علاقة داعش بالفكر السلفي

وبالتالي يؤكّدون تحللهم من التزاماتهم تجاه طاعة الحاكم ويرونها غير ملزمة، وفي قضية الصحابة، التناقض الأكثر وضوحاً هو تكفير الخوارج للصحابة، عكس السلفية التي ترى أن زمنهم هو خير القرون، فنجد أن الخوارج قد كفّرت معاوية بن أبي سفيان والإمام علي بن أبي طالب، وثاروا على الخليفة عثمان بن عفان وقتلوه ودفنوه في مقبرة يهود.

عربي بوست
تم النشر: 2017/11/27 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2017/11/27 الساعة 03:21 بتوقيت غرينتش

التشبيه المناسب للسلفية هي أفلام الأبيض والأسود، وما لهذه الأفلام من سطوة معرفية حملتها على إنكار الألوان المتواجدة في الطبيعة والزعم أنها مصطنعة، وهذا ما يحدث تماماً مع خصوم السلفية، فما من خصم فكري حاول على الأقل تصويبهم -حتى لا نقول نقدهم- ومناقشتهم بالتي هي أحسن، إلا وكفّروه واتّهموه في دينه، بل وهذا ما يحدث حتى فيما بينهم ويختلفون مع أنفسهم أو يتمرّدون فتصبح عقلية الأبيض والأسود سبباً في تدمير أنفسهم.

وما زاد في تورّط السلفية في الإرهاب، هو طرحهم لفكرة الخلافة، رغم أن هذا يعني أن نظرتهم المستقبلية غير موجودة؛ لذلك هم يتخبّطون كلما أرادوا خلافة في مكان ما ودعوا إليها إلا وكانوا مجرمين، تخرب البلدان على أيديهم وتسقط ضمائر الناس وأديانهم، وهذا دليل إضافي على أن فكرة الخلافة هي فاسدة لا تصلح لأي مجتمع، حتى مع أمثلتهم ونماذجهم يعترفون أنه لا يوجد نموذج واحد يمثّلهم، فتارةً يتكلّمون عن الأمويين وتارةً عن الخلفاء الراشدين وتارةً في الدولة العبّاسية وهي نماذج نشأت أصلاً على التناقض فيما بينها.

إن إحدى النقاط التي جعلت السلفي يؤمن بأنه على الحق، هو نجاح شيوخه في الفصل بين مذهبه ومذهب داعش، وإيهامه بأن داعش هم خوارج هذا العصر، ولقد انطلت هذه الكذبة على السلفي بنجاح؛ لأن الإنسان غالباً لا يحب الإنصات إلى صوت الحقيقة، بل يحب أن ينصت إلى ما يُرضي فكره وأهواءه، فيتعايش مع الأفكار حتى وإن كانت متناقضة وغير واقعية.

أولاً: الخوارج فرقة إسلامية نشأت على يد مجموعة ما يسمونهم بـ"القرّاء"، أي قرّاء القرآن وحفظته، ورغم أن عهد تدوين الحديث لم يبدأ في عهدهم، فإن الخوارج كانوا على قطيعة تامة مع رواة الأحاديث ولا يقبلون إلا بالقرآن، وقد كانوا من الثائرين على حكم عثمان بن عفاّن، ويعود ذلك إلى رفضهم استئثار قريش بالحكم.

وهنا يبين لنا رفض الخوارج لأي رابط في تعيين خليفة المسلمين، فالخلافة ليست في بيت النبوّة فقط، أو بين صحابة رسول الله، كما أن الخوارج لا يقولون بوجوب الخلافة ويؤمنون بمبدأ الحاكمية (لا حكم إلا لله).

وبالتالي يؤكّدون تحللهم من التزاماتهم تجاه طاعة الحاكم ويرونها غير ملزمة، وفي قضية الصحابة، التناقض الأكثر وضوحاً هو تكفير الخوارج للصحابة، عكس السلفية التي ترى أن زمنهم هو خير القرون، فنجد أن الخوارج قد كفّرت معاوية بن أبي سفيان والإمام علي بن أبي طالب، وثاروا على الخليفة عثمان بن عفان وقتلوه ودفنوه في مقبرة يهود.

وإذا اطلعنا على فكر الخوارج الديني نجد أنهم يكفّرون مرتكب الكبيرة ويرونه مخلداً في النار؛ لأن الإيمان عندهم لا يتجزأ والكبيرة تنافي الإيمان، كما تتفق الخوارج مع المعتزلة في قضية القدر.

لو نعود إلى داعش فسنجد أنها على عكس الخوارج، فالإسلام عندها هو القرآن والسنة النبوية، وأهمها أحاديث البخاري ومسلم ومن لا يؤمن بأحدهما فهو كافر بالسنّة، وفي قضية الخلافة داعش ترى أن زعيمها "أبو بكر البغدادي" تحققت فيه شروط الخلافة على مذهب السنّة، وأهمها انتسابه إلى قريش، وبالتالي نلاحظ هنا أن الرابط الديني والعائلي أساسي في اختيار الخليفة عملاً بقول الصحابي "أبي بكر" (الخلافة في قريش)، كما أن داعش ترى أن الخلافة فرض كفاية، وهو نفس حكمها في المذهب السنّي، ولو نعود إلى مسألة الصحابة فإن داعش لا تقول أبداً بكفر الصحابة، بل لا يجوز حتى انتقادهم.

