سؤال المنهج في اتباع الرسول

إن حبنا لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وحرصنا على اتباعه لا يعني أن نكثر من الحديث عن شخصه بقدر الحديث عن سُنته أي منهجه في تصرفاته الدينية والسياسية والاجتماعية، ولا يعني أن الإكثار من الحديث عن خصائصه أننا اتبعناه، ولا يعني أننا فهمنا سُنّته.

عربي بوست
تم النشر: 2017/12/02 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/12/02 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

لا تخلو خطبة جمعة أو درس ديني من سرد الآيات التي تأمر باتباع الرسول، ولا يخلو كتاب يتناول النبيّ وسنّته من الحث على التمثل برسول الله وبسنّته، لكن محتوى الخطب أو الدروس أو حتى الكتب قد يبتعد عن هذا بالحديث عن أمور لا نستطيع اتباع الرسول فيها، كالحديث عن خصائصه وصفاته الجسدية، أو بالاكتفاء بسرد الحوادث التي جرت مع الرسول دون فهم المقصد، أو دون فهم الطريقة التي كان النبي يسلكها في الحوادث السياسية والاجتماعية والدينية.

إن حب الاتباع والحرص عليه لا بد أن يدفعنا للسؤال عن منهج الاتباع وعن الخطوات اللازمة لتحقيق الاتباع بشكله الصحيح، وهذا السؤال، أي سؤال المنهج في اتباع الرسول، يدفعنا لمساءلة مفهومنا عن الاتباع: كيف نتبع الرسول؟ هل بمجرد قيامنا بمثل ما قام به النبي عليه الصلاة والسلام نكون قد اتبعناه؟ هل كل التصرفات التي قام بها النبي هي مطلوبة للاتباع؟ هل الرسول في كل تصرفاته مبلّغ عن الله وبالتالي يجب علينا القيام بما قام به؟

إن أول ما يجب علينا به للجواب عن هذا التساؤل هو أن نفهم النبي عليه الصلاة والسلام ونفهم شخصيته ومهامه التي أوكلت إليه.

إن أول مهمة للرسول عليه الصلاة والسلام هي التبليغ، وهي الوظيفة الأولى التي اختير من أجلها، لكن بالإضافة إلى ذلك فإن الرسول عليه الصلاة والسلام قاضٍ ورئيس الدولة آنذاك، ولا ننسى أنه أيضاً كان بشرا له حاجاته البشرية التي لا ينفك عنها أي إنسان.

وبناء على ذلك لا بد من فهم النبي وتصرفاته وأحاديثه بناء على أحواله الأربع تلك: التبليغ، والقضاء، والرئاسة، والبشرية.

فلا يمكن أن ندّعي الاتباع الكامل للرسول دون أن نفهم سياق الحديث والتصرف النبوي في الإطار الذي رسمه العلماء للنبي عليه الصلاة والسلام، وعندما يوضع الحديث في سياقه المناسب يسهل علينا أن نفهم مقصده، وبالتالي يسهل علينا أن نتبعه بتطبيق مقصده وغايته.

وكمثال على ذلك: نذكر هنا أن الرسول نهى الصحابة عن الاحتفاظ بلحوم الأضحية أكثر من مدة معينة، بل يجب عليهم أن يتصدقوا بها، ثم بعد ذلك أذن لهم بالاحتفاظ بها كما يشاءون.

فعن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: "دف أهل أبيات من أهل البادية حضرة الأضحى زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ادخروا ثلاثاً، ثم تصدقوا بما بقي"، فلما كان بعد ذلك، قالوا: يا رسول الله، إن الناس يتخذون الأسقية من ضحاياهم، ويجملون منها الودك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "وما ذاك؟" قالوا: نهيت أن تؤكل لحوم الضحايا بعد ثلاث، فقال: "إنما نهيتكم من أجل الدافة التي دفت، فكلوا وادخروا وتصدقوا".

حيث نرى أن بعض الصحابة فهم الحديث على أنه في سياق التبليغ عن الله، لكن الرسول بيّن لهم أن هذا الحديث هو لحل مشكلة حاضرة وهو وجود الحاجة، فالرسول تصرف في هذه الحادثة الأولى بمقتضى صلاحيته كرئيس دولة، فمنع الاحتفاظ باللحم وأمر بتوزيعه ليسد الحاجة في وقت الفقر والعوز، ثم لما رأى انسداد الحاجة وغياب العلّة عاد الأمر إلى الإذن العام بالاحتفاظ باللحم، وعليه فإذا أردنا أن نتبع الرسول فعلينا أن نفهم منهجه ومقاصده حتى نحقق المقصد حسب تجليات العصر والزمان والمكان، ففي وقت الحاجة لا بد من التكافل بين الناس، والتصدق بما يجده الإنسان فائضاً عن حاجته، أما في الأوقات الأخرى فالأمر على الأصل في الإباحة، وكيفية تحقيق هذا المقصد أي آليات التنفيذ وإجراءاته إنما يعود للزمان والمكان، وفي هذا الصدد يقول الإمام الشافعي رحمه الله: "إذا دفت الدافة ثبت النهي عن إمساك لحوم الضحايا بعد ثلاث، وإن لم تدف دافة فالرخصة ثابتة بالأكل والتزود والادخار والصدقة".

كذلك فإن اتباع الرسول -عليه الصلاة والسلام- يقتضي التعرف على المشاكل التي كان يواجهها والحلول التي ابتكرها لحل هذه المشاكل، وهذه الحلول لا يمكن أن تكون عامة لكل العصور؛ لأن المشاكل التي يواجهها الناس تختلف باختلاف أزمنتها وأمكنتها، ولكن يجب علينا أن نعرف منهج (سُنّة) النبي في التعامل مع هذه المشاكل، ونقوم بتطبيق هذا المنهج، وكمثال على ذلك: فقد كان منهج النبي -عليه الصلاة والسلام- في الأمور السياسية يعتمد مبدأ الشورى، ففي غزوة الخندق أراد النبي أن يصالح اليهود على جزء من ثمار المدينة، لكن رؤساء الأنصار عارضوا ذلك، ومن ثم وافق الرسول على ما ذهبوا إليه.

إن معارضة الصحابة يجب أن لا تفهم أنها معارضة الرسول، بل إنها معارضة المستشارين السياسيين لرئيسهم السياسي، وعليه فإن السياسي الذي يريد أن يتبع الرسول عليه أن يطبق هذا المنهج.

إن حبنا لرسول الله عليه الصلاة والسلام، وحرصنا على اتباعه لا يعني أن نكثر من الحديث عن شخصه بقدر الحديث عن سُنته أي منهجه في تصرفاته الدينية والسياسية والاجتماعية، ولا يعني أن الإكثار من الحديث عن خصائصه أننا اتبعناه، ولا يعني أننا فهمنا سُنّته.

إن الحديث عن اتباع الرسول ينبع من فهم محمد عليه الصلاة والسلام كرسول ينصح الناس، ويتخذ سيرة معهم وينبع أيضاً من فهم محمد كقائد اجتماعي يعالج المشكلات الاجتماعية الحادثة في مجتمعه بحكمة وروية.

إننا بحاجة إلى دراسات وكتب تشرح لنا "منهجية" اتباع الرسول كقائد، ورئيس جماعة المؤمنين، ومجاهد في سبيل الله، وأولاً وأخيراً كنبيّ ورسول.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد