لم تكن ليلة الـ 25 من نوفمبر/تشرين الثاني 2017، كباقي ليالي مدينة الدار البيضاء، إذ اندلعت مواجهات عنيفة بين سكان الأحياء المجاورة للمحطة الطرقية الشهيرة "أولاد زيان" وبين مئات من المهاجرين الأفارقة الذين يتَّخذون من المحطة وفضاءات قريبة منها مأوى يلوذون إليه ليلاً.
وفيما لم يتم تسجيل أي خسائر في الأرواح ودون إصابات في صفوف المغاربة والأفارقة المنحدرين من جنوب الصحراء، تسببت المواجهات التي تبادل فيها الطرفان التراشق بالحجارة، في تكسير عدد من السيارات مع إضرام النار في أشجار حديقة يتخذُها المهاجرون مأوى لهم، في وقت سارعت فيه عناصر الشرطة إلى التدخل لفض النزاع ووقف أعمال العنف حائلة دون تطور الأوضاع نحو الأسوأ.
نزاع كبير
للفريقين المتنازعين روايتان مُتباينتان حول دوافع هذا الشجار العدواني، ففي الوقت الذي يؤكد شهود عيان أن الأمر يتعلق بتحرُّش مهاجر بإحدى الفتيات ليتدخل أقاربها لحمايتها والانتقام لها، أشار آخرون إلى أن إقدام شبان مغاربة على إضرام النار في بعض الأفرشة المتهالكة الخاصة بالمهاجرين داخل حديقة عمومية أجَّج الوضع وأشعل فتيل الشجار.
مناوشات شخصية بين طرفين، سرعان ما تطورت إلى مواجهات كبيرة بين المغاربة الذين هبُّوا للدفاع عن بعضهم وبين مهاجرين منحدرين من جنوب الصحراء هدَّهُم الجوع والتشرد والانتظار، ليُحوِّلوا منطقة "الدرب الكبير" إلى ساحة حرب حامية الوطيس استُعملت فيها الحجارة والعصي واعتمَدت على الكرّ والفَر.
شجار كبير دفع الأهالي إلى إغلاق نوافذهم وأبواب بيوتهم، فيما عمد أصحاب المحلات التجارية المتواجدة على طول الشوارع المؤدية صوب المحطة الطرقية والتي يتخذها المهاجرون السريون وكذا الشرعيون مكاناً للتسول، إلى إغلاق محلاتهم مخافة تعرضها للسطو والتخريب على يد المتشاجرين.
غضب أم عنصرية؟
ولم يُخفِ سكان الأحياء التي شهدت المُواجهات استياءهم البالغ من تواجد المهاجرين الأفارقة بكثرة حولهم، خاصة وأن المنطقة شهدت إنشاء مخيمات خاصة بالأفارقة تضم المئات، وأكد مواطنون مغاربة في تصريحات صحافية متطابقة أنهم باتوا متخوفين من الخروج ليلاً إلى الشارع مخافة التعرض للسرقة أو الاعتداء.
وقالت مواطنتان مغربيتان في تصريح مصور لجريدة هسبريس، إن النساء بتن مرعوبات من المرور بمحاذاة الحديقة التي تجمع المهاجرين مخافة التعرض للاغتصاب وأعربن عن خوفهن على الأطفال من الاختطاف مؤكدات بنبرة غاضبة "ما عاد بوسعنا الخروج للشارع لقضاء أغراضنا، نخاف على أنفسنا وعلى أبنائنا الصغار من التحرش".
وسار مواطنون آخرون إلى التأكيد على أن المهاجرين هم من بدأوا الهجوم على الساكنة وأضرموا النيران في الحديقة وأشجارها، معربين عن سخطهم من عدم احترام المواطنين والدولة"، فيما عمد بعضهم إلى انتقاد تجمهر الأفارقة بطريقة عشوائية مشتكين من الفوضى والروائح الكريهة، وفق تعبيرهم.
المهاجرون الأفارقة، الذين رفعوا شعارات تتهم المغاربة بالعنصرية، نفوا الاتهامات الموجهة إليهم جملة وتفصيلاً، وأشار أحد المهاجرين من جنسية غينية ويقيم بطريقة شرعية بالمغرب قائلاً "لم نرم الحجارة ولا اغتصبنا النساء، لسنا ضد المغاربة ولا ضد الدولة، المغاربة ضد حياتنا هنا، هم لا يرغبون بنا، لكن هذه الطريقة التي انتهجوها ليست الوسيلة الأفضل لمنعنا".
واشتكى مهاجر آخر لوسائل إعلامية، الظروف المزرية التي يتخبطون فيها، فيما رفع آخرون أفرشة من الورق المقوى متسائلين بالقول "هل يستوي أن ننام على هذا الشيء؟"، ليؤكد المتحدث بالقول "لم نقم يوماً بالاعتداء على مغربي أو مغربية، كيف لنا أن نؤذيهم وقد منحونا كل شيء"، متابعاً "نحن هنا لأننا لا نملك البديل ولا خيار آخر أمامنا".
وذهب مغاربة على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى التنديد بالمواجهات وتأكيد أن المهاجرين بعيدون عن التحرش أو الاعتداء، فيما طالب البعض بالحد من توافد المهاجرين الأفارقة على المغرب خاصة وأنهم لا يفعلون شيئاً سوى التسول في شوارع المدن دون أن تتوفر لهم سُبل العيش الكريم أو فرص الشغل.
إدماج قاصر!
الفاعلة الجمعوية شيرين حبنوني، أكدت أن المناوشات التي حدثت بين المهاجرين والمغاربة تعطي صورة غير مشرفة عن المغرب، معتبرة أن الوقت حان لضمان حياة كريمة للمهاجرين وإدماجهم داخل المجتمع المغربي.
وقالت عضوة جمعية "الأيادي المتضامنة" المشتغلة في مجال الهجرة، في تصريح لـ"عربي بوست"، إن ما حدث ليلة الجمعة بالبيضاء كان منتظراً ومتوقعاً ذلك أن الظروف التي يعيش في كنفها المهاجرون صعبة وكارثية.
وأوضحت المتحدثة، أن طريقة تعامل المغاربة مع المهاجرين المنحدرين من جنوب الصحراء تتسم بنوع من الصراع، ليس فقط في الدار البيضاء بل في طنجة وتطوان وغيرها من المدن التي تلزم المهاجرين بالعيش في حي خاص بهم يدعى "دعزيوس".
وترى الجمعوية، أن تسمية الحي تنطوي على كثير من العنصرية ونبذ الآخر كما أنها عنوان للإقصاء وقصور سياسة الإدماج التي تنبني على التعايش والسلم وتقبل ثقافة الآخر كيفما كان لونه وعرقه.
وكانت المملكة المغربية، قد نهجت سياسة جديدة أُعطيت انطلاقتها سنة 2013، تلاها إطلاق عملية تسوية للوضعية القانونية للمهاجرين عام 2014، استفاد منها ما يقارب 25 ألف شخص، قبل أن تنطلق نسختها الثانية بداية 2017، وهي الإجراءات التي جعلت المغرب بلد استقرار لهذه الفئة عوض نقطة عبور.
وكان قرار الملك محمد السادس، القاضي بتسهيل وتسريع مساطر تسليم بطاقة الإقامة لفائدة المهاجرين غير الشرعيين بالمغرب، مع تمديد مدتها إلى ثلاث سنوات بدلاً من سنة واحدة، قد لقي ترحيباً وارتياحاً كبيرين من لدن حقوقيين وجمعويين مهتمين بملف الهجرة.