عادت قضية كفلاء اللاجئين السوريين للواجهة مجدداً في ألمانيا، مع بدء التباحث وسط الساسة والمواطنين في ولاية ساكسونيا السفلى حول إيجاد جهة تستطيع تحمل النفقات الكبيرة التي تصل لعشرات الآلاف من اليورو، اللازمة لمعيشة اللاجئين السوريين الواصلين عبر الكفالة.
فقبل ما يُسمى "أزمة اللاجئين" في خريف 2015، وحينما كانت الضغوطات السياسية على السلطات بشأن اللاجئين غير موجودة، بدأت كل الولايات الألمانية (ما عدا بايرن) برامج استقبال السوريين لأقاربهم عبر الكفيل، ليأتوا بشكل قانوني للبلاد، دون الاحتياج لعبور الطرق الخطرة وعصابات تهريب البشر، على أن يتكفل مواطن أو مقيم في البلاد بالإنفاق على هذا اللاجئ أو حتى عائلة بأكملها لفترة من الوقت.
وبحسن نية، متأثرين بمشاهد الموت والدمار في الصحف ونشرات الأخبار، أقبل الكثير من الألمان على توقيع تعهد بالإنفاق عليهم، على أن تنتهي مدة الكفالة كما قيل لهم، مع حصول القادمين عبر مساعدتهم على حق اللجوء في البلاد بعد أشهر، وليحصلوا على مساعدات بطالة حكومية، كشأن غيرهم من اللاجئين من مراكز العمل (جوب سنتر).
لكن ما لم يكن في حسبان هؤلاء الكفلاء هو التأثير الذي أحدثته "أزمة اللاجئين" لاحقاً، وتشديد السلطات قوانينها الخاصة باللاجئين، بعد وصول مئات الآلاف منهم، فقامت وزارة الداخلية الاتحادية، في 6 أغسطس/آب 2016، بتغيير فقرة في قانون الإقامة لتحمل الكفلاء مصاريف اللاجئين الذين استقدموهم مدة أقلها 3 أعوام وأقصاها 5 أعوام، دون الوضع في الاعتبار حصول القادم عبر الكفالة على صفة اللاجئ.
وأكدت المحكمة الإدارية الاتحادية، في شهر يناير/كانون الثاني 2017، حق الدولة في طلب النفقات من الكفلاء عندما يكون اللاجئون الذين استقدموهم معتمدين على مساعدة الدولة في العيش.
وفي الأشهر الماضية، خرج الخلاف حول من يتحمل التكاليف للعلن، على وسائل الإعلام وفي الأوساط السياسية، بعد أن باتت مراكز العمل "جوب سنتر" تطالب بمصاريف اللاجئين الذين يحصلون على مساعدات منها من الكفلاء، في عدة ولايات.
وانتاب الكفلاء شعور بأن الدولة قد خدعتهم وانقلبت عليهم، بعد أن قدمت لهم وعوداً بأن الكفالة لن تدوم سوى أشهر قليلة.
فوصلت رسالة من مركز العمل للقس يوهانيس تورماير في رعية لوكاس بمدينة فولفسبورغ، بولاية ساكسونيا السفلى، تطلب منه دفع 100 ألف يورو، تكاليف صُرفت على عائلة إيزيدية سورية مكونة من 5 أفراد استقدموها عبر الكفالة في العام 2015.
وبعد أن تم الاتفاق مع سلطات الأجانب حينها أن يتم وقف الإنفاق عليهم حين حصولهم على صفة اللاجئ، وتم ذلك بالفعل، عاد وطالب مركز العمل في الرسالة المذكورة بدفع كل ما صرفه على العائلة، المبلغ الضخم الذي لا تستطيع الرعية تدبره.
وعبر القس في حديث مع تلفزيون "إن دي إر" العام عن أسفه لقيام الدولة بمبادرة استقبال اللاجئين عبر الكفالة، لكنها عادت وتراجعت عما تعهدت به، لافتاً إلى أنه طُلب منهم توقيع التعهد بالإنفاق على اللاجئين كي يأتي اللاجئون بأمان للبلاد، دون الحاجة لطريق البلقان أو عبور البحر المتوسط وعصابات التهريب.
وبحسب صحف "شبكة تحرير ألمانيا"، أرسل مركز عمل لشخص في مدينة فولفسبورغ فاتورة مصاريف 5 أشخاص استقدمهم لألمانيا عام 2014، قيمتها 57 ألف يورو. فيما قيل إنه طُلب من شخص كردي وقع كفالات لجلب ما لا يقل عن 31 من أهله، دفع مبلغ 700 ألف يورو!
