هذا ما أخبرتني به صديقتي بعد تجربة حب دامت خمس سنوات في الكلية وتكللت بالزواج الذي استمر ثلاثة أشهر؛ ليحسمه طلاق مميت، اخترت هذه الكلمة؛ لأن الطلاق في هذه الحالة يختم القلب بالشمع الأحمر فلا يعد يؤمن بعلاقات الحب الناجحة، وعندما سألتها عن سبب يستحق أن يموت به قلباهما.. كان جوابها صادماً: (ببساطة لم نتفاهم)، لماذا لم يتم اكتشاف التفاهم خلال سنوات الحب؟ ببساطة لأن الحب أعمى عن حماقات البشر.
الحب أعمى وأصم وأبكم.. ترتعش شوقاً للحبيب فلا يعنيك صورة لباسه أو ابتسامته الخجولة أو عينيه الممتلئتين بالحب وفقط الحب، قد تتجاهل عقلك، لا بل تغلق باب المنطق، فالحب يحلّق بعيداً في فضاءات مجهولة لا تتضح معالمها إلا بعد انتهاء مدة الصلاحية المدونة على روحيهما معاً، فإن كان الحب صادقاً لا يحتاج لتاريخ صالح أو غير صالح، يكلله زواج ناجح بالقيم، بالألفة، تعطره المودة والرحمة فيحلقان معاً ممسكين بقوة شعاع الحب لتجاوز خلافات لا تؤدي بالضرورة لقتل الحب، الخلافات في العلاقات الزوجية هي كملح الطعام يضفي مذاقاً مقبولاً ومذاقاً آخر إن كان باعتدال، فإن فاض عن حدّه أصبح الطعام بدون فائدة، بل يسبب أمراضاً كالضغط الذي يؤدي حتماً للانفجار.
لا أصدق أن أي علاقة فاشلة سببها طرف دون طرف، فالزواج يحتاج موافقتين تماماً كقرار انفصال مميت.
قصص عابرة في حياتنا كهوس الحب الأول وكلمات الغرام التي تتحدث عن أول بيت يسكنه الفتى يبقى محفوراً في ذاكرة الفؤاد.
حدثتني صديقة عن قصة انتهت بها في مصحة نفسية كادت تودي بحياتها عشقاً وحباً بدآ فيها معاً بأحلام وردية، فكانت الأولى له وكان الحب الأول لها، فجأة قرر الانسحاب بعد عام من الحب العاصف المجنون، بكت وانتحبت وانهارت شوقاً بل ذُلّاً، كانت تنتظر هاتفه عائداً معتذراً حتى أصبح كل هاتف لا يحوي صوته جنوناً بحد ذاته، كانت تبكي بحرقة الموجوع في الصبا مراهقة حب مجنون موجع.
عانت لأعوام.. هي فقط من أحصت أوجاعها خجلاً.
ومن بين أنقاض فتاة محطمة بزغ شعاع للقلب يومض لها بقوة متمكناً من انتزاعها من براثن ماضٍ مزحوم بالأوجاع الفاشلة، فبعد أن أمست مدينة سوداء جرداء لا مكان للحياة فيها، أصبحت عاصمة زاهية الألوان مزهرة تحوي داخلها الحياة، لا تؤمن بالحب الأول، بل تعتبره حباً بدون صلاحية، قاتلاً بدون رحمة، هادماً لأفراح الصبا ورونق جمال ربيع العمر وروعته.
هل من أطلق (ما الحب إلا للحبيب الأول) مخادع أم نحن قمنا بتفسيره على النحو الذي تستوعبه قلوبنا فنرتديه عذراً لمراهقتنا المبكرة؟
لي صديقة أتمت عامها التاسع معلقةً بحبال الهوى، فسألتها: هل ما زال عنفوان الحب بروعته الأولى؟ أخبرتني أنها لو عاد بها الزمن مراراً ما اختارت إلا حبيباً صبرت على ظروفه أعواماً، فسألته ضاحكة: هل سترحل عند أول مطب من مطبات الزواج أم أنك لا بدّ أن تختم صبر الأعوام بحياة مفعمة بالراحة بعد عناء السنين؟
هذا ما فعله أحدهم بفتاة بقيت على عهده أعواماً، فتركها برسالة نصية بأن لا تضيع عمرها انتظاراً، أو بالأحرى ما تبقى من عمرها، لم يكلف نفسه عناء السفر أو حتى عناء هاتف يُنهي علاقة بدأت بهاتف ألا تستحق منه أن ينهي مأساة بدأتها يداه.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.