ماذا حدث في مسجد الروضة؟

أخطر ما في هذا الحادث أنه يستهدف هيبة الدولة وليس قوتها، كما كانوا يستهدفون سابقاً، والهيبة تختلف عن القوة؛ فالهيبة تمنع والقوة تصد وترد، الهيبة تردع والقوة تدفع. لا توجد دولة أو نظام حكم يستطيع أن يضع حراسة لكل تجمع بشري، وخصوصاً الدول ذات الأطراف المترامية أو الكثافة العددية، ولكن هيبة الدولة تمنع وتردع أي متسلل أو متسلق.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/02 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/02 الساعة 03:39 بتوقيت غرينتش

كان الحادث مروعاً وكان جديداً على المصريين، فقد هاجم المسلحون مسجداً سيناوياً في أثناء تأدية صلاة الجمعة، مما نتج عنه أكثر من 300 قتيل وقرابة 100 جريح، ليُعد ثاني أكثر الحوادث دمويةً في العام الماضي على مستوى العالم كله.

ولم يكن هذا الحادث جديداً فقط في نتائجه؛ بل كان أكثر غرابة في دوافعه، وهذا -على الأقل- بالنسبة لجموع المصريين، فرغم عدم وجود صورة تفصيلية يقينية عما حدث فإن شهادات الشهود والبيانات الحكومية تدفعنا نحو احتمال أرجح؛ وهو أن هذا الحادث تمَّ بيد مسلحي تنظيم ولاية سيناء ضد الحركة الصوفية في قرية بئر العبد السيناوية، وهذا أيضاً دون إعلان أي تنظيم من تنظيمات سيناء المسلحة مسؤوليته عن الحادث.

ولو نظرنا إلى الأمر مليّاً فسنجد -كما هو معلوم- أن التنظيمات المسلحة في سيناء تعاني بشدة هذه الفترة نقصاً في التمويل والعتاد والسلاح، مما يعوقها عن استهداف الجيش المصري، وهذا ما دفعها إلى اختيار هدف شعبي وليس استراتيجياً، بحيث يتم تفادي أي مواجهة أو اشتباك مع قوات الجيش المصري عالية التسليح وفي الوقت نفسه يستطيعون تكبيد الدولة المصرية خسائر فادحة في الأرواح، مما سيكون له تأثير معنوي سلبي هائل في جموع الشعب المصري.

ومن ناحية ثانية، فقد كان تنظيم ولاية سيناء، التابع لتنظيم داعش والمنفذ للمذبحة، يحتاج إلى بسط نفوذه في هذه المنطقة، وخصوصاً على هذه الحركة الصوفية التي يختلف فكرياً معها، وسبق أن قطع رأس أحد رموزها ونقض ضريحين في المكان نفسه لبعض قادة هذه الحركة، وأيضاً أنذرهم وتوعّدهم غير مرة فلم يعودوا.

وكان أيضاً من جملة أهداف التنظيم استهداف عائلة آل جرير التي تتبنى هذه الحركة الصوفية وتشكل معظم قادتها وكوادرها في المنطقة، وعائلة جرير هذه تُعد فرعاً من قبيلة السواركة، المشهورة بتحالفها مع الجيش المصري.

كل هذه المعطيات ينتج عنها صورة كاملة للحادث المأساوي.

أخطر ما في هذا الحادث أنه يستهدف هيبة الدولة وليس قوتها، كما كانوا يستهدفون سابقاً، والهيبة تختلف عن القوة؛ فالهيبة تمنع والقوة تصد وترد، الهيبة تردع والقوة تدفع. لا توجد دولة أو نظام حكم يستطيع أن يضع حراسة لكل تجمع بشري، وخصوصاً الدول ذات الأطراف المترامية أو الكثافة العددية، ولكن هيبة الدولة تمنع وتردع أي متسلل أو متسلق.

لقد أراد تنظيم ولاية سيناء بهذا الحادث أن يوجه رسالته إلى مواطني سيناء بأنه يستطيع متى أراد، وهذه رسالة بالغة الخطورة؛ إذ إنها تصيب بنيان الدولة بضرر بالغ. ومن المؤسف أن هذه الرسالة حملت في طياتها عقاباً أليماً لمن خرج عن طوع التنظيم، سواء بعقيدة أو بتحالف، وكان هذا العقاب خير دليل وبرهان على القوة والنفاذ.

وكما تعمل الدولة المصرية على تدجيج قوتها بتسليح عالٍ غالٍ، فيجب أن تعمل على بسط هيبتها بتدريب رجالها وإنفاذ قانونها.

إن منع مثل هذه الحوادث ممكن، ولكن بجدية العمل في طريقين؛ ثانيهما هو رجال مخابرات مدربون يستطيعون قراءة كل ما في صدور مَن حولهم، وأولهما إنفاذ القانون بصرامة؛ حتى لا يشعر أي آبق بفرصة -ولو ضعيفة- للنجاة بفعلة خارجة.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

علامات:
تحميل المزيد