وفي فكر داعش الديني نجد أنهم لا يقولون بكفر مرتكب الكبيرة، ويرون أن الإيمان يزيد بالعبادات وينقص بالمعاصي والكبائر، ويؤمنون بالحديث المنسوب للرسول المدوّن في مصنّف البخاري الذي يقول بخروج كل من يقول لا إله إلا الله من النار: أي: نفس رأي مذهب "أهل السنة والجماعة"، وفي مسألة القدر فإن داعش جبرية أي أن مثلاً تعيين أبي بكر البغدادي كزعيم لها قدر لا يمكن ردّه، ويرون أن الخروج على الحاكم يعادل الكفر، في مسألة القدر فنجد أن داعش قريبة من موروث المذهب السني، وهو نفس مذهب الأمويين قديماً، بل يمكن أن نقول: إن داعش هي تطبيق عملي لأفكار هذا المذهب.

ومن عقد المقارنة بين الخوارج وداعش نجد أن الخوارج لا علاقة لهم بداعش، بل يختلفون معهم في الكثير من القضايا، ومنه نستنتج أن الفكر السلفي هو وقود داعش، وهذه الأخيرة هي امتداد للسلفية وتطبيق للفكر السلفي فعندما نبحث عن التطبيق، لدينا حدّ الرجم، فالسلفية تؤمن به وتطبقه وفيديوهات الرجم شاهدها المليارات على مستوى العالم، رغم أنه لا ذكر لهذا الحد في القرآن بل هو موجود في كتب الأحاديث النبوية، وهذا لأن السلفية تؤمن بخبر الآحاد، أما الخوارج فلا يعترفون بالحديث أصلاً.

وفي قضية التكفير فإن السلفية تكفر الشيعة والصوفية وجميع الطوائف الإسلامية، فالفظائع التي ارتكبتها داعش في حق الشيعة والأيزيديين ما هي إلا تطبيق لهذا التكفير، والسلفية ترفض أي تسامح مع أصحاب الديانات الأخرى، وترفض إقامتهم لشعائرهم في معابدهم عملاً بفتوى ابن تيمية: (.. أما دعواهم أن المسلمين ظلموهم في إغلاقها؛ فهذا كذب، مخالف لإجماع المسلمين فإن علماء المسلمين من أهل المذاهب الأربعة -مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد- وغيرهم من الأئمة، كسفيان الثوري والأوزاعي والليث بن سعد وغيرهم، ومن قبلهم من الصحابة والتابعين؛ متفقون على أن الإمام لو هدم كل كنيسة بأرض العنوة -كأرض مصر والسواد بالعراق وبر الشام ونحو ذلك- مجتهداً في ذلك، ومتبعاً في ذلك لمن يرى ذلك، لم يكن ذلك ظلماً منه، بل تجب طاعته في ذلك ومساعدته في ذلك ممن يرى ذلك وإن امتنعوا عن حكم المسلمين لهم؛ كانوا ناقضين العهد، وحلت بذلك دماؤهم وأموالهم).

فهذا الفقيه الذي يعتبر مرجعية السلفية وداعش، يرى أن هدم معابد المسيحيين شعيرة دينية وليست ظلماً، بل يجب مساعدة من يفعل ذلك، وإن اعترض المسيحي على هدم معابده وجب على المسلم قتله، دون أن نتكلّم عن قضايا أخرى التي تجمع بين داعش والسلفية مثل الفرقة الناجية، والناسخ والمنسوخ، وقتل المرتد، ونشر الإسلام بالغزوات والقتل، وحرمة انتقاد الصحابة، والتشكيك في صحّة البخاري ومسلم، والولاء والبراء، وكفر العلمانيين والليبراليين والفلاسفة، فماذا يمكن أن نقول عن السلفية وداعش؟ أليس العلاقة بينهما كعلاقة المشبه بالمشبّه به؟ أهل على السلفية أم الخوارج؟

إن من يقول إن داعش هي من الخوارج يمارس التدليس العلني؛ لأن أغلبية المسلمين لا يعرفون شيئاً عن تاريخ الفكر الإسلامي وتاريخ تشكّل المذاهب الإسلامية، وهذا ما ساهم في خداع المسلمين وإبعاد شبهة الإرهاب عن السلفية؛ لأنه عندما طبقت داعش أفكار السلف تجلى القبح بأسوأ صوره، فأصبح الفكر السلفي مثيراً للريبة والشك حتى عند السلفيين أنفسهم مثل الشيخ "عادل الكلباني" إمام الحرم المكي السابق الذي اعترف بأن داعش هي نتاج تطبيق السلفية.

وفي الأخير.. إن تنظيم داعش لم يخرج من الكهوف، بل مصادر فكره واضحة، وهي السلفية، ومع هذا هناك الكثير من الشيوخ الذين يحاولون تجميل قبح الفكر السلفي فيدّعون أن القائمين على "داعش" لا يعرفون مقاصد الشريعة وطرق تطبيقها ويا لَه من ادعاء!

فكيف يستقيم هذا الادعاء والقائمون على داعش هم أناس مثل السلفيين فكراً وعقيدةً، وهم يأتون بالتفصيل بأفكار ووقائع عمرها 1400 سنة وطبّقوها كما دوّنت في كتب الفقه، وفي النهاية يقولون: إن الخطأ في أنهم لم يفهموا الدين و مقاصده.

ملحوظة:

التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.

تحميل المزيد