وتقول وكالة العمل إنها تتفهم انتقادات الكفلاء، لكن ليس لديها خيار آخر سوى المطالبة بالمال.
وفي حين يطلب الكفلاء حلاً من الحكومة الجديدة في الولاية المكونة من الحزبين الاشتراكي الديمقراطي والديمقراطي المسيحي، تلقي الأخيرة الكرة في ملعب الحكومة الاتحادية، طالبة حلاً سريعاً.
وتعهد وزير داخلية الولاية بوريس بيستوريوس، الأربعاء 29 نوفمبر/تشرين الثاني، بحماية هؤلاء الأشخاص الذين ساعدوا اللاجئين بالمطالب المالية، مبيناً أنه بعث برسالة لوزيرة العمل والشؤون الاجتماعية في الحكومة الاتحادية كاتارينا بارلي في هذا الشأن، مطالباً الحكومة الاتحادية بإيجاد حل سريع للأمر.
وبين بيستوريوس رغبته في وضع القضية على جدول أعمال مؤتمر وزراء الداخلية، الذي سيقام في الأسبوع القادم في لايبتزغ. وتلقي وزارته باللائمة على الحكومة الاتحادية فيما جرى، لتركها هامشاً قانونياً حينذاك، ولا ترى نفسها ملزمة بمساعدة الجميع.
ويصل عدد القادمين لهذه الولاية عبر هذا النوع من التأشيرات إلى 5235 شخصاً، بحسب وزارة الخارجية الألمانية. وتطلب 19 من مراكز العمل في الولاية حالياً من الكفلاء إعادة قرابة 3 ملايين يورو لها كمصاريف أنفقتها على اللاجئين، بحسب استبيان لصحيفة "براونشفايغر تسايتونغ" المحلية.
ويقدر عدد اللاجئين أو العائلات التي يواجه كفلاؤها مشكلة بالنسبة للإنفاق في ساكسونيا السفلى 370.
وأكد ناطق باسم الوزير أنه تم تحذير المواطنين من المخاطرة المالية الحاصلة حينها، لكن بعد فترة من بدء برنامج الاستقبال. وذكرت صحيفة "هانوفرشه ألغماينه تسايتونغ" أن الولاية نفسها كانت تعتقد في صيف 2013 عندما أطلقت هذا البرنامج، أن الكفالة المالية تُلغى بمجرد الاعتراف بالقادم عبرها كلاجئ، قبل أن تخرج الحكومة الاتحادية بقرار مغاير، مبينة أنه تم توجيه سلطات الأجانب في ساكسونيا السفلى، في شهر ديسمبر/كانون الأول 2014، لتحذر المواطنين الراغبين في توقيع عقد الكفالة من المخاطرة المالية.
وتنوي مراكز العمل مواصلة المطالبة بالمال حتى صدور قرار معاكس لما هو عليه الحال الآن، لكن دون أن تمارس أية ضغوط، مدركة أنهم لن يدفعوا في بادئ الأمر، وفقاً لـ"إن دي إر".
ويطالب مجلس اللاجئين في الولاية الكفلاء بالطعن في نص الرسائل التي تصلهم أو حتى تقديم الشكوى حين الضرورة، ويدعو لإنشاء صندوق دعم لمساعدة الكفلاء مالياً، كما هو عليه الحال في ولايتي شمال الراين فستفاليا وهيسن.
وبالمثل في ولاية هيسن، يكافح الكفلاء فيها على الصعيد القانوني، لتجنب دفع مبالغ مالية كبيرة، كشأن رجل يدعى شتيفان هونينغر، كان سعيداً بجلب عائلة سورية من 4 أفراد لبلاده، قبل أن يفاجأ بمطالبته بدفع المصاريف رغم أنهم مُنحوا حق اللجوء.
وأتاحت وزارة داخلية الولاية قبل أشهر للكفلاء الذين أصبحوا ملزمين بدفع مصاريف اللاجئين على مدار سنوات، تقديم طلب تعويض مالي للوزارة، على أن تتحقق منها، كل على حدة. إلا أن 25 من هذه الطلبات ما زالت موجودة في الوزارة دون أن يصدر قرار بشأنها منذ أشهر.
ورفع البعض دعاوى قضائية لإعفائهم من الدفع، منهم هونينغر، الذي اضطر لسحب دعواه مؤخراً لأسباب إجرائية بحتة، بحسب موقع "هيسن شاو".