من معالم التجديد عند الإمام عبد السلام ياسين رحمه الله

يجيب الإمام، رحمه الله، بأن ذلك لن يتم إلا بتربية الطليعة المجاهدة المقتحمة للعقبة نحو إنجاز الوعد النبوي، بالسلوك التربوي الجهادي الجماعي الذي سلكه الصحابة الكرام، ولن يتم ذلك إلا بتجديد السلوك التربوي، بالانتقال من التربية المأذونة إلى التربية المسنونة، ومن الذكر المأذون، أذكار الشيوخ المربين، إلى الذكر المسنون، أذكار المربي الأعظم، صلى الله عليه وسلم.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/27 الساعة 03:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/27 الساعة 03:14 بتوقيت غرينتش

اقتضت إرادة الله، رحمةً بأمة خاتم الأنبياء والمرسلين، صلى الله عليه وسلم، أن يبعث لها على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها.

في المائة الأولى بعث الله الإمام المجدد الأول، رضي الله عنه، عمر بن عبد العزيز، فتميزت فترته التجديدية بتجديد الحكم، الذي كان وراثياً ببيعة إكراه ومن غير مشورة من المسلمين. تنازل الإمام الراشد عن الحكم الموروث وطلب من المسلمين بيعة شرعية، من دون إكراه ولا استبداد.

عاش المسلمون في ظل الحكم الراشد لعمر بن عبد العزيز، أزهى الأيام وحقق خلال فترة حكمه الوجيزة ما لم يحققه سلفه ولا خلفه، الذي سممه فقتله.
رحم الله عمراً ورضي عنه.

يظهر خلال هذا القرن المبارك، القرن الخامس عشر الهجري، من بين علماء المسلمين الأستاذ عبد السلام ياسين، رحمه الله، إماماً مجدداً متفرداً. فماذا جدد الإمام؟

يركز الإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله، على ضرورة العودة إلى المنهاج النبوي، باعتبار الأصل الذي بُنيت عليه حركة الإسلام وفق الفهم النبوي، فجعل عملية التأصيل منطلقاً للحركة والفعل على مستوى الفرد وعلى مستوى الجماعة. في سلوك العبد إلى ربه، أو ما سماه بالخلاص الفردي، وفي سلوك الأمة إلى خلاصها الجماعي.

وقبل الحديث عن عملية تأصيل المفاهيم المنهاجية، لا بد أولاً من الوقوف عند تأصيل مفهوم ومصطلح المنهاج النبوي.

جاء في "المنهاج النبوي تربية وتنظيماً وزحفاً"، للإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله ما يلي:
"نبحث عن المنهاج النبوي المتصل سنداً علماً وعملاً، تربية وتوفيقًا، نبحث عن المنهاج النبوي الكفيل بالفتحين؛ فتح بصيرة المؤمن السالك، وفتح النصر. سلوكان متلازمان كما كان سلوك الصحابة الأبرار".

ثم يضيف: "لفظــــــة (منهـــــاج) القرآنية وردت في قوله عز وجل : ﴿لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجاً﴾. قال حبر الأمة عبد اللّه بن عباس رضي اللّه عنهما: (الشرعة القرآن، والمنهاج السُّنة)".

جاءت لفظ المنهاج النبوي أيضاً، في حديث رواه الإمام أحمد بالسند الصحيح أن رسول الله عليه وسلم قال: "تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً عاضاً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون ملكاً جبرياً فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون الخلافة على منهاج النبوة". وهذا سنعود إليه في موضوع تجديد الحكم.

جعل الإمام عبد السلام ياسين، رحمه الله، من تجديد المفاهيم وتحريرها أولى الأولويات، حتى تكون الحركة متصلة سنداً علماً وعملاً، بعمل الصحابة الكرام، الذين يعتبرهم المنبع الذي يجب أن نرجع إليه؛ لأنهم الأصل، وما دونهم تقليد. لذلك نجد غنى في المفاهيم التي أوردها الإمام، رحمه الله، سواء المفاهيم التربوية أو السياسية الجهادية.

من المعالم البارزة في الفكر المنهاجي التجديدي عند الإمام، رحمه الله، معلم تجديد الفهم للصيرورة التاريخية للمسلمين، بناء على حديث الخلافة على منهاج النبوة.

يقال إن المنتصر هو الذي يكتب التاريخ، وهي حقيقة نجدها ساطعة عند الأمويين ومن جاء بعدهم. أخبر النبي الكريم بأن بعد النبوة ستكون خلافة على منهاج النبوة، وبعدها سيكون الملك العاض، وبعده سيكون الملك الجبري، وبعده ستكون الخلافة الثانية على منهاج النبوة.

لكن المنتصر بالسيف جعل من ملوك العض، الذين عضوا على الأمة ببيعة الإكراه واستبداد السيف، خلفاء، وجعل من نظام ملكهم العاض خلافة، وانطلت الفرية على الأمة وترسخت في أذهان الأجيال أسطورة ظل الله في الأرض.

تجديد مفهوم التاريخ ضروري لرفع الشرعية عن حكام العاض والجبر، من أجل تجديد الحكم.

كيف نجدد الحكم؟
يجيب الإمام، رحمه الله، بأن ذلك لن يتم إلا بتربية الطليعة المجاهدة المقتحمة للعقبة نحو إنجاز الوعد النبوي، بالسلوك التربوي الجهادي الجماعي الذي سلكه الصحابة الكرام، ولن يتم ذلك إلا بتجديد السلوك التربوي، بالانتقال من التربية المأذونة إلى التربية المسنونة، ومن الذكر المأذون، أذكار الشيوخ المربين، إلى الذكر المسنون، أذكار المربي الأعظم، صلى الله عليه وسلم.

ومن المعالم البارزة في هذا الباب، معلم الجمع بين الصحبة والجماعة، التي افترقت بعد الانكسار التاريخي، واستيلاء بني أمية على الحكم.

الجمع بين الصحبة والجماعة تربية، هو انتقال من أنانية التهمم بالخلاص الفردي إلى التهمم بالخلاص الجماعي، والفوز بالله جماعة.

عند الإمام، رحمه الله، ارتبط الخلاص الفردي بالخلاص الجماعي، بالجمع بين العدل والإحسان. وهذا من خاصية المنهاج النبوي، التي بها تحول أفراد أنانيون، المحروم المستعبد منهم والسيد القاهر، المستضعفون منهم والملأ المستكبرون، إلى جماعة موحدة قوية تحمل هَمَّ الجماعة، وتسعى لتحقيق أهداف الجماعة، ويموت أفراد لتبقى الجماعة وتعز.

أختم مقالتي بالإشارة إلى وظيفة المنهاج، الذي هو على وزن مفعال صيغة اسم الآلة كمفتاح، والصيغة تحتمل المصدرية أيضاً كمعراج أو اسم المكان كمرصاد. ومعنى الكلمة لغةً يفيد السلوك والوضوح. قال الراغب الأصفهاني رحمه الله: "النهج الطريق الواضح، ونهج الأمر وأنهج وضح. ومنهج الطريق ومنهاجه".

إذن، فوظيفة المنهاج هي السلوك في وضوح، والسلوك المجدَّد (بضم الميم وفتح الجيم) هو السلوك الجماعي الجهادي، ولا سلوك جماعياً إلا بوحدة التصور الواضح، وذلك من مطالب المنهاج.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد