قال صوفيون في مصر إنهم سيتوجَّهون للاحتفال بذكرى مولد النبي محمد رغم الهجوم الذي تعرَّض له مسجدٌ صوفي في سيناء، الذي راح ضحيته 305 أشخاص وأُصيبَ 128 آخرين.
ويؤكد عبدالهادي القصبي، رئيس المجلس الأعلى للطرق الصوفية، لصحيفة الغارديان البريطانية، أن الاحتفالات ستستمر في المساجد عبر أرجاء مصر، لا سيما في مسجد الحسين في قلب القاهرة.
وأضاف أن الاحتفالات خارج المساجد قد أُلغِيَت. وأردف قائلاً: "سنلغي فقط الموكب الصوفي السنوي حداداً على شهدائنا".
كان الهجوم الذي استهدف مسجد الروضة في بلدة بئر العبد شمالي سيناء، يوم الجمعة 24 نوفمبر/تشرين الثاني 2017، هو الأكثر قتلاً في تاريخ مصر الحديث على يد مُتطرِّفين إسلاميين. فقد انفجرت قنبلة في المسجد على الفور بعد انتهاء صلاة الجمعة، لتقتل الكثيرين ممن كانوا بداخله، ومن بينهم 27 طفلاً.
قتلوا الناجين
وقال النائب العام المصري، المستشار نبيل صادق، إن ما يقرب من 30 مُسلَّحاً حاصروا المداخل الرئيسية إلى المسجد و12 من نوافذه بأربع سيارات دفع رباعي، قبل أن يطلقوا النار على من بداخله.
وأفادت تقارير بأن المُسلَّحين ساروا بين القتلى وأخذوا يُطلِقون النار على من يعتقدون أنهم لايزالون أحياءً.
وبينما ما مِن ادعاءاتٍ بعد بتحمُّل المسؤولية عن هجوم الجمعة، قال شهودٌ إنهم رأوا مُسلَّحين يرفعون الأعلام السوداء لتنظيم "ولاية سيناء"، الذي تعهَّدَ بالولاء لتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العام 2014.
وأفادت وكالة أسوشيتد برِس الأميركية يوم الأحد 26 نوفمبر/تشرين الثاني بأن شيوخاً في القرية قد تلقوا تهديداتٍ من قِبَلِ عناصر منتمية لتنظيم داعش للتوقُّف عن التعاون مع قوات الأمن، ولإلغاء إقامة الشعائر الصوفية للاحتفال بمولد النبي محمد.
خطر دائم
وتحدَّثَ سالم، وهو من سكان بلدة بئر العبد ويصلي في مسجد الروضة، بغضبٍ عن الهجوم، قائلاً: "قضيت الليلة الماضية في دفن أناسٍ أعرفهم، أو على الأقل كنت أراهم في البلدة لسنوات". وأضاف: "دفنَّا 30 أو 40 جثماناً في قبرٍ واحد حُفِرَ بواسطة جرَّافات".
وتابَعَ: "كصوفيين، نشعر دائماً بالخطر. المُسلَّحون يهدمون الأضرحة حتى وإن كانت بالكاد فوق مستوى الأرض – يريدون تفجير الأضرحة الصوفية، حتى أنهم قتلوا ثلاثة من دعاتنا".
وجاء الهجوم في تصعيدٍ عنيفٍ في نطاقِ أولئك المُستهدَفين من قِبَلِ المُسلَّحين. وبداية بشنِّ هجماتٍ على المنشآت العسكرية والأمنية في سيناء في العام 2013، شنَّت الجماعة، التي عُرِفَت سابقاً بـ"أنصار بين المقدس"، هجماتٍ شنيعة ضد الدولة المصرية.
وخلال السنة الماضية 2016، استهدفت الجماعة المسيحيين في سيناء، وشنَّت كذلك سلسلةً من الهجمات الدموية عليهم داخل بعض المدن المصرية. لكن الهجوم على مسجد الروضة يشير إلى أن الجماعة قد وسَّعَت قائمة أهدافها لتشمل المواقع الصوفية، المُتمَثِّلة في الكثير من المساجد عبر مصر.
وتُعد الصوفية مجموعةً من الممارسات المُتضمَّنة في الإسلام، وتتميَّز بالتركيز على القيم الروحانية والتصوُّف، و"يجب فهمها على أنها الخلفية الافتراضية للحياة الدينية في مصر"، وفقاً لتقرير أصدرته مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في 2011.
وتوجد أضرحة الأئمة الصوفيين بجوار الآلاف من المساجد عبر البلاد، بما يتضمَّن ما يقرب من 100 موقع بارز في القاهرة وحدها. ويعتقد أن التعبُّد الصوفي لدى هذه الأضرحة ردة عن الإسلام.
هجمات على مواقع المسلحين
وتعهَّد الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأن هجوم يوم الجمعة "لن يمر دون عقاب"، وبناءً على ذلك شنَّ حملةً من الضربات الجوية ضد ما يُفتَرَض أنها مواقع للمُسلَّحين في شمال سيناء.
وفي يوم السبت، 25 نوفمبر/تشرين الثاني، أصدرت القوات المُسلَّحة المصرية مقطع فيديو للهجوم الجوي، مُتعهِّدةً بمواصلة العمليات التي تستهدف المُسلَّحين.
ولا يُعد دخول شمال سيناء مسموحاً به للرعايا الأجانب، وكذلك للكثيرين من المراقبين المستقلين، مما يجعل من المستحيل التحقُّق من أهداف هذه الضربات أو نجاحها.
خيار مؤلم لكن حتمي لحماية المساجد
وتحدَّثَ السيسي عن الحاجة إلى "ثورةٍ دينية" في الإسلام لمحاربة التطرُّف، وقد أعلن حالة الطوارئ في أبريل/نيسان الماضي 2017 بعد هجماتٍ على كنيستين راح ضحيتها العشرات من المسيحيين.
لكن، رغم هذه الجهود، تظل الآلاف من المساجد التي تتضمن مواقع صوفية، مثل الأضرحة، أو الصوفيين أنفسهم الذين يرتادون هذه المساجد مع رجال دين صوفيين، أهدافاً مُحتَمَلةً الآن.
والنتيجة هي تحد ضخم يواجهه البلد ذو الـ 95 مليون نسمة.
وقال إتش ايه هيلر، وهو مُحلِّلٌ في المعهد الملكي للخدمات المتحدة في لندن: "مع القلة العددية، هناك حاجةٌ للتركيز على المساجد الأكبر التي تتضمَّن أناساً أكثر، أو تلك المساجد التي تحتوي على رموزٍ صوفية بارزة مثل الأضرحة الصوفية".