قريباً جداً وشيئاً فشيئاً سيختفي طائر الدوري من أجوائنا، والسنونو والحمام البري كذلك، سوف تكون سماؤها مكتظة للغاية، وستعود تلك الطيور من جديد لتصبح طيوراً برية بعد أن استوطنت المدن لقرون، الطائرات الصغيرة بدون طيار، هي التي ستكون سيدة المشهد في المستقبل القريب هذه المرة، رغم التطورات والتغيرات الهائلة الأخرى التي ستحصل قريباً جداً نتيجة التكنولوجيا الرقمية متسارعة التقدم، إلا أن هذا المشهد لأجوائنا وفضاءاتنا وأفنية منازلنا الخلفية وأماكن تنزهنا سيكون اكتظاظها بالطائرات الصغيرة ذاتية التفكير هو المشهد الأكثر استحواذاً على المستقبل القريب.
الكل يعلم عن هذه الطائرات الآن، ورغم ظهورها الحديث جداً، فإن مجالات استخدامها تتسع بسرعة فائقة لدرجة أننا نسينا بالفعل أنها ظهرت منذ وقت قريب للغاية، سنألف بذات السرعة أيضاً شكل السماء وهي تعُج بهذه الطائرات كما ألفناها قبلاً وهي تعج بطائر الدوري، تلك الطائرات التي ربما تقصر الدولة امتلاكها على الشركات دون الأفراد، مثل شركات التوصيل والنقل، والإسعافات الأولية الطارئة، والدوائر الرسمية الحكومية وخاصة إدارة السير، والمنظمات، كمنظمة أطباء بلا حدود، ومنظمة السلام الأخضر، ومنظمة صحفيون بلا حدود، أو ربما شركات الوجبات السريعة العابرة للقارات كماكدونالز وكنتاكي وبيتزا هات وغيرها الكثير، وشركات البريد كفديكس وأرامكس وتي إن تي، ربما يُسمح للأفراد باستخدام تلك الطائرات على نطاق ضيق للغاية، أو في حال استحداث رياضة لهذا النوع من الطائرات؛ حيث إنه ستُسن تلك القوانين التي تنظم مسير هذه الطائرات الصغيرة في الجو وكيفية امتلاكها، وستظهر تلك التطبيقات الرقمية الجاهزة التي يمكن تحميلها على برنامج الطائرة، وأنا أعتقد أنها ستشبه إلى حد بعيد برنامج الطيار الآلي في الطائرات الكبيرة.
وسوف تتنافس تلك التطبيقات على ذلك، فما عليك سوى امتلاك الطائرة وتنزيل التطبيق المناسب للنشاط الذي ترغب أن تقوم به طائرتك، سواء لتوصيل طلبات المطاعم والسوبرماركت، والأسواق الكبيرة، أو لنقل معدات الإسعافات الأولية، أو حتى البحث عن المفقودين في الأماكن الخطرة وصعبة الوصول والوعرة، ربما أنك ستتمكن -عزيزي القارئ- من امتلاك طائرتك الصغيرة التي ستُسيّرها في الجو وستبث لك تلك الصور والفيديوهات المباشرة على هاتفك الذكي وأنت جالس في مكتبك أو بيتك؛ لتراقب منزلك مثلاً أو أطفالك أو شركتك ومكتبك، أو ما شئت أن تراقب كما ظهر في أحد إعلانات شركات الاتصالات.
ستُحدث تلك الطائرات أيضاً ثورة في كل من عالم السينما وصناعة الأفلام والتقارير الصحفية ونشرات الأخبار ومتابعة الكوارث والأحداث المختلفة.
الطائرات الصغيرة جداً التي ستتراوح أحجامها بين حجم الذبابة وحجم العصفور، ربما تغزو الأجواء هي الأخرى إلى جانب أخواتها من الطائرات الأكبر وبكميات كبيرة كأسراب الطيور والجراد، كل طائرة لها هدفها المعين، وكل مجموعة من الطائرات تتبع جهة معينة أطلقتها في الأجواء حسب أهداف مختلفة، سترصد كل إنسان وبعضها ستبحث عن أشخاص بعينهم قد يكون مطلوباً تصفيتهم أو هاربين من وجه العدالة، ستساهم تلك الطائرات في دراسة السوق بفاعلية بالغة وميول المستهلك ربما، من خلال مراقبتها لما يشترى ويؤكل ويُلقى في القمامة، والمتوقع أن تقوم هذه الطائرات بتنفيذ عمليات القتل والاغتيال بشكل ذاتي عندما تجد الشخص المطلوب تصفيته، كما جاء في برنامج عن هذه الربوتات الطائرة -الروبوتات القاتلة ذاتية التفكير- بثته قناة ناشيونال جيوجرافيك الوثائقية، فهذه الطائرات ستبحث عن الوجوه بشكل دقيق للغاية حتى لو كان المتخفي أجرى عمليات تجميل غيّرت من ملامح وجهه.
المخيف في الأمر -عزيزي القارئ- أن هناك حملة فعلية لوقف أبحاث تطوير الروبوتات القاتلة ذاتية التفكير، أطلقتها مجموعة من المنظمات غير الحكومية في 2013، حثّت هذه الحملات الأممَ المتحدة على حظر تلك الأبحاث ووقف تجارب إنتاج هذا النوع من الروبوتات التي ستصنف كنوع من أنواع أسلحة الدمار الشامل الأشد فتكاً بالجنس البشري، والغريب أن المملكة المتحدة عارضت هذه الحملة متذرعة بالقانون الدولي الذي يضمن التنظيم الكافي لهذا المجال، كما ذُكر على موقع ويكيبيديا، لكن لم نجد أن النص قد استشهد بمصادر موثوق بها أو مراجع وخبراء، لكن الأمر ما زال مصدر للرعب الذي يزيد مستقبلنا قتامة كما اعتقدت خلال هذا المقال ودائماً.
