سنوات اللامعقول

هل نذهب نحو مزيد من الانهيار؟

أنت خائن أو مختل إن أردت مقارعة الأمير، أو خرجت عن ظله؛ حتى وإن كنت ذا حجة ثاقبة، أو منطق سديد. فالأمير فيلسوف عميق، مخلوق؛ لكنه ملهم، يعلم ما لا تعلم، يفهم ما لا يمكنك فهمه. ولذا وجب توقيفك، وإيداعك مراكز الإصلاح والتهذيب؛ حتى تبرأ من سقمك، أو تطهر من ذنبك بحق الأمير.

وأنت ضال أو أحمق، إن ناديت بالحق، أو طالبت بالعدل، أو صرخت بالحرية. فدنيا الأمير، تتعدد فيها المقاييس، وتختلف فيها المعايير. فالحق هو ما ينطق به، والعدل هو ما يوصف به، والحرية شر يدرأه عنك.

الغربان تنعق في كل مكان؛ عبر الشاشات، وعلى الهواء مباشرة. الكل في خدمته؛ يستعيرون لسانه، يستلهمون فكره، ينذرونك.. يتوعدونك.. يرهبونك، ينتظرونك حتى ترشد، وتعود إلى حضن الوطن، تعود لتنعق مثلهم، تعود لتنعق معهم، نعيقاً في حب الوطن أو حب الأمير.

لا تنزعج؛ فكلاهما واحد في بلادنا.
انهيار الوطن يبدأ بتقسيم أبنائه إلى خونة أو وطنيين؛ باعتماد الأمير، عبر ثلة من الكائنات الفضائية، التي تهبط في كل زمان؛ لتستوطن لسان كل من بيده سلطة، تقوم بتوزيع صكوك الشرف أو الخيانة، بشرائك إن كنت شريفاً، ويلك إن كنت خائنًا، انتبه.. الصكوك معتمدة.. نهائية.. لا يمكنك الطعن عليها.

وبالرغم من ذلك، لا تجزع، فما زال بإمكانك العودة لظل الأمير. ينادونك من بعيد.. يرجون عودتك، يريدون مضاعفة العدد؛ ليباهوا بك المتربصين.

حظر الصمت:
لم يعد صمتك مقبولاً، أيها المملوك في مملكة الأمير، لم يعد صمتك كافياً حتى تأمن غضبه، لم يعد صمتك دليلاً على مبايعته. الأمير يخشى الخلايا النائمة، الموالية لسلفه، فدائماً، عليك البوح بحبه، والتغني باسمه، والتغزل بصفاته، والسير بظله؛ لتفوز بثقته، وتحظى بقربه.

ليس هناك خيار آخر، حتى النفي بات حلماً بعيد المنال.

نبوءة أم مؤامرة:

في العالم العربي، يمكنك التّكهُّن بالشيء ونقيضه في آن واحد، وحيث لا توجد شفافية، أو قنوات اتصال طبيعية بين الشعوب والحكام؛ فيمكنك التّكهُّن بنشوب فوضى خلاقة، أو اندلاع ثورة مدمِّرة، مع الأخذ في الاعتبار أن الفوضى ليست خلاقة بالضرورة، كما أن الثورة لا تكون مدمِّرة، إلا إذا كانت مضادة لخيارات الشعوب.

ما زال الجدل قائماً حول تفسير ما يجري في المنطقة من تحولات جذرية على كافة الأصعدة منذ أواخر عام 2010، مروراً بثورات الربيع العربي، حتى محاولات تهيئة الأوضاع بالقوة لتسريع التطبيع مع الكيان الصهيوني. وانقسم العقل العربي إلى فريقين: أحدهما يربط بين ما يجري في المنطقة من أحداث بالفوضى الخلاقة، التي بشرت بها (كونداليزا رايس) مستشارة الأمن القومي الأميركي السابقة عام 2006، التي على أثرها -حسب زعمها- سوف تتم إعادة تشكيل ديموغرافي، وجيوسياسي للشرق الأوسط من جديد، تمهيداً لإحلال السلام، أو بالأحرى إنهاء دراماتيكي للصراع العربي الإسرائيلي، والآخر يربط بين ما تعانيه الشعوب العربية من مآسٍ وبين عقاب النظم الحاكمة لتلك الشعوب، بهدف إجبارهم على العودة مرة أخرى للقبول بالممارسات القديمة.

مقارنة دراماتيكية:

وليس غريباً أن يتشبث أنصار الثورات المضادة، بفكرة إرجاع الأوضاع المأساوية الراهنة لنبوءة (كونداليزا رايس)، وذلك التشبث ما هو إلا تبرير خبيث لما يفعلونه بحق الشعوب الثائرة بعد عقود ممتدة من المعاناة في ظل نظم حكم غير ديمقراطية.
ومن المنطقي أيضاً أن يتشبث أنصار الحرية بفكرة وجوب الثورة على النظم الاستبدادية، وهدمها، ومن ثم بناء نظم ديمقراطية حديثة على أنقاضها.

ولذا، قد لا يمكنك الفكاك من أسر الحيرة بشأن تفسير تلك الدراما الشرق أوسطية المبكية، بعد أن باتت المنطقة برمتها ضحية المقارنة الظالمة بين التوابع الأولية الطبيعية لثورات الشعوب، وبين الفوضى المقصودة التي تحدثها النظم القديمة عادةً، بهدف تخويف الجماهير من مواصلة التحرك لإزالتها.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هافينغتون بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

اقرأ أيضاً

يعانون التمييز والإقصاء والعنصرية… تقرير رسمي يكشف عن وضع قاتم لأبناء المهاجرين وأحفادهم في فرنسا

بينها ملف نقل السلاح لحزب الله وضمان “ولاء الأسد”.. تفاصيل رسائل خامنئي إلى النظام السوري خلال زيارة لاريجاني لدمشق وبيروت