخمينية الأنظمة السياسية في العراق ومصر تم التعامل مع تراث تلك الحضارات العظيمة بشكل مهين؛ لأن أديان تلك الحضارات تتعارض مع الدين المهيمن.
كما نرى بداية توجيه الديانة المسيحية على يد الإمبراطور الروماني قسطنطين، لكي تخدم مصالحه بشكل مباشر، بعد أن اعتنق المسيحية، وجعلها ديانة الإمبراطورية، بشرط أن يكون هو المتحكم في توجهات الديانة وتوجيهاتها من خلال رجاله وتابعيه من رجال الكنيسة.
كما نجد أيضاً في الديانة الإسلامية مثالاً آخر وهو الحاكم الأموي معاوية بن أبي سفيان، والذي غيّر نظام الحكم في الدولة الإسلامية من الشورى في عهد الخلفاء الراشدين إلى صورة ملكية ينتقل الحكم فيها بالوراثة لخدمة أبنائه، وتبعه أبناؤه في توظيف الدين لخدمتهم، وبذلك تم فرض صورة من الدين الإسلامي تختلف عن منهج النبي محمد المؤسس لتخدم أهواءهم، وتساعدهم في تحقيق مصالحهم.
وبمثل هذه الصور قد شاب الأديان الكثير من التشوش والتحريفات نتيجة الساسة والسياسة، ولكي نفهم الأديان ومبادئها جيداً يجب علينا التنقيب؛ لكي نصل إلى الجذور التي تركها المؤسسون، وتنحية ما خلّفه السياسيون وأتباعهم من آثار سلبية على الأديان جانباً.
حسب تصوري قد أجد في فصل الدين عن السياسة حلاً لكثير من المشاكل التي تعاني منها مجتمعاتنا؛ لكي نتجنب الكثير من المشاهد الدامية التي نراها في العالم في هذه الأيام من قتل وإقصاء وجرائم دينية وعرقية، كما يجب أن نفعّل جوهر الأديان، وهو التسامح والرحمة والحب ومكارم الأخلاق.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.