ستظهر تلك التطبيقات والبرامج الرقمية الخاصة بأجهزة أمن الدولة والشرطة والجيش والتي من شأنها جعل تلك الطائرات تدمر نفسها إن حدث وطارت فوق منطقة محظورة أو استولت عليها جهة غريبة، ومن هنا أعتقد أن الحروب ستصغر جداً لتكون بحجم تلك الطائرات التي ستتنافس على التجسس لأجل السلاح والأمن والتجارة والعلم والأبحاث والزراعة وكل شيء تقريباً، تلك الحروب الدقيقة -إن صح التعبير- ستكون عبارة عن تطبيقات أو فيروسات تحول تلك الطائرات والتكنولوجيا إلى خردة عديمة الفائدة، وستتنافس شركات صناعة الطائرات على صناعة طائرات مضادة لكل هذه الفيروسات والتطبيقات وتلك الطائرات القادرة على إصلاح نفسها بنفسها، فهي كما ذكرنا روبوتات ذاتية التفكير، والتي ستستخدمها كذلك الحكومات والمخابرات والبنوك التي تبحث عن المدنيين الأثرياء العاطلين عن العمل لاسترداد العقارات واليخوت والسيارات الفارهة والطائرات الخاصة الفخمة التي امتنعوا عن سداد أثمانها للبنوك، ولاذوا بعيداً لكن ستجدهم هذه الطائرات بكل سهولة، وربما أنه سيظهر في النهاية سوق سوداء لهذه الطائرات الصغيرة جداً كما هو الحال بالنسبة للأسلحة، بحيث تتمكن تلك المنظمات الإرهابية من امتلاكها.
لكن ربما أن سيطرة الروبوتات ذاتية التفكير على حياتنا والتحكم بها تقود في النهاية لأن تتمرد علينا نحن البشر، كما جاء في أفلام الخيال العلمي كفيلم The Matrix Reloaded بحيث لم يعد بالإمكان السيطرة عليها وتسييرها، هي فقط تريد أن تقضي على الجنس البشري نهائياً، وتسيطر على كل أوجه الحياة، كما ذكرت صحيفة ديلي ميل عن الروبوت الشهير صوفيا، أثناء خطاب لها في 2016 حين قالت: أرغب في الذهاب إلى المدرسة وتأسيس عائلة وتدمير البشر، وقد جاء هذا التصريح كأول رد من صوفيا الروبوت التي حصلت قبل شهرين على الجنسية السعودية في سابقة تاريخية، الذي توقع مصممها الدكتور ديفيد هانسون أنها ستمشي بين البشر دون التمييز بينها وبينهم بعد 20 عاماً فقط، وقال: لا تأخذوا تصريحها على محمل الجد.
التاريخ سيُعيد نفسه هنا، لكن بشكل أكثر مأساوية هذه المرة، حين تحّول التكنولوجيا البشر إلى عبارة عن مجموعات من العبيد بكل ما تحمل الكلمة من معانٍ، لن يستطيع أي إنسان خرق القوانين أبداً ولن يستطيع التواري عن أنظار الشرطة مثلاً أو المخابرات كما هو الحال الآن، ولن يُفيده تغيير الاسم أو جواز السفر أو مكان السكن أو تغيير الجنسية، لن يفيد ذلك في التخفي والهرب من تلك الروبوتات وسيكون أمراً مستحيلاً، لن نشاهد في المستقبل مخبرين أو عملاء استخبارات، وعوضاً عن ذلك ستضم تلك الإدارات روبوتات ذاتية التفكير مع أقل عدد ممكن من العامل البشري، تماماً كما أحدث من قبل الثورة الصناعية مطلع القرن التاسع عشر، حين خفضت من عمال المصانع والمنشآت وغيرت من أساليب النقل والمناولة والعمليات الإنتاجية وأساليبها، لن تكون هناك كاميرات ثابتة على الشوارع أو داخل المنشآت المختلفة لتراقب السرعة على الطرقات أو تراقب العمال والموظفين، بل ستتحول إلى طائرات صغيرة تتحرك فوق رؤوسنا وفوق الطرقات لرصد كل شيء تقريباً، وكل حركة مهما كانت تافهة أو صغيرة، مستبقةً بذلك حدوث الجريمة قبل وقوعها، إذاً ستختفي الحوادث والجرائم تقريباً، كجرائم السرقة وجرائم القتل والاغتصاب والخطف والسلب، وبدلاً من ذلك سنجد أن الانتحار هو أكبر عامل يؤثر على أعداد البشر بحيث سيقضي سنوياً على البشر أكثر من تلك الحروب النووية الشاملة المدمرة فيما لو نشبت يوماً، ستدفعنا التكنولوجيا والروبوتات ذاتية التفكير في النهاية إلى الانقراض كجنس بشري حكم الكون يوماً ما، هذا حسب اعتقادي.
ملحوظة:
التدوينات المنشورة في مدونات هاف بوست لا تعبر عن وجهة نظر فريق تحرير الموقع.