أتوجّه لكلّ قارئ يومئ برأسه عند قراءة العنوان.. كلنا عرفنا ذاك الموظف المتملق، الساذج.. وكلنا نثني على بعض قدراته الخارقة بتلميع أرضية لا يطأها أصلاً.
كلنا عانينا حقد أرعن صغير، لا يجيد قراءة الرسائل الالكترونية حتى! لا يملك من الكفاءة سوى "أل" التعريف، يضيفها على سيرته الذاتية وبجانب اسمه؛ كي يبدو أمام المرآة أكثر أهمية.
هو يشعر تماماً بنقص ذراعه اليمنى (مجازاً) ويحتاج بعض المواساة، فلا يجد مواساته سوى بإطلاق الشائعات، وتحطيم كل من يهدد وجوده التاريخي.
كم عرفنا من هؤلاء؟!
المصيبة الأكبر حين ينال ذلك الشخص رتبة مدير.. تسترجع لوهلة مشهد "ذليل ينتظر ترقية"، ثم تفتح عينيْك على مشهد أرعن في مقعد متحرك!
تتساءل: ماذا الآن؟ هل أبادر للخروج من هنا بأسرع وقت ممكن؟
تمضي أشهر وسنوات تفكر في الاستقالة يومياً، والهروب من واقع يأتيك بالأرعن ويجبرك على الانصياع لرغباته الصبيانية المتبدّلة..
كم عرفنا مَن هؤلاء؟! وكم تحمّلنا إهاناتهم وأصبحنا مثلهم بموقع الذليل.. لكن لا نبحث عن ترقية! هؤلاء يمتلكون موهبة بقتل المواهب! قدراتهم خارقة بالفعل.
ما الذي يدفعك للبقاء؟ الخوف من المجهول؟ مسؤوليات تحملتها لأنك مجبَر على تحمُّلها؟ لنفترض أنك رضيت بما آلت إليه حالك المسلوبة.. من يجبرك على التعامل يومياً مع مخلوق كهذا؟
تمضي ليالٍ بأكملها تلملم المصائب التي سبّبها بنفسه، وحين تجد الحل، تجده عند مفترق الحلول يحمل عصاً سحرية.. و"voila".
يتحوّل لكائن حارق خارق متفجر! ينقذ السفن الغارقة ويعوم على الماء حاملاً على ظهره البؤساء برابطات عنق وسترات غير واقية.
سأروي لكم قصة صغيرة.. واقعية.. حدثت معي حقيقة..
في إحدى "تجاربي السابقة"، حاولت -وبكل الوسائل- ألا أكون ذلك الشخص.. أقحمت نفسي في تحديات لا نهاية لها.. فشلت كثيراً ونجحت قليلاً، لكن لم ولن أجيد تلميع المواقف الصعبة.
بنهاية الأمر، استسلمت لواقع لا أقوى عليه.. حملت راية التغيير، ومشيت بها حتى أُنهكت قواي، وسقطت الراية على رأسي!
تعلمت درساً قيّماً.. التغيير يبدأ حين يستقيل المدير الأرعن.. قبل ذلك، كل المحاولات مضيعة للوقت والجهد معاً.
لكن، أعترف.. كمديرة لم أكن الشخص المثالي، حاولت أن أكون ذلك الشخص، فكان تركيزي يصبّ في خانة "لن أكون هذا الأرعن"، وانتهى بي الأمر "أرعن من نوع آخر".
الإدارة هي السهل الممتنع.. متى وُجد ذلك التوازن الذي يجمع بين كونك واقعياً ومثالياً في الوقت والمكان المناسبيْن، حينها يستيقظ الجميع مُرهَقاً.. لكن على الأقل، الاستقالة لا تكون الخيار الأوحد.
لذلك، لكل من عانى وما زال يعاني صراعاً يومياً: بين هل أبقى أم أغادر؟ غادِر الآن! لا شيء، لا قانون، لا مبدأ، لا قضية تبرر بقاءك، حيث لا يمكنك أن تبقى!
العالم كبير للغاية، والحياة قصيرة، فلا تجعلها أقصر، ولا تضيّق عالمك وتختصره بجدران ومكتب وكرسي متحرك.. فكّر مليّاً!
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.